بعد أكثر من عشر سنوات من الصمت والمنفى والوعود بالنزاهة والحرية، خرج البهلوان الذي رقص على دماء المصريين ذات يوم في "البرنامج"، ليعود هذه المرة لا إلى الناس، بل إلى حضن النظام نفسه الذي ذبح الميادين وكمّم الأفواه وأطفأ شموع الثورة.
نعم، عاد باسم يوسف — "الراقص على دماء شهداء رابعة والنهضة" — ولكن هذه المرة ليُضحك المخابرات لا الجماهير!
العودة التي سوّقتها قناة "أون تي في" التابعة لجهاز المخابرات العامة كحدث ضخم، لم تكن سوى عرض بهلواني باهت، أشبه بمشهدٍ باهتٍ في سيركٍ فقد جمهوره منذ زمن. فالكوميدي الذي كان يومًا رمزًا للسخرية السياسية، جلس متخشّبًا أمام مذيع النظام أحمد سالم، يبتسم بتوتر كمن يضحك بأمر عسكري، ويتحدث عن ذكرياته القديمة كأنها قصص من زمنٍ آخر.
لا نقد، لا جرأة، لا حتى نكتة واحدة تخدش هيبة الجنرال أو جوقته من المهرّجين.
من يضحك على من؟
الحوار الذي حمل عنوان "باسم يوسف بعد الغياب" بدا كأنه ترويج لمصالح النظام أكثر مما هو لقاء مع رمز ساخر. حتى سخرية يوسف الوحيدة جاءت عن "أجره الخرافي" قائلاً: "أنا بـ22 مليون دولار ومستعد أعمل حفلات زفاف وأعياد ميلاد"، وكأنها نكتة مريرة تكشف أنه لم يعد ساخرًا من الطغاة، بل من نفسه.
ورغم الترويج الواسع الذي سبق الحلقة من قبل مجموعة "المتحدة" — ذراع المخابرات الإعلامية — فوجئ الجمهور بأن القناة نفسها لم تنشر أي مقاطع للحلقة، ولم تتناولها الصحف الرسمية كحدث، في إشارة إلى أن "المهمة انتهت": تم تلميع الوجه، والضحك الموجّه أنجز غايته.
لماذا الآن؟
عودة باسم يوسف ليست "صحوة فنية"، بل جزء من خطة النظام العجوز لإنعاش صورته المتآكلة أمام صندوق النقد الدولي والرأي العام. فالنظام الذي فقد كل أدوات التجميل بعد الغلاء والديون والانهيار الاقتصادي، يريد الآن أن يقدّم للعالم نسخةً "منفتحة" من مصر، فيها مساحة للضحك… حتى لو كان ضحكًا ميتًا.
لكنّ السؤال الأهم: هل يستطيع البهلوان أن يسخر من الجنرال؟
هل يجرؤ باسم يوسف على أن يتهكم من السفيه عبد الفتاح السيسي — بضحالة لغته، وقصر قامته، وبساطة فكره، وملامحه التي تصلح للميمات أكثر من الخطابات؟
هل يجرؤ على أن يضحك على رجلٍ باع أرض مصر بالقطعة، وأغرق الجنيه حتى صار المصري يزن عملته بالجرام لا بالقيمة؟
الجواب، ببساطة: لا.
لأن من يعود عبر شاشة المخابرات لا يسخر… بل يُسخَّر.
البهلوان والجنرال… مشهدان من السيرك الواحد
باسم الذي كان يومًا يسخر من الإخوان ومن الجميع، انتهى به الحال دميةً في سيرك النظام العسكري، يعود ليمنح شرعية "الضحك المراقَب" في زمنٍ لم يعد فيه من يضحك أصلًا.
ومن كان يُضحك الناس على الطغاة، صار اليوم يُضحك الطغاة على الناس.
هكذا تحوّل باسم يوسف — الذي كتب يومًا "الثورة للمبتدئين" — إلى بهلوانٍ محترف في تبرير الاستبداد للمتفرجين.
يبتسم أمام الكاميرا، بينما في الخلفية صدى المذبحة التي أُسكت فيها صوته يومًا… والآن يعود ليكمل العرض.