التحذيرات من التداعيات السلبية لتشغيل سد النهضة الإثيوبي وملء بحيرته دون اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب (مصر والسودان) تتواصل فيما يلتزم نظام الانقلاب الدموى بقيادة عبدالفتاح السيسي الصمت ويكتفى باصدار بيانات ترفض الممارسات الاثيوبية دون اتخاذ موقف عملى على الأرض رغم ما يمثله الموقف الأثيوبي من تهديد مباشر لحصص المياه التاريخية فى نهر النيل لدولتي المصب .
كانت جميع جولات التفاوض بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن السد الذي تبنيه أديس أبابا على مياه النيل الأزرق، قد انتهت بالفشل بسبب رفض التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد مع دولتي المصاب، في حين تؤكد التقارير أن السد من شأنه أن يتسبب في أضرار بالغة بحصص مصر والسودان من مياه النيل.
حصص تاريخية
فى هذا السياق حذّر الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري الأسبق، من التداعيات السلبية لتشغيل سد النهضة الإثيوبي وملء بحيرته دون اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب ، مؤكدًا أن هذه الخطوة تمثل تهديدًا مباشرًا لحصص المياه التاريخية للدولتين.
وأوضح علام، في منشور عبر «فيسبوك»، أن تشغيل السد دون تنسيق أدى إلى تصريف كميات ضخمة من المياه عبر مفيض الطوارئ، بعدما امتلأت البحيرة بالكامل مع توقف معظم التوربينات عن العمل، وهو ما ألحق أضرارًا بالسودان وهدّد سدودها.
إدارة السد
واعتبر الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن ما يحدث هو «تخبط في إدارة السد»، مشيرًا إلى أن الملء الكامل في سبتمبر الماضي تم دون تشغيل منتظم للتوربينات، وهو ما دفع إثيوبيا لفتح 4 بوابات من المفيض العلوي، إضافة إلى المفيض الأوسط، لتصريف المياه.
وأكد شراقي فى تصريحات صحفية أن هذا التصريف تسبب في ارتفاع منسوب النيل بالخرطوم يوم 24 سبتمبر إلى 16.64 متر، متجاوزًا منسوب الفيضان المحدد بـ16.50 متر، فيما بلغ حجم المياه المنصرفة نحو 635 مليون متر مكعب، بزيادة 200 مليون عن معدل الأمطار.
وأشار إلى أن السد العالي في مصر جاهز لاستقبال الوارد الإضافي، وأن بحيرة ناصر تسجل زيادات تدريجية في المنسوب رغم ذروة موسم الاستهلاك المائي.
اتفاق المبادئ
وقال خضر هارون السفير السوداني السابق لدى واشنطن إن مستقبل سد النهضة مربوط بتعاون اثيوبيا مع كل من مصر والسودان وفق اتفاق المبادئ الذى تم توقيعه عام 2015، أي أن يكون لهم حضور مشارك في السد نفسه عبر فنيين سودانيين ومصريين يسهمون في إدارة السد بما لا يحدث ضرراً بالنسبة للسودان ومصر من ناحية الزراعة، ومن ناحية الفيضانات، ولاعتبارات فنية كثيرة.
وأعرب هارون فى تصريحات صحفية عن اعتقاده بأن المجال لنزع فتيل الغضب والتوجس مفتوح، ويتحقق في أن توافق إثيوبيا على إشراك الطرفين فى إدارة سد النهضة .
وشدد على ضرورة أن تدرك إثيوبيا أن إنشاء السد وافتتاحه ليس هو نهاية المشوار، مؤكدا أن السد وما صاحبه من خلافات سيخلق نوعاً من التوجس يتبعه نوع من الاستعدادات العسكرية والتخابر بين الدول، مما يعني أن الجو لن يكون مناسباً للنهضة والتنمية، بل ستسيطر ظلال الحرب على الأجواء
وأشار هارون إلى أنه تفادياً لهذا المناخ غير الصحي يجب استدراك خطأ إصرار إثيوبيا على ملء الخزان مرة واثنتين دون إشراك طرفي المصب عبر الوصول إلى اتفاق وتراضٍ وتعاون بين الأطراف .
وطالب إثيوبيا باتباع طريق التعاون في قضية سد النهضة مع دولتي المصب، ومشاركتهما في إدارته وتسييره، وتحقيق المنفعة الجماعية منه، لتعلو قيم التعاون الحقيقي والسلام بين دول الجوار وبخاصة في مجال المياه التي هي عصب الحياة
هيمنة مائية
وقالت الخبيرة في شئون القارة الأفريقية نجلاء مرعي، إن واقع سد النهضة يدون مرحلة تاريخية جديدة في معادلة مياه نهر النيل بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، مؤكدة أنه بداية لفصل جديد من النزاع حول الموارد المائية، ويعكس نهجاً إثيوبياً قائماً على فكر يسعى إلى محاولات فرض الهيمنة المائية بدل تبني مبدأ الشراكة والتعاون، حيث الانزلاق العالمي نحو سياسة ’القوة هي الحق‘ يشجع البعض على السعي وراء طموحات إقليمية تحت غطاء الفوضى العالمية .
وكشفت نجلاء مرعي فى تصريحات صحفية ، أن إثيوبيا تعمل على توظيف السياقين الدولي والإقليمي لصالحها، فعلى الصعيد الدولي توظف إثيوبيا التعارض في المصالح الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، وبخاصة في ظل السعي إلى السيطرة الجيوستراتيجية على القارة الأفريقية من خلال تمكين بعض القوى الإقليمية (إسرائيل وإثيوبيا) من لعب أدوار إقليمية فاعلة، تمهد لإعادة النفوذ الأمريكي في مواجهة التمدد الصيني والروسي في البحر الأحمر .
وأشارت إلى أن إثيوبيا استخدمت في مراحل تصميم وبناء سد النهضة عدداً من التكتيكات المراوغة للتوظيف السياسي لدعم مكانتها الإقليمية والدولية، ومنها الاعتماد على ’الرواية الواحدة‘ التي تصور السد على أنه مشروع تنموي إقليمي، إذ روجت النخبة السياسية الحاكمة في إثيوبيا، ولا تزال، فكرة أن المشروع لن يتسبب بأي ضرر جسيم لدولتي المصب بل سيحقق فوائد للمنطقة، ويضمن حق إثيوبيا في التنمية .
واعتبرت نجلاء مرعي أن فشل سد النهضة في تحقيق أهدافه المعلنة، إذ لم يولد سوى 1800 ميجاوات من أصل 5600 مستهدفة عبر ستة توربينات فقط من بين 16 توربيناً كان مقرراً تشغيلها، قد يضعف موقف أديس أبابا ويمنح دولتى المصب هامشاً أوسع للتحرك مع شركاء حوض النيل الذين كانوا يراهنون على كهرباء رخيصة من إثيوبيا، لكنهم أعادوا النظر بعد تعثر المشروع.
وتوقعت أن تشهد المرحلة المقبلة تشكيل تحالفات ثنائية أو ثلاثية، أو ربما يظل التفكير الأحادي هو المسيطر على صورة العلاقة بين دول الإقليم، مشددة على أن سد النهضة رغم أهميته ليس هو نقطة الخلاف الأساسى، فى ظل وجود عدد من الملفات المعلقة سواء الخلافات الحدودية أو ملف الموانئ وأمن البحر الأحمر والتنافس على الريادة في الإقليم مع وجود قوى خارجية تستفيد من الفوضى، لرسم خريطة جديدة للمنطقة وإنتاج واقع جيوسياسي جديد .