يُطبّل لعصابة العسكر.. إعلام الانقلاب صنع جداراً عازلاً بين المواطن وصانع القرار

- ‎فيتقارير

 

الإعلام المصري في زمن الانقلاب تحوّل إلى أداة للتطبيل لعبد الفتاح السيسي وعصابة العسكر، ولم يعد يهتم بقضايا المواطنين ولا مشكلاتهم، وبالتالي اضطر الكثير من المصريين إلى العزوف عن قراءة الصحف والمواقع الإخبارية وعن مشاهدة القنوات التلفزيونية أو الاستماع إلى الإذاعات، في حالة أشبه بالمقاطعة .

كان عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي قد وجه، خلال اجتماعه بمسئولي إعلام الانقلاب، بوضع خريطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري وفق زعمه، بالاستعانة بكل الخبرات والكفاءات المتخصصة وإتاحة البيانات والمعلومات للإعلام، خاصة في أوقات الأزمات التي تحظى باهتمام الرأي العام، وإعلاء حرية التعبير، واحتضان كل الآراء الوطنية ضمن المنظومة الإعلامية .

 

سياسة الحجب

 

في المقابل كشفت دراسة أجرتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير الحقوقية في يونيو من عام 2020 أنه منذ عام 2017 طاول الحجب مئات المواقع الإلكترونية، وهدفت حكومة الانقلاب من تنفيذه إلى السيطرة على المحتوى الذي يخرج للجمهور عبر هذه المواقع، خاصة تلك التي لا تخضع لرقابة العصابة  .

وأشارت الدراسة إلى أن ممارسات الحجب استهدفت في بداياتها عدداً من المواقع الصحفية والإعلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين أو المجموعات القريبة منها، ثم تطورت لتطاول مواقع صحفية وإعلامية محلية مستقلة، وكذلك التابعة لمؤسسات إعلامية دولية، وأخرى تابعة لمؤسسات حقوقية .

 

فيما كشف التقرير السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" حول حرية الصحافة، الصادر في مايو من العام الماضي، عن تراجع مصر في زمن الانقلاب أربعة مراكز على مؤشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة خلال العام الحالي، لتحتل المركز 170 من أصل 180 دولة شملها التصنيف، مقارنة بالمركز 166 خلال العام الماضي.

 

أبواق قليلة الخبرة والكفاءة

 

حول أوضاع الإعلام في زمن الانقلاب قال محمد غالي مواطن ثمانيني: "لم يعد لنا صوت، أصبحت مشكلاتنا، وهمومنا اليومية هوامش في عناوين الصحف وعلى شاشات التلفاز، مشيرا إلى أنه اضطر إلى تغيير عادته التي داوم عليها طوال سنوات عمله بإحدى الهيئات الحكومية قبل خروجه على المعاش، إذ كان حريصاً على شراء ثلاث صحف بين قومية وحزبية وخاصة، لتصفحها أثناء موعد الإفطار بالعمل، ثم العودة مساء لمشاهدة برامج "التوك شو" الشهيرة، ليقرر الاكتفاء حاليا بمتابعة منصات التواصل الاجتماعي ومطالعة الأحداث الإخبارية على الشاشات العربية والأجنبية".

وأضاف غالي : كانت من أسعد اللحظات حين تجتمع الأسرة لمشاهدة برنامج التوك شو الشهير (البيت بيتك) على شاشة التلفزيون ، وجرأة القضايا التي يطرحها واشتباكه مع المسؤولين، من أجل قضية تخص المواطن أو النقاش مع أفراد العائلة حول مقال يطرح قضية جدلية لأحد كبار الصحفيين والكتاب، لكن للأسف اختفى هذا المشهد حالياً .

وأكد أنه لم تعد هناك صحافة الرأي والرأي الآخر، واختفى صناع المهنة ورموزها، وحل بديلاً عنهم أبواق ضعيفة التأثير وقليلة الخبرة والكفاءة ولا تهوى إلا إرضاء المسؤول، فأصبح المواطن خارج المعادلة نهائياً، ولم يعد من حقه أن يشارك برأيه في كثير من القضايا .

 

صحافة المعارضة

 

وأشار غالي إلى أن رأي المسؤول أصبح هو الصوت الأوحد، وباتت قراراته تتصدر عناوين الصحف، فيما توارت أخبار المواطن ومشكلاته، وأصبحت تتذيل الصفحات الأخيرة، وباتت المعلومات عن أي قضية جماهيرية تنشر في الإعلام الأجنبي قبل أن تذاع أو تنشر في مصر .

