في تحدٍ فجٍّ لمعاناة المصريين، خرج رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، ليعلن ببرود عن موجة جديدة من رفع أسعار البنزين والمواد البترولية، قد تصل نسبتها إلى 20% خلال أكتوبر المقبل، تنفيذاً لتعليمات صندوق النقد الدولي، الذي فرض على نظام السيسي تقليص الدعم المخصص للمحروقات بنسبة 50% في موازنة 2025-2026.
تصريحات مدبولي كشفت التزام الحكومة برفع أسعار الوقود والكهرباء بنسبة تتراوح بين 10 و25% خلال الأسابيع المقبلة، استجابة لإملاءات الصندوق الذي يفرض خفض دعم الطاقة بنسبة 50% هذا العام. والنتيجة: غلاء فاحش، وزيادة في أسعار السلع الأساسية، وانهيار القدرة الشرائية للمواطن، بينما يكتفي مدبولي بترديد أسطوانة "الإصلاح الاقتصادي" الذي لا يجني ثماره إلا السيسي ورجاله.
الانقلابى "مدبولي" يبشر المصريين بجرعة جديدة من الغلاء، معلناً أن زيادة أسعار البنزين والوقود في أكتوبر المقبل "قد تكون الأخيرة"، قبل تطبيق آلية التسعير التلقائي كل ثلاثة أشهر، بحجة ربط الأسعار بالسوق العالمية وسعر الدولار. لكن الحقيقة، كما تكشفها بنود الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أن الحكومة تعمّدت رفع الدعم تدريجياً عن المحروقات والكهرباء، وتصر على تحميل المواطن المصري المنهك ثمن الأزمة الاقتصادية.
مدبولي حاول تزييف الحقائق بادعاء أن ما يجري "قرار وطني" و"لم يُفرض على مصر"، لكن الواقع يفضح الخضوع التام لإملاءات الخارج، بينما يدفع المواطن وحده الثمن عبر التضخم وارتفاع أسعار الغذاء والمواصلات والكهرباء. والأدهى أن الحكومة تبرر جريمة رفع الأسعار بأنها وسيلة "لتغطية دعم السولار"، في وقت يئن فيه ملايين الفقراء تحت خط الفقر، بينما يواصل السيسي بيع الأصول العامة، وطرح شركات الدولة في المزاد لسد عجزه المالي.
السؤال الذي يطرحه الشارع المصري: لماذا يصر السيسي على تعذيب الشعب بالتجويع والغلاء؟ ألا يخشى ثورة جياع قد تقتلع نظامه من جذوره؟ الإجابة تبدو واضحة: السيسي يعتمد على إطعام الجيش والشرطة، وإغداق الامتيازات عليهم، ليضمن حمايته من غضب الملايين، في وقت يحرم فيه الشعب من أبسط حقوقه في العيش الكريم.
إن ما يجري ليس "إصلاحاً اقتصادياً" كما يزعمون، بل عملية إذلال ممنهجة، هدفها إبقاء المصريين تحت قبضة الجوع، لئلا يفكروا في التمرد على نظام فاشل أضاع مقدرات الوطن، ورهن قراره للخارج.
ففي الوقت الذي يزعم فيه مدبولي أن البلاد "مستهدفة من الخارج"، فإن الحقيقة أن الاستهداف يأتي من الداخل، من حاكم مستبد يُفقر شعبه طوعاً، ويبيع ثرواته وأصوله، فقط ليحافظ على كرسيه ولو على جثة الوطن.
الحكومة لم تُخفِ نيتها في تحميل الشعب كلفة الأزمة، إذ أكد مدبولي أن دعم السولار سيُغطى من جيوب المواطنين عبر رفع أسعار البنزين والغاز، وكأن الفقراء ومتوسطي الدخل هم خزينة الدولة الوحيدة. وفي الوقت ذاته، تمضي السلطة في بيع أصول البلاد تحت شعار "وثيقة ملكية الدولة"، وتقديم الشركات الاستراتيجية للمستثمرين الأجانب بثمن بخس، فقط لترضية صندوق النقد.
لكن السؤال الذي يتردد في الشارع: لماذا يصر السيسي على رفع الأسعار إلى هذا الحد، رغم علمه بحالة الغضب الشعبي؟ هل لا يخشى انفجار الناس في وجهه؟
الإجابة تكمن في رهانه المستمر على الجيش والشرطة، اللذين يغذيهما بالامتيازات والرواتب والعطايا، ليبقوا حائط صد أمام أي ثورة شعبية. فالسيسي يعلم أن ملايين المصريين باتوا يعيشون تحت خط الفقر، لكنه يراهن على قبضة أمنية مسلّحة تحمي نظامه من السقوط، ولو كان الثمن سحق الشعب وتجويعه.
وما يزيد المفارقة أن مصر، التي كانت قبل سنوات دولة مصدرة للغاز، أصبحت اليوم تستورد احتياجاتها من الخارج، وسط ديون متراكمة للشركاء الأجانب. ومع ذلك، يصر النظام على تكرار الخطاب الممجوج عن "التماسك الداخلي" و"الظروف الجيوسياسية"، متجاهلاً أن أكبر تهديد لمصر اليوم هو الفقر والظلم وتغوّل السلطة.
في النهاية، تبدو خطة السيسي ومدبولي واضحة: رفع الأسعار، بيع الأصول، إرضاء صندوق النقد، وإطعام الجيش والشرطة. أما الشعب، فلا مكان له في هذه المعادلة إلا كوقود لأزمة لا تنتهي.