أعاد الكشف الأخير عن وجود مقابر جماعية في شمال سيناء فتح ملفٍ مسكوت عنه منذ سنوات، إذ تعالت المطالب الشعبية والحقوقية بضرورة الإعلان عن أماكن الجثامين وتسليمها لذويها، في ظل ما يعتبره أهالي المحافظة تجاهلاً متعمداً من الدولة لقضية تمسّ مئات العائلات.
نجل أحد الضحايا الذين قُتلوا برصاص مسلحين في مدينة الشيخ زويد عام 2016، قال في تصريحات صحيفة " إنه لا يعرف حتى الآن مكان دفن والده، رغم محاولاته الطويلة للبحث عنه. وأضاف أن الحديث عن المقابر الجماعية أعاد الأمل للأهالي بأن تتحرك السلطات لرفع الغموض عن مصير أبنائهم ودفنهم بما يليق، بدل إبقائهم أسرى "الصندوق الأسود" للقتل والإخفاء.
تحقيق حقوقي يورّط الدولة
مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، بالتعاون مع منظمة Forensic Architecture البريطانية، أصدرت تقريراً تحت عنوان "قُتلوا بدم بارد"، تضمن ما وصفته بالأدلة "الدامغة" على وجود مقبرة جماعية تضم رفات مدنيين، كثير منهم من أبناء القبائل المحلية، قُتلوا بين عامي 2013 و2022.
التقرير اعتمد على صور أقمار صناعية، وشهادات شهود عيان، وتحليلات تقنية متقدمة، كشف من خلالها عن عمليات دفن متسرعة وغير منظمة لجثامين قُتلت خارج نطاق القانون. كما وثّق الانتهاكات من اعتقال تعسفي وتعذيب وإخفاء قسري، انتهت في كثير من الحالات بالقتل المباشر.
الأهالي: الدولة تتجاهل الملف
الناشط السياسي زهدي جواد من العريش وصف ملف المفقودين في سيناء بأنه "صندوق أسود لم يُفتح بعد"، مشيراً إلى أن مئات من أبناء المحافظة ما زالوا مجهولي المصير. وأكد أن استمرار تجاهل الدولة، رغم انتهاء حالة الطوارئ وتحسن الوضع الأمني، يضاعف معاناة الأسر ويثير الشكوك حول مسئولية الجيش والشرطة في هذه الجرائم.
في السياق ذاته، شدد الشيخ أبو محمد السويركي على أن الأهالي يستحقون ردّاً رسمياً واضحاً يحدد مصير أبنائهم، مؤكداً أن الكشف عن المقابر الجماعية "زاد من قلق العائلات" التي تريد فقط دفن ذويها بكرامة، بغض النظر عن الجهة المسئولة عن قتلهم.
دلالات سياسية وإنسانية
الكشف عن هذه المقابر يضع النظام المصري أمام تساؤلات ثقيلة:
من يقف وراء هذه الجرائم التي جرت في الخفاء؟
لماذا يتمسّك الجيش والسلطات بالصمت رغم توفّر الأدلة والقدرة على التحقيق؟
وهل الصمت الرسمي محاولة للهروب من مسئولية محتملة قد ترقى إلى جرائم حرب في نظر القانون الدولي؟
في النهاية، تبقى المقابر الجماعية شاهداً دامغاً على مرحلة دموية في سيناء، وملفاً لا يمكن دفنه تحت التراب، لأنه يخص مئات العائلات التي تطالب اليوم بحقها الطبيعي: معرفة مصير أبنائها ودفنهم بكرامة، ومحاسبة من ارتكبوا هذه الجرائم .