ورقة تحليلية: مشهد رفض الخدمة في غزة تكشف هشاشة البنية الداخلية لقوات الاحتلال

- ‎فيتقارير

قال تحليل لمركز إنسان للإعلام: إن "تمردٌ سياسي–عسكري في إسرائيل أعاد تعريف حرب غزة كتهديد استراتيجي، وأن مشهد رفض الخدمة من قبل حركة تسمى "جنود من أجل الأسرى" في الكيان الصهيوني، لا يمكن قراءته بوصفه يقظة ضمير متأخرة بقدر ما هو تعبير مكثف عن خوف وجودي على الدولة العبرية ذاتها. بعد تصاعد من قبل الحركة داخل الكيان وهو ما لا يمكن قراءته بوصفه يقظة ضمير متأخرة بقدر ما هو تعبير مكثف عن خوف أيضا من مستنقع قتل الجنود في غزة".

وأشارت الورقة التحليلية إلى أن خطاب الحركة، الذي نقلت قناة "الجزيرة" أطرافا منه اليوم، يشي بأن استمرار الحرب لم يعد وسيلة لتحقيق هدف إنقاذ الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، بل أصبح في تصور جزء متزايد من المجتمع الإسرائيلي تهديداً مباشراً لمصيرهم ولتماسك الدولة، وأن دعم الحرب بات مرادفاً لإطالة عمر الحكومة أكثر مما هو صون لأمن مواطنيها.

واعتبر الموقع المتخصص في الدراسات الإعلامية أن من ينشد حماية "إسرائيل" من الانهيار، يرى في رفض الخدمة واجباً، ما يعني أننا أمام لحظة انكشاف لوظيفة الاحتياط فيما يسمى "جيش الشعب" وللعقد الاجتماعي الذي أسّس العلاقة بين المجتمع والجيش، فتحوُّل الرفض إلى حركة منظّمة هو انتقال نوعي من نقد التكتيك إلى الطعن في سياسات الدولة برمّتها.

وأضافت أنه تراكمت منذ أكتوبر 2023، شواهد على تراجع التزام قطاعات واسعة من الاحتياط، من انخفاض الحضور للخدمة إلى تصاعد مبادرات الامتناع العلني، ما أعاد سؤال "من يقاتل ولماذا" إلى مركز النقاش العام.

وتحول ملف الأسرى سياسياً، إلى نقطة وازنة داخل المجتمع "الإسرائيلي"، فكلما طال أمد الحرب تراجعت قدرة الحكومة على إقناع الأسر بأن استمرار العمليات يخدم تحرير أبنائهم، وهذا التباين- وقد صار علنياً- غذّى تعبئة جماهيرية واسعة قادتها عائلات الأسرى، ورسّخ قناعة بأن القرار الاستراتيجي بات أسير اعتبارات بقاء الحكومة لا حسابات الأمن القومي، وبالتالي يصبح خطاب "جنود من أجل الأسرى" مرآةً لخطاب الشارع، الذي بات يهتف: "صفقة الآن، ومحاسبة لاحقاً".

وعلى المستوى الاجتماعي، تتكثف الأزمة في مدى وجود عدالة في توزيع أعباء الحرب على الشرائح المختلفة، فكلما تراكمت أعباء الخدمة على شريحة بعينها، ومع استمرار الإعفاءات الواسعة للفئات غير الملتزمة بالتجنيد (الحريديم أشهرهم)، يتعمق إحساس لدى المقاتلين فعلا بأنهم وقود مشروع سياسي لا إجماع عليه.

وخلصت الورقة من حيث المبدأ إلى أن هذا التمايز صنع شرخا أعاد تشكيل الخريطة الحزبية وأعاد تعريف العلاقة بين الاقتصاد التي يغذيها جنود الاحتياط وبين آلة الحرب التي تستنزفهم؛ ما يهدد بتسريع نزيف الكفاءات نحو الخارج -وهذا حادث بالفعل- وإضعاف قدرة "الكيان" على تمويل حرب مفتوحة زمنياً ومترامية مكانيا.

