قيادات عسكرية سابقة باتت تتولى مناصب حزبية وسياسية بارزة في أحزاب السلطة الموالية للمنقلب عبدالفتاح السيسي، تعكس نمطًا واضحًا لتغلغل الخلفية العسكرية في المشهد الحزبي المصري.
ففي حزب "حماة وطن" كان مؤسسه الفريق جلال الهريدي رئيس الحزب (رحل في يناير 2025) وأخيرا وخلال سبتمبر الماضي عينت الأجهزة الفريق محمد عباس حلمي وهو قائد سابق بالقوات الجوية في حين كان الهريدي مؤسس سلاح الصاعقة.
ولا يقتصر التواجد العسكري في رئيس "الحزب" بل إن النائب الأول لرئيس الحزب، هو اللواء أركان حرب أحمد العوضي أما رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي ببرلمان السيسي فهو اللواء طارق نصير الأمين العام لـ"حماة وطن"، كما أن وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بشيوخ السيسي هو اللواء محمد عبد الواحد – عضو الهيئة العليا لـ"حماة وطن"
وبالمرور على بقية الأحزاب فإن حزب "مستقبل وطن" رغم أنه يقدم نفسه على أنه حزب مدني، إلا أن له ارتباطات قوية بالأجهزة السيادية، ويضم شخصيات ذات خلفية أمنية ومنهم اللواء علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، وكان ضابط شرطة سابقًا ومتهما بقضايا تعذيب بالسجون.
أما عضو لجنة الدفاع والأمن القومي فهو اللواء تامر الشهاوي وهو ضابط سابق في المخابرات الحربية، وتولى اللواء سعيد طعيمة النائب السابق عن الحزب مناصب شرطية قبل دخوله برلمان السيسي.
حتى أن حزب الوفد المعروف بمدنيته وتاريخه الليبرالي، شهد في السنوات الأخيرة انضمام شخصيات أمنية وعسكرية، مثل: اللواء شريف حمودة – عضو الهيئة العليا سابقًا.
وضم "حزب المؤتمر" شخصيات مثل اللواء محمد الغباشي – نائب رئيس الحزب، ومتحدث إعلامي سابق.
وتعكس هذه النماذج ميلًا واضحًا لتوظيف الخلفية العسكرية في العمل الحزبي، خاصة في الأحزاب القريبة من الدولة، وتُستخدم هذه الشخصيات لإضفاء طابع "الانضباط" و"الولاء الوطني"، لكنها تثير تساؤلات حول استقلالية القرار الحزبي، ومدى تمثيل هذه الأحزاب للمجتمع المدني الحقيقي.
مؤشر استراتيجي
قال الباحث محمود جمال المتحدث بالشأن العسكري: "تعيين الفريق محمد عباس حلمي، القائد الأسبق للقوات الجوية وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة على قائمة الاستدعاء، رئيسًا لحزب حماة الوطن – الحزب الأبرز في دعم السيسي – ليس مجرد خطوة تنظيمية داخل الحياة الحزبية المصرية، بل هو مؤشر استراتيجي على طبيعة العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية في مصر".
وأضاف، "هذا التعيين يرسخ صورة الجيش كفاعل محوري يتجاوز أدواره التقليدية في الدفاع والأمن القومي، ليتمدّد في المجال السياسي بشكل مباشر. فالسيسي، الذي بنى معادلته في الحكم على ضمان الولاء الكامل للمؤسسة العسكرية، يسعى من خلال هذا المسار إلى تأميم المجال الحزبي وإفراغه من التعددية الحقيقية عبر إسناده لقيادات عسكرية سابقة، ما يجعل الأحزاب واجهة سياسية للجيش أكثر منها كيانات مدنية مستقلة".
واعتبر أن "الخطوة تأتي في سياق أوسع لهيمنة الجيش على مفاصل الدولة، حيث لم يعد التوسع في الاقتصاد وإدارة المشروعات الاستراتيجية كافيًا، بل جرى تعميق الحضور في المجال السياسي لضمان السيطرة الكاملة على أدوات الحكم وتحصين النظام من أي معارضة منظمة. وبذلك يتحول تعيين عباس حلمي إلى دلالة رمزية وعملية في الوقت نفسه، تعكس اعتماد السيسي المطلق على الجيش كركيزة وحيدة لإدارة الدولة وتثبيت حكمه، مقابل توسيع امتيازات المؤسسة العسكرية لضمان استمرار ولائها".
