الأزمة المالية الخانقة التى تعانى منها حكومة الانقلاب تدفعها إلى الاعتماد على بيع الأصول كوسيلة لتوفير سيولة عاجلة بالعملة الصعبة، في ظل تضخم فاتورة الديون الخارجية وارتفاع أعباء خدمتها إلى مستويات غير مسبوقة، ولم يعد من السهل على عصابة العسكر الاقتراض من الأسواق الدولية بنفس الوتيرة السابقة، لأن شروط المؤسسات المالية الدولية باتت أكثر صرامة، ما جعل الخصخصة وبيع أملاك الشعب المصرى أحد الحلول السريعة المتاحة أمام سلطات الانقلاب لتدبير موارد مالية.
فى المقابل تروج حكومة الانقلاب لفكرة أن بيع حصصها في الشركات يهدف إلى جذب استثمارات أجنبية مباشرة وتخفيف الأعباء عن الموازنة العامة وتقليص دور الدولة في الاقتصاد بما يتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي. غير أن هذه المبررات تصطدم بانتقادات واسعة، إذ يرى خبراء أن اللجوء لبيع الأصول لا يعالج جذور الأزمة الاقتصادية، بل يفرط في ممتلكات استراتيجية مقابل عوائد مؤقتة.
كان عبد الفتاح السيسي، قد صدّق في 20 أغسطس الماضي على تعديلات تشريعية جديدة تهدف إلى تسريع إجراءات بيع الأصول الحكومية ضمن ما يُعرف ببرنامج “وثيقة سياسة ملكية الدولة”.
هذه التعديلات تمنح صندوق مصر السيادي صلاحيات أوسع لبيع الأصول المملوكة لدولة العسكر بشكل مباشر، بما يختصر الإجراءات التي كانت تستغرق شهورًا وربما سنوات قبل إتمام أي صفقة.
الخبراء اعتبروا أن هذه الخطوة تأتي استجابة لشروط صندوق النقد الدولي من أجل توفير سيولة عاجلة تدعم الاقتصاد المصري المتعثر بفعل أزمة العملة وتفاقم الديون .
وتُراهن حكومة الانقلاب على جني مليارات الدولارات من خلال طرح شركات استراتيجية، بعضها يعمل في قطاعات البنية التحتية والطاقة والخدمات المالية، فيما حذر الخبراء من أن يؤدي تسريع عمليات البيع إلى تقييم غير عادل للأصول، أو نقل السيطرة على قطاعات حيوية لمستثمرين أجانب بشروط قد لا تحقق المصلحة الوطنية.
صندوق النقد
وقال محمد رمضان باحث اقتصادي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن القرارات الأخيرة الهادفة إلى تسريع خطة بيع الأصول تأتي في المقام الأول كرسالة تأكيد على التزام حكومة الانقلاب ببرنامج صندوق النقد الدولي، خاصة في إطار المراجعة الرابعة، حيث شدّد الصندوق على ضرورة الإسراع في تقليص الحضور الحكومي في قطاعات الاقتصاد المختلفة والتخارج منها .
وأكد رمضان فى تصريحات صحفية أن الإجراءات الراهنة تمثل استمرارًا للنهج الذي بدأ منذ عام 2022، لكنه هذه المرة يأتي تحت ضغط مباشر من الصندوق، لافتًا إلى أن أبرز القطاعات المطروحة خلال الفترة المقبلة هي تلك التي وردت في “وثيقة سياسة ملكية الدولة”، وعلى رأسها قطاع التشييد والبناء، إضافة إلى قطاعات أشار إليها الصندوق بشكل واضح في مراجعته الأخيرة مثل الأسمنت والحديد والصلب والرخام، وهي قطاعات تسيطر دولة العسكر فيها بحصص تصل إلى ثلث السوق أو أكثر.
وأشار إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في القطاعات المطروحة، بل أيضًا في طبيعة عملية التخارج نفسها، إذ إن بيع الأصول عملية معقدة تستغرق وقتًا أطول بكثير مما يتوقع الصندوق، نظرًا لما تتطلبه من تقييمات دقيقة، وإجراءات طرح، وانتظار ظروف سوقية مناسبة لإتمام البيع.
واعتبر رمضان أن إصرار صندوق النقد على التسريع قد لا يكون منطقيًا في ظل اعتبارات السوق، وحتى لو جرت عمليات بيع خلال الشهور المقبلة فلن يكون لها أثر كبير على الاقتصاد الكلي، لأن العوائد المالية المتوقعة ليست ضخمة بالقدر الذي يغيّر الصورة .
وحول ما أُثير عن ارتباط تسريع البيع بقرار رفع سقف الدين الخارجي، قال إن كل هذه الملفات مترابطة من حيث الصورة العامة، لكن لا يوجد ما يثبت أن القرارين مرتبطان بشكل مباشر، مؤكدًا أن حكومة الانقلاب نفسها سبق أن عرضت على الصندوق في “خطاب النوايا” خريطة زمنية للتخارج، غير أن الديناميكيات الداخلية مثل التضخم وتقلبات الأسعار وعوامل السوق تظل مؤثرة على مسار التنفيذ.
مستقبل الأجيال
وقال الخبير الاقتصادي زهدي الشامي إن مصر باتت تعيش تحت وقع “أخبار الخصخصة والبيع” بشكل شبه يومي، وكأنها تحولت إلى السياسة الاقتصادية الوحيدة المتاحة، متسائلًا: هل يمكن أن يمثل ذلك فعلًا خيارًا اقتصاديًا رشيدًا؟.
وأوضح الشامي فى تصريحات صحفية أن حكومة الانقلاب بعدما رفعت الدين الخارجي إلى حدود 160 مليار دولار، وأصبحت عاجزة عن تدبير قروض جديدة كما في السابق، اختارت طريق بيع الأصول لسداد الالتزامات، مشددًا على أن هذه السياسة لا تقدم حلًا للأزمة، بل تحرم دولة العسكر من عوائد مشروعات رابحة مثل شركات الأسمدة وأبو قير وموبكو والشرقية للدخان وشركات الأدوية والبنوك، فضلًا عن السماح للمستثمر الأجنبي بتحويل أرباحها إلى الخارج بالعملة الصعبة، ما يُفاقم الضغوط بدل معالجتها.
واعتبر أن ما يجري هو “بيع لما لا تملك لمن لا يستحق”، مؤكدًا أن حكومة الانقلاب تُضحّي بمستقبل الأجيال الحالية والقادمة، مشيرًا إلى أن المخاطر لا تقتصر على الاقتصاد، بل تمتد إلى الأمن القومي بعد طرح الموانئ وخصخصة المطارات، محذرا من أن هذه الخطوة بالغة الخطورة.
ولفت الشامي إلى أن “الولايات المتحدة نفسها رفضت قبل سنوات استحواذ أبوظبي على موانئ أمريكية بسبب تهديده للأمن القومي، لافتًا إلى أن الإمارات ترتبط بمشروعات ومصالح متعارضة مع المصلحة المصرية، مثل مشروع ميناء جبل علي، والممر التجاري الجديد الذي يربط الهند بالمتوسط عبر حيفا مرورًا بالأردن والإمارات.