تكلفة المواصلات أعلى قمة خطة إفقار المواطن في مصر والتي ليست فقط مشكلة اقتصادية، بل منظومة نفسية اجتماعية وسياسية متشابكة، تُصنع بعناية لإنتاج مواطن خاضع، مشغول، ومنهك.
والفقر لم يعد نتيجة طبيعية للظروف، بل أداة ممنهجة لإخضاع الفرد وتطويع وعيه ضمن حدود السيطرة.
فمع زيادة أسعار المحروقات أو الوقود ممثلا في السولار والبنزين و"البوتجاز" غاز الطهي إلى 250 جنيها للأنبوبة يتصاعد الغضب الشعبي والشكوى من الغلاء والضغط المعيشي، فالمواطن المصري اليوم يعيش حالة من الاحتقان الاقتصادي، خاصة بعد رفع أسعار الوقود دون زيادات موازية في المرتبات أو دعم مباشر، بعد أن ينفذ المرتب (الراتب) قبل نصف الشهر متجمدا كما التمثال.
وأصبحت المواصلات بندًا ضاغطًا في ميزانية المواطن المصري، خاصة بعد رفع أسعار الوقود. الخبراء يرون أن الحل يكمن في تحسين النقل الجماعي، وربط زيادات الوقود بدعم اجتماعي مباشر. في وقت بات الميكروباص رفاهية، والمشي رياضة إجبارية، وفرضت المعيشة على المصريين العمل لأجل تسديد أسعار البنزين، بمحاولات إعلام المتحدة واللجان الإلكترونية لمحسن عبد النبي؛ مقارنة سعر الوقود مع الدول الخليجية متناسين أن الإنفاق على المواصلات الخاصة والعامة يلتهم نحو 49% من دخل المصري ولا يتجاوز 3% من دخل المواطن الخليجي.
وبات المواطن يدفع ما بين 10–25% من راتبه على المواصلات فقط، بعدما وصلت أسعار البنزين إلى الارتفاع بنسبة 12.9%، بينما المرتبات لم تتحرك منذ يوليو 2024 وبات الحد الأدنى المقدر ب7 آلاف جنيه ضربا من التمنيات.
المواطن المصري الذي يعتمد على الميكروباص يوميًا قد ينفق ما بين 15% إلى 25% من راتبه الشهري على المواصلات، خاصة بعد زيادة أسعار الوقود في أكتوبر 2025.
وقالت "أمينة خيري" في "اندبندنت عربية" بند المواصلات بأنه "المسألة المعقدة في حسابات المصريين"، مؤكدة أن كثيرًا من الأسر أصبحت تعيد هيكلة ميزانياتها بسبب ارتفاع تكلفة التنقل، وأن بند المواصلات لا يمكن إلغاؤه أو تقليصه.
وقال تقرير في صحيفة "الشرق الأوسط": إن "زيادة أسعار الوقود أدت إلى تفاقم تكلفة المواصلات بنسبة تجاوزت 14%، مما جعل التنقل اليومي عبئًا ماليًا على الموظفين والعمال، خاصة في الرحلات بين المحافظات".
حتى إن موقع "العين الإخبارية" قال: إن "تعريفة المواصلات ارتفعت في القاهرة والجيزة بعد زيادة البنزين، وشملت جميع وسائل النقل من الميكروباص إلى الأتوبيسات، مما أثر على ميزانية الأسر بشكل مباشر".
الميكروباص اليومي
ويؤكد مرتادو المواصلات أن أسعار الميكروباص أقل من وسائل النقل الحكومية، وأن المواطن الذي يستخدم الميكروباص يوميًا (ذهابًا وإيابًا) ينفق حوالي 20–25 جنيهًا يوميًا، أي ما يعادل 440–550 جنيهًا شهريًا. وتستهلك المواصلات نحو 14% ممن دخولهم في حدود 4000 جنيه شهريا.
وبدأت الأسر المصرية تقليص نفقاتها الأخرى لتعويض تكلفة النقل حتى أن بعض المواطنين يتشاركون وسائل النقل أو يلجؤون إلى المشي لتقليل الإنفاق.
وداخل القاهرة الكبرى: الأجرة تتراوح بين 6 إلى 12 جنيهًا حسب المسافة
وبين المحافظات تصل أجرة القاهرة – بني سويف: 62 -80 جنيهًا بدلًا من 55 جنيها
وبين القاهرة – المنيا: 150-170 جنيهًا
القاهرة – أسيوط: 180 – 200 جنيهًا
القاهرة – سوهاج: 220 -250 جنيهًا
وهذه النسب والأرقام لا تشمل مصاريف أخرى مثل الطعام، والسكن، والتعليم، أو الرعاية الصحية، و….. الخ.
وبات المواطن الذي يتقاضى أقل من الحد الأدنى أو يعمل بشكل غير منتظم قد يتحمل نسبة أعلى من دخله في المواصلات.
لا مقارنة
ولمن يدفع بالمقارنة بين سعر الوقود في مصر وسعره خيلجيا، يدخل في التفاصيل من رفع أسعار الوقود في مصر عام 2025 لم يتوازَ بشكل مباشر مع زيادات في المرتبات، مما أدى إلى شعور متزايد بالضغط المالي لدى المواطنين، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف النقل والسلع الأساسية.
وفي مقابل زيادة البنزين، لم تُعلن الحكومة عن زيادات جديدة في المرتبات أو الحد الأدنى للأجور خلال نفس الفترة.
كما أن أسعار السلع الغذائية ستشهد زيادات تتراوح بين 5–12% بسبب ارتفاع تكلفة النقل والتوزيع.
د. هاني جنينة أشار إلى أن "رفع أسعار الوقود دون تعديل في الأجور يخلق فجوة تضخمية تؤثر على الطبقة المتوسطة".
وعبر منشور على صفحته الشخصية على فيسبوك، أكد د. هاني جنينة تصريحه لموقع "DW عربية"، حيث شرح بالأرقام كيف أن رفع أسعار الوقود يخلق فجوة تضخمية تؤثر على الطبقة المتوسطة.
وأشار إلى أن الوقود يمثل حوالي 6% من مؤشر الأسعار العام في مصر، وكل زيادة بنسبة 10% في أسعار الوقود تؤدي إلى ارتفاع مباشر قدره 0.6% في معدل التضخم الشهري.
وهذا الأثر لا يشمل التداعيات الثانوية مثل زيادة تعريفة المواصلات أو تكلفة الإنتاج، والتي تضاعف التأثير على المواطن.
وأسعار السلع والخدمات المحددة إداريًا ارتفعت بنسبة 4% نتيجة مباشرة لزيادة أسعار الوقود، وأن هذا البند وحده ساهم بمقدار 0.84% في معدل التضخم الشهري الذي بلغ 1.3% في أبريل 2025.
وأكد جنينة أن الطبقة المتوسطة هي الأكثر تأثرًا لأنها لا تستفيد من الدعم المباشر وتعتمد على وسائل نقل خاصة أو شبه جماعية وتتحمل تكاليف التعليم والصحة دون دعم حكومي، محذرا من أن الضغط التضخمي قد يعوق خفض الفائدة ويؤثر على الاستقرار المالي.