ملف سرقة آثار مصر: من هدايا ناصر إلى تهريب السيسي للإمارات

- ‎فيتقارير

 

منذ استيلاء العسكر على السلطة في يوليو 1952، لم تعد الآثار المصرية ملكاً للشعب، بل تحولت إلى "غنيمة سياسية" يتصرف فيها الحاكم كيفما شاء. الرئيس جمال عبد الناصر نفسه قدّم معبدا كاملاً كهدية لأحد الرؤساء الأجانب، في سابقة عكست نظرة النظام العسكري للآثار كأدوات دبلوماسية وليست كنوزاً قومية.

 

السادات: الآثار هدايا شخصية

 

في عهد أنور السادات، لم يختلف المشهد كثيراً. خرجت قطع أثرية نادرة من مصر كهدايا شخصية لكبار الزوار، في وقت كانت البلاد تغرق في صفقات سلاح وسياسات انفتاح أفرغت مؤسسات الدولة من أي رقابة حقيقية على ممتلكات الشعب.

 

مبارك: التهريب المنظّم

 

أما عهد حسني مبارك، فشهد أكبر موجات نهب منظم. وزارة الثقافة، التي خضعت لسطوة فاروق حسني وبتنسيق مع سوزان مبارك، تحولت إلى بوابة واسعة لتهريب القطع النادرة، عبر شبكات دولية في أوروبا وأمريكا. ورغم عشرات البلاغات، لم يُفتح ملف حقيقي لمحاسبة أحد.

 

يناير: الفوضى ويد الجيش

 

مع اندلاع ثورة يناير 2011، ووسط الانفلات الأمني، استغل الجيش الفوضى. تقارير متعددة أكدت سرقة متاحف ومخازن أثرية تحت أعين القوات المسلحة، بينما جرى لاحقاً تصوير المشهد باعتباره "سرقات شعبية"، لتبرئة النظام من أكبر عملية نهب في تاريخ مصر الحديث.

 

السيسي: التصدير العلني إلى الإمارات

 

جاء عبد الفتاح السيسي ليحوّل التهريب إلى "تجارة رسمية". آلاف القطع خرجت من مصر باتجاه الإمارات، حتى أن متحف اللوفر–أبوظبي خصص قاعات كاملة لعرض آثار مصرية، جرى تهريبها في صفقة سياسية–مالية، بعد أن أطفأ السيسي الأنوار في مطار القاهرة لأول مرة في تاريخه لتسهيل خروج الشحنات بلا رقابة.

المثير أن السيسي أصرّ على أن يكون هو "الرئيس الأعلى للمتحف المصري الكبير"، وعيّن لواءً من الجيش أميناً عاماً له، متجاهلاً أساتذة الآثار والمختصين، وهو ما فتح الباب للتساؤل: هل جرى جرد ما نُقل من المتاحف الإقليمية إلى المتحف الجديد؟ وهل خرجت آلاف القطع بالفعل في صفقات سرية إلى أبوظبي؟

 

السوار الذهبي: الحلقة الأحدث

 

بعد يومين من اختفائه، أعلنت السلطات فتح تحقيق في فقدان سوار ذهبي نادر من مقتنيات الملك بسوسنس الأول (الأسرة 21) من داخل خزينة قسم الترميم في المتحف المصري بالتحرير. السوار كان ضمن 130 قطعة مخصصة للسفر إلى روما للمشاركة في معرض "كنوز الفراعنة" الشهر المقبل.

 

الموظفون فوجئوا أثناء الجرد النهائي بغياب القطعة، رغم تسجيلها رسمياً ضمن المقتنيات. جرى التحفظ على بعض الموظفين، وتفريغ الكاميرات، ورفع البصمات، لكن التحقيقات تكشف تضارباً في الشهادات، وسط صمت عن احتمال أن تكون القطعة قد خرجت من مصر بالفعل قبل اكتشاف الواقعة.

 

سمعة مصر على المحك

 

الحادثة تأتي في توقيت حساس، مع متابعة وفود أجنبية للتحضيرات، ما يضع سمعة مصر في حماية آثارها على المحك. ورغم تصريحات رسمية عن "تشديد الإجراءات"، إلا أن السؤال الأهم لم يُطرح:

 

من سرق السوار؟

 

لماذا لم يُفتح تحقيق جاد في آلاف القطع المصرية المعروضة في متحف اللوفر أبوظبي؟

 

ولماذا يصرّ السيسي على عسكرة إدارة المتاحف وتهميش المتخصصين؟

 

 نهب مستمر بلا حساب

 

منذ هدايا عبد الناصر وحتى تهريب السيسي، يتضح أن نهب آثار مصر لم يكن استثناءً أو حادثة فردية، بل سياسة متواصلة يشارك فيها العسكر على اختلاف أجيالهم. وإذا كان سوار الملك بسوسنس قد اختفى في "التغليف"، فكم من الكنوز اختفت في صفقات لم يُعلن عنها؟