وكشف أنه على المستوى الخارجي، تقرأ العواصم المعنية هذا الشرخ باعتباره علامة ضعف داخلي في الإرادة السياسية، فيما تقرأه المقاومة الفلسطينية كفرصة لإطالة أمد الاستنزاف أو لفرض شروط تفاوضية أصلب.

وكشفت التحليل أن معادلة الحرب تغيّرت في عمقها، فلم يعد السؤال كيف تنتصر "إسرائيل" عسكرياً بقدر ما أصبح كيف تتفادى الانهيار من الداخل؟.

هشاشة البنية الداخلية لقوات الاحتلال

ويبدو أن جيش الكيان بسبب المتابعة اللحظية منهار نفسياً حيث تواجه الحكومة الصهيونية أزمة غير مسبوقة في جيشها، حيث فشلت للمرة الثالثة في إقرار أمر استدعاء جنود الاحتياط، وسط تصاعد مؤشرات التمرد والاضطرابات النفسية بين الجنود، فقد رفض عشرات الجنود الخدمة في قطاع غزة، معللين ذلك بحالة "الإرهاق"، ما دفع السلطات العسكرية إلى تهديدهم بالسجن.

وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن تفاصيل صادمة، مؤكدة أن الجيش اضطر إلى تجنيد أفراد من قوات الاحتياط يعانون من أمراض واضطرابات نفسية، في محاولة لتعويض النقص الحاد في صفوف الجنود، نتيجة التصعيد المستمر في غزة.

وقال مراقبون: إن "الأرقام تعكس أزمة نفسية وبنيوية عميقة داخل الجيش الصهيوني، حيث تشير التقارير إلى انتحار ما لا يقل عن 35 جندياً "في الخدمة الفعلية" منذ بداية العمليات العسكرية في غزة، كما يتلقى أكثر من 17 ألف جندي مصاب رعاية من قسم التأهيل بوزارة الدفاع، من بينهم 9 آلاف يعانون من أمراض نفسية".

وخلصت إلى أن تحليل هذا الوضع يكشف أن أزمة الجيش الصهيوني ليست فقط أزمة ميدانية، بل هي أزمة نفسية واجتماعية عميقة، تعكس تأثيرات الحرب الممتدة على معنويات الجنود، وقدرة الجيش على الحفاظ على تماسكه الداخلي.

وتطرح هذه الأزمة أسئلة حول مدى استعداد القيادة الصهيونية للتعامل مع هذه التداعيات النفسية الخطيرة على المدى الطويل.

وتسبب بهذا الخوف بروتكول هانيبعال، لاسيما وأن الفصائل الفلسطينية تواصل محاولات أسر جنود "إسرائيليين" في غزة.

وبالتالي صار هناك خوف فعلي من أسر جندي جديد وأن أي عملية أسر جديدة ستهز المؤسسة العسكرية وستخلط الأوراق على نتنياهو والجنود سيكونون في حالة توتر دائم: وسترتفع نسبة انتحار الجنود  ونسبة الفارين عن الخدمة وانكسار هيبة الجيش أمام المجتمع الإسرائيلي، لذلك كثرة تفعيل بروتكول هانيبعال.

وفي يوليو الماضي وبعد أن نشرت وسائل الإعلام الصهيونية خبر العثور على جزء من جثة أحد الجنود "الإسرائيليين" الذي تم أسره لبعض الوقت في غزة هذا اليوم، دخل الرعب إلى قلوب الضباط والجنود الإسرائيليين على أرض غزة، وصار كل تفكير الجنود، كيف النجاة من جحيم غزة.

وصار الجندي “الإسرائيلي” يتوقع خروج رجال القسام عليهم من تحت الأرض، والنزول عليهم من فوق السماء، والجندي “الإسرائيلي” لا يفكر بالهجوم والقتال، يفكر الآن بكفية الدفاع عن نفسه، وتتصل عليه أمه وزوجته وحبيبته، وتوصيه أن يرجع سالماً، وتقول له: أرض غزة ملونة في التوراة، وقد حلت اللعنة على الجيش الإسرائيلي؛ الذي فشل على بوابات غزة جراء حرب الإبادة.