في الوقت الذي تناقلت فيه وسائل التواصل الاجتماعي معلومات ومشاهد مكثفة من الاحتجاجات التي شهدها الشارع المغربي خلال الأيام الماضية ، تثاقلت وسائل الإعلام عن نقل الحقائق أو التعاطي مع الحدث ، وجاءت مشاركاتها متأخرة محدودة بينما اتسع مجال التغطية في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي ، حتى شكل المصدر الرئيس لتلقي المعلومات عن الحدث.
والحقيقة فإن المشرق العربي يعاني جهالة كبيرة عن بلدان المغرب ولا يعرف كثيرا عن تفاعلات الواقع السياسي ، بما يدفعه للتعامل المفاجئء مع حدث كبير تجلى في تلك المظاهرات التي اجتاحت الشارع المغربي بين عشية وضحاها ، وباتت تشكل ظاهرة يردها كل متابع وفقا لخلفياته وتطلعاته وقراءته للواقع المشرقي.
وأتصور أن البداية الصحيحة للتعاطي مع الحدث وقراءته بشكل دقيق تبدأ خطواتها الأولى من توفر قدر مناسب من المعرفة عن واقع الحياة السياسية والدعوية والفكرية في المغرب ، وهو ما يصلح أن يكون بداية مناسبة للتقييم والمتابعة.
ولهذا نسعى جاهدين أن نقدم قراءة دقيقة للواقع المغربي وتجلياته بما يمكننا من قراءة المشهد ومتابعة الأحداث على بينة ، ومن ثم التفاعل والتناغم بين إرادات الشعوب في المشرق ومثيلتها المغرب بما يساعد في وحدة الأمة أهدافا وتطلعات.
بداية فإن المغرب نظام ملكي يطرح نفسه باعتباره يمثل الضمانة الحقيقية لاستقرار الدولة وبقائها ، ويسمح بتنافس بين الأحزاب السياسية في البرلمان وتشكيل الحكومة التنفيذية التي تقع تحت سيطرتها معظم الوزارات فيما عدا الداخلية والدفاع والاوقاف والتي تظل من اختصاص الملك بعيدا عن المنافسة السياسية ، بينما يرسم " المخزن" – وهو الاسم الشائع عن منظومة الحكم الملكي – السياسة الخارجية ويترك مساحات التنفيذ فيها لوزير الدولة للشؤون الخارجية من خلال الحكومة المنتخبة.
وتظل المرجعية الدستورية في البلاد شأنا خالصا للملك ، الذي يمنح الصلاحيات أو يسمح بتفويض بعضها إلى البرلمان كما حدث في تعديلات الدستور التي تمت في ظلال الربيع العربي ومتغيراته.
ويظل الجانب الأكبر من القوى السياسية والمجتعمية في المغرب يعمل تحت مظلة الملك ، بينما ترفض بعض القوى الإسلامية هذه المظلة وتفضل أن يكون الشعب هو المظلة للدستور وللعمل السياسي بشكل مباشر.
القوى الإسلامية
وتبدو فكرة العمل من خلال الملك وتحت سقفه ، مساحة الخلاف المركزية بين أكبر مكونين للحركة الإسلامية في المغرب : الأولى هي حزب العدالة والتنمية القريب من حركة التوحيد والإصلاح والتي تأسست نتيجة اندماج عدد من القوى الإسلامية.
ويعمل حزب العدالة والتنمية كما تقبل حركة التوحيد والإصلاح العمل تحت مظلة الملك من خلال القبول بالتنافس الحزبي الذي قاد العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة مرتين الأولى برئاسة عبد الإله بنكيران عقب انتخابات 2011 م ، والثانية كانت برئاسة الدكتور سعد الدين العثماني ، الذي سبق أن تولى حقيبة وزارة الدولة للشؤون الخارجية ، إلا أن الحزب فقد لاحقا موقعه كقوة قيادية في البرلمان خلال انتخابات 2021 م.
أما حركة العدل والإحسان وهي القوة الثانية من القوى الإسلامية ، فهي ترفض العمل تحت مظلة الملك رغم قناعتها بالعمل السياسي ، في إطار الفهم الشامل للإسلام ، إلا أنها ترى أن الشعب هو المظلة الحقيقية للمشاركة السياسية والمشاركة المجتمعية ، وهو ما حرمها من توفيق أوضاعها الرسمية ، رغم دقة الهيكلة التنظيمية في مكوناتها ، وهي تملك قدرة تعبوية شعبية كبيرة ومؤثرة تظهر بشكل جلي عبر الاحتجاجات والتعبئة الاجتماعية. ولها دور كبير في فعاليات فلسطين في الآونة الأخيرة.
والحقيقة التي تحتاج إلى تأكيد أن جناحي الحركة الإسلامية لا يرتبط بعلاقة تنظيمية أو تنسيقية أيضا مع مكونات الحركة الإسلامية والتي تتمثل في جماعة الإخوان المسلمين ، رغم التشابه الفكري بينهما من ناحية وبين فكر جماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى ، بل ويتشابهان معها في اعتمادهما العمل التنظيمي.
وهناك حركات إصلاحية إسلامية ومجموعات شبابية متنوعة غير حزبية أخرى ، ولكنها في غالبها لا تخرج عن المنطلقات الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين دون أن تنخرط أو تقترب أو تلتقي معها تنظيميا أو تنسيقيا.
التيارات الليبرالية والاشتراكية
وتظل بقية القوى والأحزاب السياسية في المغرب تعمل تحت سقف الملك – كشرط أساس للمشاركة السياسية – بينما يحرمها رفض العمل تحت هذه المظلة حق التنافس السياسي وربما الشرعية القانونية.
وتتوزع التركيبة الحزبية بعيدا عن القوى الإسلامية بالمغرب بين عدد من الحزم الفكرية ومن ذلك :
- أحزاب اليمين والأحزاب التقليدية وتضم:
- حزب التجمع الوطني للأحرار ، وهو حزبيركز على المجال الاقتصادي وصار أبرز قوة منذ انتخابات 2021 ، حيث فاز بأكبر عدد مقاعد في البرلمان.
- حزب الحركة الشعبية ، وهو حزب محافظ ويعد ممثلا لبعض المناطق الإقليمية " الجهوية في الأرياف والمناطق البدوية.
- أحزاب ليبرالية وتضم:
- حزب الأصالة والمعاصرة ، وهو حزب نخبوي طابع نخبوي وجاء ثانياً في انتخابات البرلمان عام 2021. م
- أحزاب قومية تاريخية وتضم:
- حزب الاستقلال ، وهو حزب قومي محافظ، له قاعدة داخل الإدارة والطبقة الوسطى.
- أحزاب اليسار ضعيفة التأثير وتضم :
- الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
- حزب التقدم والاشتراكية.
في المجمل ، هذه مقدمة واجبة وتعد مدخلا مهما للتعرف على السياقات التي خرجت منها تظاهرات المغرب ، وإن كانت بحاجة ماسة إلى مزيد من القراءة للتفاصيل والفجوات التي أخفتها خريطة القوى والتيارات السياسية في المغرب والتي تسربت منها تلك التظاهرات ، لتبحث عن مسار بديل خرجت منه ، وهو ما يحتاج إلى مزيد من التفصيل.