خطوة جديدة في مسلسل التفريط بمقدرات الوطن.. السيسي يمهّد لبيع “مياه المصريين”

- ‎فيتقارير

 

في مشهد جديد من مشاهد التفريط في ثروات ومقدرات مصر، صادق المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي على قانون “تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي”، الذي يفتح الباب رسميًا أمام خصخصة المياه وتسليم أهم مورد حياتي للمصريين إلى الشركات الخاصة المحلية والأجنبية، تحت ذريعة “تطوير الخدمات” و”جذب الاستثمارات”.

 

بيع الماء بعد الأرض والموانئ

 

القانون الجديد يُلزم وزارة الإسكان بإتاحة مشاركة القطاع الخاص في جميع أنشطة المياه: من الإنشاء والتنفيذ إلى الإدارة والتشغيل. ما يعني أن الشركات ستكون صاحبة اليد العليا في تحديد الأسعار وجودة الخدمة، في وقت يعاني فيه المصريون من أزمات اقتصادية خانقة وارتفاع جنوني للأسعار.

هذا التوجه يأتي ضمن سياق معروف: السيسي الذي باع الموانئ (مثل سفاجا والعين السخنة والإسكندرية)، ورهن أصول الدولة عبر صندوق “ما يسمى سيادي”، وخصخص العشرات من الشركات والمصانع، يتجه اليوم إلى “بيع الماء”، أي بيع آخر شريان حياة للشعب المصري.

 

مصر المديونة تُباع قطعة قطعة

 

الديون الخارجية لمصر بلغت، بحسب البنك الدولي وصندوق النقد، نحو 165 مليار دولار حتى منتصف 2025، بعد أن كانت 43 مليارًا فقط عام 2013 عند وصول السيسي للحكم. هذه الأرقام الصادمة تكشف لماذا يتسابق النظام نحو الخصخصة وبيع أصول الدولة: ببساطة لتمويل خدمة الدين المتضخم الذي يلتهم أكثر من نصف الموازنة.

وتشير تقديرات برلمانية إلى أن قيمة الاستثمارات الأجنبية في قطاع المرافق، وعلى رأسها الكهرباء والمياه، قد تتجاوز 20 مليار دولار خلال العقد المقبل، ما يعني أن المصريين سيدفعون فواتير أعلى ليضمن المستثمرون أرباحًا ثابتة.

 

الدرس القاسي من الأردن والمغرب

 

ليست مصر وحدها التي جُرِّبت فيها وصفات “الخصخصة القسرية” بإيعاز من صندوق النقد والبنك الدولي:

 

الأردن: جرى تسليم إدارة مياه عمّان عام 1999 لشركة فرنسية، وارتفعت الأسعار أكثر من 30% خلال 5 سنوات، قبل أن تضطر الحكومة إلى إعادة النظر بعد موجة احتجاجات شعبية.

 

المغرب: خضعت الدار البيضاء وطنجة لإدارة شركات مياه أجنبية منذ التسعينيات، ما أدى إلى زيادات حادة في الفواتير وصلت أحيانًا إلى ضعف التكلفة السابقة، وأثارت غضبًا اجتماعيًا واسعًا عُرف باسم “انتفاضة الماء والكهرباء” عام 2006.

هذه التجارب توضح أن خصخصة المياه في بلد يعاني 60% من سكانه من الفقر أو الهشاشة الاقتصادية كما هو الحال في مصر، لن تكون سوى كارثة اجتماعية جديدة.

 

خطر مزدوج: سد النهضة والخصخصة

 

بينما تواجه مصر تهديدًا وجوديًا من سد النهضة الإثيوبي الذي يخصم من حصتها السنوية البالغة 55.5 مليار متر مكعب، يفتح السيسي الباب لتسليم ما تبقى من مياه النيل إلى شركات خاصة، بدلاً من أن يحافظ عليها كحق سيادي ووطني.

الأمر يبدو وكأن النظام يسعى لتحويل المصريين إلى “عملاء” يشترون ماءهم من السوق، بينما الدستور نفسه ينص على أن المياه حق لكل مواطن وليست سلعة.

 

لماذا الآن؟

 

إقرار القانون لم يكن معزولًا، بل جاء بعد ضغوط من صندوق النقد الدولي، الذي يشترط في اتفاقاته الأخيرة مع القاهرة (2022 و2024) زيادة مشاركة القطاع الخاص بنسبة 65% في الاقتصاد المصري خلال عقد واحد. وقطاع المياه، كأكثر القطاعات حيوية وربحية، يأتي في قلب هذه الشروط.

 

ختامًا:

 

القانون الجديد ليس مجرد “تنظيم إداري” كما يروّج إعلام السلطة، بل هو خطوة ممنهجة نحو تحويل المصريين إلى رهائن لشركات خاصة ستبيع لهم الماء بالأسعار التي تحددها. وإذا كان الشعب قد صمت على بيع الأرض والموانئ، فإن خصخصة الماء قد تكون القشة التي تقصم ظهر البعير، لأن المساس بالماء هو مساس مباشر بحق الحياة نفسه.