آثارت حكومة الانقلاب الكثير من الانتقادات من المواطنين والخبراء عقب إعلانها ما أسمته «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل» وهى السياسات التى تزعم دولة العسكر أنها ستسير عليها حتى عام 2030، مع التوقف عن التعامل مع صندوق النقد الدولى .
وتساءل الخبراء عن الخطة التى يجب على حكومة الانقلاب أن تسير عليها فى مرحلة ما بعد الصندوق، والتى من خلالها يمكن للمواطن المصرى أن يشعر بتحسن ملحوظ فى معيشته وحياته اليومية، وأن تعود إلى الجنيه قوته الشرائية من جديد، وما المطلوب تنفيذه من أجل الوصول إلى هذه المرحلة.
وأكدوا أن المرحلة المقبلة تتطلب الاعتماد على زيادة الاستثمار الأجنبى المباشر الذي يهدف للتصدير، وتوفير التسهيلات اللازمة لهذا النوع من الاستثمار، مع السيطرة على الديون خاصة الخارجية منها لأنها تضغط على الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية بجانب تقليص فاتورة الاستيراد الضخمة سنوياً.
وطالب الخبراء بضرورة توقف حكومة الانقلاب عن ضخ الاستثمارات العامة عن طريق الاقتراض، ومنح الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة فى المشروعات بنسبة أكبر، لأن ذلك سيخلق المزيد من فرص العمل للمواطنين، مع زيادة الإنتاج، وخفض المديونية العامة لدولة العسكر، ويخفف من أعباء خدمة الدين.
فيما أعرب المواطنون عن قلقهمً من هذه السردية متوقعين أن يكون الأمر مجرد تغيير مسمى من خطة إلى سردية، بينما ستبقى المعاناة على ما هى عليه .
خطة جديدة
من جانبه دعا المحلل الاقتصادى، محمد أنيس، إلى تنفيذ تغييرات حتمية عند وضع خطة اقتصادية جديدة للاقتصاد المصرى تتلافى العيوب التى كانت موجودة فى الاستراتيجية التى كنا نسير عليها خلال الـ10 سنوات الماضية.
وقال أنيس فى تصريحات صحفية : حتى نصنع طفرة اقتصادية حقيقية يشعر بها المواطن، لابد أن يكون العنوان الرئيسى للاستراتيجية هو الاستثمار الأجنبى المباشر الذى يستهدف التصدير، معربا عن أسفه لأن حكومة الانقلاب لم يكن لديها هذه القناعة خلال السنوات الماضية، وكانت تزعم أننا أقوياء ونمتلك كل شىء ونستطيع تنفيذه بأنفسنا، ولا نحتاج إلى رأس مال الاستثمار الأجنبى وسنحصل على قروض تعوض هذا الاستثمار، لذلك وصلنا لما نحن فيه الآن من كوارث .
وشدد على ضرورة أن يكون اجتذاب هذا النوع من الاستثمار المستهدف للتصدير فى صدارة الاستراتيجية المصرية بعد مرحلة الصندوق، موضحا أنه إذا خُلقت هذه القناعة سوف يتبعها قناعات أخرى حتمية ، منها إزالة عوائق الاستثمار والتركيز على البيروقراطية المصرية من معيقة للاستثمار إلى ميسرة للاستثمار، من خلال إتمام التحول الرقمى والشمول المالى.
وأشار أنيس إلى ضرورة الاهتمام بترتيب مصر فى المؤشرات القطاعية التى تصدرها المؤسسات العالمية، فمثلاً فيما يخص مؤشر كفاءة البيروقراطية ما زلنا فى مرتبة متأخرة على مستوى العالم، مقارنة بدول أخرى مجاورة لنا مثل تركيا والإمارات والسعودية خاصة أن هذا المؤشر فى غاية الأهمية للمستثمر الأجنبى .
العنصر البشرى
وطالب بتوجيه الاستثمارات العامة لتنمية العنصر البشرى من خلال توفير أيدٍ عاملة مدربة، لأنها من أهم متطلبات الاستثمار الأجنبى المباشر، لأن العمالة الفنية المدربة تساعد المستثمر الأجنبى فى الداخل، ونستطيع تصديرها للخارج .