وكانت طريقة تعيين محمد عباس حلمي بعيدة عن نمط الاختيار الحر حيث قال أحمد العطيفي، أمين التنظيم والأمين العام المساعد في "حماة وطن"، إن اختيار الفريق محمد عباس حلمي، رئيسا لحزب حماة الوطن ضمن مؤتمر للحزب انعقد بقاعة المنارة في القاهرة، واعتذار الدكتور أحمد الشيحي عن الاستمرار في السباق؛ نظرًا لالتزاماته العلمية والعملية، بعدما أرسل خطابًا رسميًا لهيئة الحزب يعلن فيه عدوله عن الترشح، وأكد فوز المرشح الوحيد بنسبة 88.3% في الانتخابات الداخلية لاختيار رئيس الحزب.
تقسيم التورتة
وفي منشور على فسبوك انتقد هاني عبدالجليل أمين المتابعة والتواصل المجتمعى بحزب مستقبل وطن بمحافظة دمياط عبر Hany Adel Abogalala نمط تشكيل اللجان واختيار الفائزين بالمناصب الحزبية.
وقال تحت عنوان "#تقسيم_التورتة…على حساب الوطن" إن "الأحزاب السياسية في مصر تجتمع ليس لتقديم حلول لأزمات المواطن ولا لمناقشة مستقبل الشباب ولا لإنقاذ الاقتصاد بل لتقسيم تورتة البرلمان فيما بينهم".
وأضاف، "يتحدثون عن تحالف انتخابي لمجلس 2025 وكأن البرلمان أصبح مجرد كراسي ومقاعد يتم توزيعها مسبقًا قبل أن يقول الشعب كلمته أي ديمقراطية هذه؟ وأي عدل ذاك؟".
وتابع: "حزب يقود التحالف ويحجز لنفسه النصيب الأكبر من التورتة ثم تأتي بقية الأحزاب لتقتات على الفتات وكأن العملية السياسية في مصر تحولت إلى سوق محصحصة لا إلى ساحة تمثيل حقيقي لإرادة الناس…!!"
وتساءل: "أين المواطن البسيط من هذه الترتيبات..؟ .. أين السياسيون المدركون لطلبات المواطنين والمنغمسين وسطهم..؟ .. أين صوت الشباب الباحث عن فرصة؟ .. أين العمال والفلاحون والموظفون الذين يعانون الغلاء والضرائب والقروض؟.. ".
وخلص في إجابته إلى أن "..تم تغييب الشعب تمامًا من المشهد وأصبح البرلمان القادم مجرد مسرحية مُعدة سلفًا أبطاله معروفون ونهايته محسومة…".
واستدرك "إذا كانت الانتخابات ستُدار بهذه الطريقة فما قيمة الصناديق؟ وما معنى كلمة اختيار..؟ وكيف نُقنع المواطن أن صوته له وزن بينما المقاعد تُقسّم في الغرف المغلقة مثل غنائم حرب؟".
وتساءل عن المحاسبة والمراقبة في نوعيات من القضايا وبحسب ما كتب "واختيار من يملكون الملايين دون محاسبتهم أو سؤالهم من إين لك هذا سواء نهب أراضٍ وأوفرات #سبوبة_التطوير_العقارى وسرقة منتجات مدعومة وبيعها و #غسيل_أموال "إخوانية" وتجارة آثار ومخدرات وتقسيم التورتة بهذه الصورة هو استهانة بالشعب وتحتقار لوعيه…وإعادة تزاوج السلطة بالمال المشبوه لحمايته بالحصانة " بحسب ما زعم.
وخلص إلى ان "السياسة مجرد صفقة ولن يغفر من جعل الديمقراطية ديكورًا يُزيّن قاعة بلا روح".
وتأسس حزب "حماة وطن" عام 2013 على يد الفريق جلال الهريدي، إلى جانب مجموعة من الضباط المتقاعدين وجاء تأسيسه بعد نكسة 30 يونيو، في سياق دعم الانقلاب "في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية" بحسب ديباجة بيانه الأول.
ويُشارك في المبادرات الاجتماعية مثل حياة كريمة، ويدعم "جهود مكافحة الإرهاب" بحسب دعاية محلية وللحزب "تمثيل" ببرلمان السيسي وشيوخه، الطريف أن "الحزب" يمتلك أكثر من 2000 وحدة ومقر حزبي على مستوى الجمهورية، ويعتبره مراقبون أنه من أحزاب السلطة القائمة يشارك في تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ويُعتبر من القوى الداعمة للسيسي والأقرب إلى مراكز صنع القرار بدرجة أقل من "حزب" "مستقبل وطن".