وتساءل : أين صحافة المعارضة التي كانت تعبر عن قضايا الشارع وهمومه وأحياناً تقيل مسؤولين من مناصبهم؟ مشيراً إلى أن المسؤول في فترات زمنية سابقة كان يخشى في كثير من الأحيان مواجهة الصحفيين أثناء الحديث عن مشكلات تتعلق بالمواطن، وكانت الكلمة لها قوتها وتأثيرها وعنفوانها، بينما تبدلت الحال في الوقت الراهن، وأصبح بعض رؤساء التحرير ومقدمي البرامج هم من يخشون غضبة المسؤول لحماية مناصبهم.

 

فارغة المضمون

 

وقال مصطفى الوكيل قهوجي : "كنت أداوم على شراء صحيفتي الأهرام القومية والدستور المعارضة لتصفحهما قبل تحضير المشروبات للزبائن، وكانت أسعار الصحف آنذاك زهيدة وفي متناول الأيدي ومليئة بالقضايا المثيرة الأكثر جاذبية، كنت أعرف أحوال البلد منها، لكن حالياً أصبح سعرها باهظاً وأصبحت فارغة المضمون والمحتوى ومتشابهة فيما بينها، لذلك قررت العزوف عن شرائها وتوفير نفقاتها في شراء وجبة إفطار أو مستلزمات للمنزل" .

وأضاف الوكيل: كنت أختلس النظر لمشاهدة كبار مقدمي برامج التوك شو أثناء تحضير المشروبات للزبائن، وكانت تعجبني حوارات الأستاذ هيكل في تحليل الشؤون الخارجية، واستمتع بمواجهات وائل الإبراشي وحمدي قنديل وغيرهما، لكن حالياً أشعر أن غالب مقدمي البرامج أصبحوا يعيشون في جزر منعزلة عن المواطن، لا يتحدثون إلا عن المشروعات والإنشاءات ومخططات التطوير في الطرق والكباري والمدن الساحلية، وتغافلوا عن أوجاع الناس الحقيقية، فأصبحت لا أرغب في المشاهدة، وأركز على كسب قوت يومي فقط .

وتابع قائلا : "سئمت من سماع نبأ إغلاق صحيفة وتسريح صحفيين أو حجب موقع إلكتروني أو منع مقال من النشر أو إعلامي من الظهور أو حبس صحفي في قضية رأي، أتحسر على غياب كبار الرموز والإعلاميين الذين شاهدتهم على مر السنين، مشيرا إلى أنه يجب ألا يلوم البعض المواطن إذا لجأ لإشباع رغبته في الحصول على المعلومات من القنوات الأجنبية، لأنه لم يعد هناك بديل آخر للحصول على المعلومة ".

 

مقاطعة

 

وقالت عواطف المهدي، معلمة بإحدى المدارس الخاصة: إنها "قررت مقاطعة الصحف وبرامج التوك شو قبل سنوات، متسائلة : هل من المنطقي والمعقول أن يعاني المواطن غلاء الأسعار أو انقطاعات الكهرباء المتكررة أو مصروفات المدارس الباهظة، وتتجاهل الصحف ذلك ونجد مقدمي البرامج يستضيفون المسئولين عن تلك المشكلات لتقديم النصح والتوجيه؟".

وأكدت أن إعلام الانقلاب صنع خلال السنوات الماضية جداراً عازلاً بين المواطن وصانع القرار، فلم يعد ينقل إلا التصريحات الوردية للمسؤولين ويتناسى طبقات الشعب البسيطة.

 

أفكار الانقلاب

 

وأكد عماد محمود، مالك مطعم فول وطعمية بحي الدقي أن الإعلام عمد إلى تبرير وجهات نظر مسئولي الانقلاب وطرح أفكارهم على حساب المواطن .

وقال محمود : "سعر وجبة الفول والطعمية أصبح جنونياً، ويفوق طاقة الكثير من الأسر المصرية، لم تعد وجبة شعبية مثلما كانت في الماضي، ومع ذلك لم أر صحيفة أو قناة تلفزيونية ترصد هذا الأمر وتواجه المسؤول عن هذا الغلاء الجنوني في الأسعار" .

واعتبر أن الإعلام حالياً في الإنعاش، وانفصل تماماً عما نعانيه .

 

الحال نايم

 

عن واقع ما يعانيه سوق الصحافة حالياً قال محمد كمال، بائع صحف بمنطقة وسط البلد : "الحال نايم" مشيراً إلى أن الجمهور كان يقبل على شراء الصحف ".

وأضاف كمال : في فترة الثورات والأزمات وما قبلها، كنت أوزع أعداداً كبيرة من النسخ اليومية لمختلف الصحف، لكن حالياً أشعر بأن القارئ لم يعد لديه رغبة في القراءة وفقدت الكثير من زبائني.