وأشار أنيس إلى ضرورة توفير الأراضى الصناعية المزودة بالمرافق، لأن المستثمر الجاد لن يأتى إلى مصر لكى يتاجر فى الأراضى، وليس لديه استعداد أن يضع أمواله فى أراضى، بل يضعها فى معدات وماكينات، ولذلك لا بد أن يتسلم أراضى جاهزة بنظام الإيجار أو حق الانتفاع أو بشراكة بنسبة من الأرباح .
وشدد على ضرورة الحفاظ على معدل تضخم فى نطاق المستهدف من البنك المركزى فى حدود 7% حتى لا تتكرر أزمات السنوات الماضية، لأنه دائماً ما تكون الأزمات ناتجة عن انفلات معدل التضخم بسبب سياسات نمو تضخمى، مطالبا برفع أولوية الحفاظ على معدلات تضخم منخفضة على أولوية معدلات نمو مرتفعة .
وقال أنيس : لابد من خلق نوع من استدامة الديون الخارجية، لأننا نقترض بالدولار بينما إيراداتنا بالجنيه، كما أننا نقترض ديوناً قصيرة الأجل لصالح مشروعات بنية تحتية طويلة الأجل، ولا بد من معالجة هذا العوار، والتخلص من مشاكل الديون الخارجية.
وحذر من أن تكرار الذهاب لصندوق النقد أمر له آثار سلبية على مرونة وقدرة دولة العسكر على التصرف بنفسها، موضحا أن البرنامج الحالى يعد الفرصة ما بعد الأخيرة لأننا نفذنا 3 برامج فى 10 سنوات، وتخطينا نسب التمويل الخاصة بمصر مع الصندوق، ولا نستطيع التوجه للصندوق مرة أخرى، لأن التعامل معه يركز على الاختلالات الكلية، والعجز المالى والتجارى، ولن يركز على النمو والاستثمار فى الموارد البشرية ورفع مستوى المعيشة التى تحتاج إلى برامج تنمية اقتصادية لها أثر مباشر على المواطن ومعيشته.
الاستثمار الأجنبى
وطالب المحلل المالى والاقتصادى، مصطفى شفيع، بضرورة العمل على مجموعة عناصر عند وضع خطة اقتصادية لأى دولة تتمثل فى مؤشرات الاقتصاد الكلى سواء معدل النمو بالنسبة للناتج المحلى أو معدل التضخم والبطالة وخلافه، بالإضافة إلى التنوع الاقتصادى للدولة.
وقال شفيع فى تصريحات صحفية : الملف الثانى يتمثل فى تطوير البنية التحتية سواء إنشاء طرق أو موانئ أو مطارات وكل ما يخدم المواطنين والاستثمار بصورة عامة داخل الدولة سواء محلى أو أجنبى، بالإضافة إلى العمل على تنمية الموارد البشرية خاصة أن السوق المصرى يضم عمالة ضخمة لكن ينقصها التنمية البشرية وزيادة المؤهلات.
وشدد على ضرورة أن أن تهتم دولة العسكر بجذب الاستثمار الأجنبى ووضع ملامح استثمارية بأهم القطاعات الواعدة التى تجذب المستثمرين وغيرها من الامتيازات والتسهيلات.
وطالب شفيع بضرورة استقرار سعر الصرف والتحكم فى التضخم وزيادة الاستثمارات الخاصة، والتركيز على قطاعات معينة مثل الصناعة وإعادة تشغيل المصانع المتعثرة وزيادة التصدير وتحسن الميزان التجارى ، وتوطين الصناعات فضلاً عن زيادة الاهتمام بقطاع السياحة والتكنولوجيا والاتصالات.
وأشار إلى ضرورة تنشيط قطاع الصادرات والاعتماد على التصنيع المحلى لتقليل استهلاك الدولار، لأنه المؤرق الأساسى للتجار ومربوط به معظم السلع فى مصر، واستقراره يعنى استقرار الأسعار وانخفاضها فيما بعد، وهذا ما يهم المواطن بالدرجة الأولى مطالبا بضرورة التحكم فى فاتورة الاستيراد وزيادة التصدير، فضلاً عن السيطرة على معدلات التضخم.