فند صحفيون من جديد، وبعد 11 سنة من إثبات صحف امريكية، شائعة كانت قد انتشرت في الإعلام العربي ومواقع التواصل الاجتماعي، تزعم أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون كتبت كتابًا بعنوان “كلمة السر 360” أو “Password 360″، تعترف فيه بأن الولايات المتحدة تعاونت مع جماعة الإخوان المسلمين لإنشاء تنظيم داعش، وأنها خططت معهم لإقامة دولة إسلامية في سيناء خلال فترة حكم الإخوان في مصر.
وقال مراقبون إن استخدام الكتاب المزعوم ليس مجرد خطأ معلوماتي، بل هو أداة مقصودة في معركة سرديات، حيث تُستخدم الأكاذيب المقنعة لتثبيت رواية رسمية عن “الإنقاذ من المؤامرة”، وتبرير استمرار الاستبداد، وتحييد أي معارضة سياسية. إنه مثال حي على كيف تُستخدم المعلومات المضللة كأداة حكم.
وقال الصحفي فراج إسماعيل “..النص يوضح أن هذه القصة مفبركة بالكامل، ولا يوجد أي كتاب بهذا الاسم لهيلاري كلينتون، وأن مذكراتها الحقيقية بعنوان Hard Choices (الخيارات الصعبة) لا تحتوي على أي مضمون مشابه”.
وأشار إلى أن “صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية نشرت مقالين في عام 2014 للصحفي آدم تايلور، أكدت فيهما أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، وأنها تمثل نموذجًا كلاسيكيًا لنظرية المؤامرة والمعلومات المضللة التي تنتشر في المنطقة العربية.
وركز “إسماعيل” في منشور على حسابه على فيسبوك على رسالة اساسية وهي أنه لا يوجد كتاب لهيلاري كلينتون بعنوان “كلمة السر 360”. ولا يوجد اعتراف أمريكي رسمي أو موثق بخلق تنظيم داعش.
واعتبر أن هذه الشائعة انتشرت بسبب التوجهات السياسية والرغبة في تفسير الفوضى بطريقة سهلة ومريحة، مشيرا إلى أن الإعلام العربي وبعض منصات التواصل ساهمت في تضخيم هذه القصة دون تحقق.
وأوضح أن الكتاب المزعوم “مثال على خطورة المعلومات المضللة، خاصة حين تبدو واقعية أو “مقنعة” سياسيًا.
أساطير مؤسسة لـ30 يونيو
وعلق الكاتب الصحفي قطب العربي رئيس الرصد العربي للإعلام وعبر Kotb El Araby “كان انتحال هذا الكتاب المزيف جزءا من حرب نشر الشائعات والأساطير المؤسسة لـ٣٠ يونيو والانقلاب على الإخوان، ليست فقط قصة داعش في الكتاب، ولكن الاتفاق بين أمريكا والاخوان على تأسيس دولة إسلامية، وقصص غريبة أخرى عن دخول الأسطول الأمريكي لإنقاذ حكم الإخوان الخ، عشنا هذه الفترة من صناعة الكذب والشائعات، ورغم نفيها بالأدلة لكن جهة ما ظلت حريصة على ترويجها حتى الآن ، وللأسف هناك من يصدقها !!”.
وأضاف، “وكم طلبنا ممن يزعمون وجود ذلك الكتاب أن يدلونا على دار النشر التي طبعته، أو أي طريقة للوصول إليه لكنهم كانوا يكتفون بنشر ترهات روجتها جهة ما ويحلفون بأغلظ الإيمان على صدقها وهم كاذبون طبعا”.
واضاف الصحفي ربيع شاهين Rabea Shahin “.. لا أكذب ولا أستغرب أي عمليات قذرة للسياسة الأمريكية في أي عهد .. ولم أسع لتبرئتها حاشا لله أو الشك فيها ..علي أن الذي أزعجني بشدة الشق الخاص بالتربص بمصر وتحريك القطع البحرية لاستهدافها ثم تراجعها …ههههههههه طبعا شيء يثير الأعصاب فلا أظن أي مسئول أمريكي فكر في الاقدام علي هذه الخطوة في أي عصر لأن مصر ليست جمهورية من جمهوريات الموز ولا احدي مناطق النفوذ والوجود العسكري الأمريكي كدول الجوار الجنوبي وحتي هذه استعصت علي الولايات المتحدة”.
وعن قصة انشاء تنظيم الدولة الاسلامية ” داعش” أضاف، “لا أظن أي مسئول امريكي يعترف بهذه الجرأة بل الوقاحه بالدور الذي لعبته بلاده فيه ..وان كان للولايات المتحدة بالفعل دور سابق .. في انشاء تنظيم القاعده لاغراض وخطط وأهداف معينة تحققت مثل اسقاط الاتحاد السوفييتي وتفتيته وانتشار الفوضي في الشرق الأوسط.”.
