مجاملة سخيفة لعصابة العسكر..مؤشرات المؤسسات المشبوهة عن تحسن الاقتصاد لا تكفى والمصريون يعيشون فى جحيم

- ‎فيتقارير

 

 

فى الوقت الذى تشهد فيه مصر ارتفاعات جنونية فى الأسعار وتعانى من تدهور مستوى المعيشة وتراجع الدخول وتزايد معدلات الفقر والبطالة تعلن بعض المؤسسات المالية الدولية المشبوهة عن رفع التصنيف الائتمانى لمصر إلى درجة أعلى، معتبرةً ذلك إشارة على تحسّن الاستقرار المالى وثقة المستثمرين وذلك فى مجاملة فجة وسخيفة لعصابة العسكر التى لا تفقه ألف باء اقتصاد .

الشوارع والأسواق المصرية تعيش فى عالم آخر؛ حيث تتحدث الأسعار بلغة وجع الجيوب الفارغة.. حيث يصارع المصريون يوميًا من أجل البقاء وتُباع أحلام الطبقة المتوسطة بجوار حبات الطماطم، والفجوة القاتلة بين الأداء الكلى للاقتصاد والواقع المعيشى المتردى للمواطن.

فى هذا السياق يؤكد المواطنون إنّ التحسّن الذى تعلن عن هذه المؤسسات المشبوهة على الورق فقط موضحين أنّ واقعهم لا يزال أسير الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة،

 

اعتبارات جيوسياسية

 

بعض خبراء الاقتصاد يشكك فى دوافع وكالات التصنيف الدولية مؤكدا أن بعض هذه المؤسسات لا تنفصل عن مراكز النفوذ السياسى والاقتصادى للدول الكبرى .

وقال الخبراء: حين نرى ترقية فى التصنيف لدولة تعانى من أزمة معيشية حادة، يجب أن نسأل: هل هذا التقييم فنى بحت، أم أنه رسالة سياسية لتشجيع الاستثمارات فى لحظة معينة؟

وأكدوا أن الكثير من هذه القرارات تُتخذ بناءً على اعتبارات جيوسياسية وليس على مؤشرات العدالة الاجتماعية.. مشددين على أن الدول النامية غالبًا ما تُقيّم بعيون المصالح الغربية، لا بعيون مواطنيها، وأنّ التحسّن فى الأرقام لا يساوى شيئًا إذا لم يشعر به الناس فى جيوبهم ومائدتهم اليومية .

 

بطلنا نشترى لحمة

 

فى هذا السياق قالت أميرة رمضان، موظفة فى شركة خاصة: كنا زمان بنقول الأسعار بتزيد كل سنة، دلوقتى بتزيد كل أسبوع. حتى بعد ما قالوا إن التضخم نزل، أنا مش شايفة أى فرق فى السوبرماركت.

وكشفت أميرة رمضان أن الكثير من الأسر اضطرت إلى تغييّر عاداتها الاستهلاكية قائلة : بطلنا نشترى لحمة كل أسبوع، وبنحسب كل حاجة بالجنيه. مش فاهمة التصنيف ده بيفيد مين، بس أكيد مش إحنا.

 

وقال سيد عبدالعزيز، موظف فى الخمسين من عمره،: بيقولوا مصر اتقدّر تصنيفها الائتماني؟ حلو.. بس هو ده يخلى كيلو الطماطم يرخص؟ ولا العيش يبقى ببلاش؟ إحنا مش شايفين غير ارتفاع فى كل حاجة. وأشار عبدالعزيز إلى أنه لم يعد قادرا على إعالة أسرته مؤكدا أن لا يستطيع الحصول على حقه فى غذاء بسيط أو توفير الضرورات اليومية لأبنائه .

 

عملية جراحية مؤلمة

 

وأكدت منال عبدالمجيد، ربة منزل، ان عملية التسوق فى زمن عصابة العسكر أصبحت وكأنها عملية جراحية مؤلمة .

وقالت منال عبدالمجيد : أنا مبقتش أشترى زى زمان.. بقيت أختار اللى ضرورى بس.. حكومة الانقلاب بتقول فى إصلاحات، بس إحنا بنحس العكس. المرتب زى ما هو، والأسعار بتجرى جري .

وأشارت إلى أنها اضطرت إلى تحجيم الاحتياجات وتقليص الوجبات مؤكدة أن المقارنة بين ما كان يمكن شراؤه بالأمس وما يمكن شراؤه اليوم تكشف عن فارق كبير .  

