في خطوة جديدة تكرّس التفريط الممنهج في ثروات مصر، أصدر المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي القانون رقم 166 لسنة 2025، الذي يجيز لوزير البترول التعاقد مع الهيئة المصرية للثروة المعدنية وشركة "سنتامين" الأسترالية، لتمديد حقوق استغلال خام الذهب والمعادن المصاحبة له في منجم السكري بالصحراء الشرقية حتى عام 2055. الاتفاقية منحت الشركة الأجنبية 30 عاماً إضافية من السيطرة على أكبر منجم ذهب في مصر، وربما في العالم العربي، وسط تجاهل كامل للخبرات الوطنية التي كان يمكن أن تدير هذا المورد الاستراتيجي لصالح الشعب، منجم السكري: أرقام تكشف حجم النهب بدأ تشغيل المنجم فعلياً عام 2010، وبلغت إيراداته في عام 2023 فقط نحو 892 مليون دولار (أي ما يعادل أكثر من 44 مليار جنيه مصري)، حتى يصل إلى 7.7 ملايين أوقية ذهب، وهو ما يعادل أكثر من 15 مليار دولار وفقاً للأسعار العالمية (حوالي 750 مليار جنيه)، تستهدفا لشركة رفع الإنتاج إلى 506 آلاف أونصة سنوياً حتى عام 2032، أي ما يعادل أكثر من1.2 مليار دولار سنوياً بأسعار الذهب الحالية. ورغم هذه الأرقام الضخمة، لا تحصل مصر إلا على نسبة 50% من الأرباح بعد خصم التكاليف التي تحددها الشركة الأجنبية نفسها، بجانب إتاوة هزيلة لا تتجاوز 3%، في حين تذهب نصف الثروة فعلياً للخارج. مقارنة فاضحة في كثير من الدول الأفريقية مثل غانا وتنزانيا، تصل حصة الدولة من عائدات الذهب إلى ما بين 60 و70%، بينما يكتفي نظام السيسي بمنح الأجانب نصف الثروة تقريباً، مع ضمانات استثنائية تجعل بنود الاتفاقية فوق أي قانون محلي.
إذاما حسبنا العائد الحقيقي، فإن مصر قد تخسر سنوياً ما لا يقل عن 500 مليون دولار كان يمكن أن تدخل خزائن الدولة لو تمت إدارة المنجم بكوادر وطنية أو باتفاقيات عادلة.
على مدار 30 عاماً إضافية، قد تصل خسائر مصر إلى أكثر من 15 مليار دولار من عوائد الذهب وحده، بخلاف حرمانها من تطوير صناعة التعدين الوطنية.
أين الخبرات الوطنية؟ السؤال الأبرز: لماذا يصر السيسي على منح الامتيازات للشركات الأجنبية، بينما يملك المصريون خبرات متراكمة في التعدين والجيولوجيا منذ عشرات السنين؟ إن رجال أعمال مصريين، مثل نجيب ساويرس، تقدموا بعروض لإدارة المنجم، لكن النظام رفضها لصالح الأجانب، ما يكشف أن القرار ليس اقتصادياً بقدر ما هو سياسي مرتبط بالارتهان والولاء للخارج.
تفريط ممنهج في أصول الدولة
ما يحدث مع منجم السكري ليس استثناءً، بل حلقة في مسلسل طويل من التفريط في الأصول والموانئ والسواحل والمطارات وحتى المرافق الخدمية، كل ذلك في مقابل الحصول على قروض مؤقتة أو دعم سياسي خارجي، بينما تتحول ثروات مصر إلى جيوب الشركات الأجنبية لعقود طويلة.