وأوضحت منال عبدالمجيد أن المرتب أصبح شهرًا بعد شهر مجرد نقطة ثابتة لا حول لها ولا قوة أمام فيضان الأسعار الذى يجرف كل مدخر ويحطم كل أمل.

 

ما ركبوش مواصلات

 

وقال مصطفى شوقى، سائق ميكروباص،: اللى بيقرروا التصنيفات دى شكلهم ما ركبوش مواصلات ولا دخلوا سوق. كل يوم بنصرف أكتر، والناس بقت تشيل الهم قبل ما تصحى من النوم .

وأشار شوقى إلى تضاعف تكلفة صيانة سيارته ، فى حين أن الزبائن يشكون مر الشكوى من تذكرة المواصلات التى تزيد بلا رحمة مؤكدا أن هذا الهم أصبح يسبق الاستيقاظ، يرافق القلق من يوم جديد يفرض فيه التضخم سطوته على الأحلام البسيطة: سقف آمن، ووجبة مغذية، ومستقبل غير مثقل بالديون.

 

المؤشرات لا تكفى

 

وقال الخبير الاقتصادى الدكتور حسام الغايش، أن الاحتفاء الخارجى برفع التصنيف الائتمانى وتراجع معدلات التضخم لا يعنى بالضرورة تحسنًا ملموسًا فى الواقع المعيشى .

وأشار الغايش فى تصريحات صحفية إلى أنه لا يمكن إنكار أن بعض المؤشرات الاقتصادية فى مصر شهدت تحسنًا نسبيًا خلال العام الجارى، موضحا أن وكالة ستاندرد آند بورز (S&P) رفعت تصنيف مصر الائتمانى من B- إلى B مع نظرة مستقرة، وهى أول ترقية منذ سنوات، ما يعكس ثقة الأسواق الدولية فيما تسميه حكومة الانقلاب إصلاحات.

وأوضح أن معدلات التضخم التى كانت قد بلغت ذروتها عند نحو 38% فى سبتمبر 2023، بدأت فى التراجع إلى 14.9% فى يونيو 2025، متوقعًا أن تنخفض تدريجيًا إلى نحو 12.5% خلال العام المالى 2025/2026، ثم إلى 9.5% فى العام التالى، وهو مؤشر على بدء استعادة التوازن النقدى.

وأكد الغايش أن هذه المؤشرات لا تكفى وحدها، قائلًا: حين ننتقل من لغة الأرقام إلى واقع الشارع، نجد أن المواطن لا يشعر بتحسّن فى معيشته، فأسعار السلع الأساسية والطاقة والمواصلات ما زالت مرتفعة، والرواتب لم تواكب هذه الزيادات .

وأضاف : التضخم المعلن قد يكون متوسطًا عامًا يخفى وراءه تفاوتً كبيرً بين السلع، مؤكدًا أن الطعام والدواء تحديدًا يشهدان ضغوطًا أكبر، ما يدفع الأسر إلى خفض استهلاكها أو التخلى عن بعض احتياجاتها الأساسية .

 

نوعية الحياة

 

وشدد الغايش على ضرورة أن يوجه الإصلاح الاقتصادى الحقيقى نحو تحسين القطاعات الحيوية التى تمس المواطن مباشرة، موضحًا أن تحسين التعليم، ودعم الغذاء والطاقة والصحة والمواصلات، سيُحدث أثرًا فوريًا يشعر به الناس.

وطالب بضرورة تعزيز الإنتاج المحلى وتقليل الاعتماد على الواردات، عبر دعم الصناعات الزراعية والتصنيع والابتكار، إلى جانب توسيع شبكات الحماية الاجتماعية للفئات المتوسطة والفقيرة مشددا على أن الشفافية والمساءلة فى تنفيذ المشاريع ضرورية لاستعادة الثقة،

ودعا الغايش حكومة الانقلاب إلى وضع خططً مرنة لمواجهة أى صدمات اقتصادية مستقبلية، مع مراقبة الأداء وقياس الأثر الاجتماعى للإصلاحات بشكل دورى، مؤكدا أن ما نحتاجه ليس فقط نموًا فى الأرقام، بل تحسنًا فى نوعية الحياة. الإصلاح الناجح هو الذى يشعر به المواطن فى قدرته على الإنفاق وجودة الخدمات التى يحصل عليها.