شائعة مفبركة
ولا يوجد أي كتاب لهيلاري كلينتون بعنوان “كلمة السر 360” أو “Password 360″؛ هذه مجرد شائعة مفبركة تم تداولها منذ عام 2014، ونفتها صحف ومواقع تحقق دولية مثل “واشنطن بوست” و”فرانس برس”.
والكتاب لا وجود له في أي سجل نشر رسمي، سواء في دار النشر Simon & Schuster التي نشرت مذكرات هيلاري، أو في قواعد بيانات الكتب مثل Amazon وGoogle Books.
ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالين في يوليو وأغسطس 2014 للصحفي Adam Taylor، أكدت فيهما أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، وأنها تمثل نموذجًا لنظريات المؤامرة التي تنتشر في الشرق الأوسط.
ودعت وكالة “فرانس برس” للتحقق من الأخبار وأكدت أن كلينتون لم تتحدث في مذكراتها عن أي تعاون مع الإخوان المسلمين لإقامة دولة في سيناء، وأن هذه القصة مفبركة بالكامل.
لجان السرديات المفبركة
وتوسعت لجان الشئون المعنوية على منصات التواصل في استخدام كتب وسرديات مفبركة مثل الكتاب المزعوم لهيلاري كلينتون (“كلمة السر 360”) في الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين يمكن تفسيره من عدة زوايا مترابطة، تتعلق بالسياسة الداخلية، وصناعة السردية، وتوظيف الخيال السياسي في خدمة شرعية رئيس الانقلاب.
الشائعة من عينة الكتب تنشرها اللجان الالكترونية؛ لأنها تتوافق مع سرديات سياسية شائعة في المنطقة، وتقدّم تفسيرًا بسيطًا للفوضى التي شهدتها مصر وسوريا والعراق.
وتُستخدم لتبرير مواقف سياسية أو لتغذية نظريات المؤامرة حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط حيث تبدو واقعية ظاهريًا، خاصة مع استخدام صور وتصميمات مزيفة لغلاف كتاب، مما يمنحها مصداقية زائفة.
الغرض بحسب (AI) :
* صناعة سردية “الانتصار على المؤامرة”
وبنى النظام المصري، منذ 2013، جزءًا كبيرًا من شرعيته على فكرة أنه أنقذ الدولة من “مخطط دولي” لتفكيكها عبر الإخوان. حيث يستخدم الكتاب المزعوم كـ”دليل خارجي” يدعم هذه السردية، حتى لو كان مفبركًا، لأنه يخدم القصة التي يريد النظام ترسيخها: أن ما حدث في 30 يونيو كان إحباطًا لمؤامرة أمريكية–إخوانية.
وأضاف أن هذا يعزز صورة السيسي كـ”منقذ وطني” تصدى لمشروع دولي لتقسيم مصر.
* توظيف الخيال السياسي في الإعلام
ولا يتعامل الإعلام الموالي للنظام، مع الحقائق بقدر ما يتعامل مع “القصص المقنعة”، والكتاب المفبرك يوفر مادة درامية جاهزة: وزيرة خارجية أمريكية تعترف، مؤامرة دولية، دولة في سيناء، تدخلات مخابراتية. مضيفا أن هذه القصص تُستخدم لتشتيت الانتباه عن الأزمات الداخلية (اقتصادية، اجتماعية) عبر خلق عدو خارجي دائم.
* تثبيت صورة الإخوان كـ”خطر وجودي”
ورغم مرور أكثر من عقد على عزل الإخوان، لا يزال النظام بحاجة إلى “عدو دائم” يبرر استمرار القبضة الأمنية. من خلال إعادة تدوير هذا الكتاب المفبرك يخدم هدف إبقاء الجماعة في موقع “التهديد المستمر”، ويمنع أي محاولة لإعادة تقييم التجربة أو فتح نقاش سياسي حقيقي.
* استثمار الجهل الرقمي وضعف التحقق
حيث كثير من الجمهور لا يتحقق من مصادر المعلومات، خاصة حين تأتي من “أسماء كبيرة” مثل هيلاري كلينتون. ولذلك يعد استخدام كتاب مزعوم بلغة أجنبية بشئ من “المصداقية”، يصعب على الجمهور العام التحقق من صحته.
* إعادة تدوير الشائعات كأدوات سياسية
وهذه ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها شائعة أو وثيقة مزيفة في الخطاب السياسي المصري حيث يعتمد النظام على “إعادة تدوير” روايات قديمة كلما احتاج إلى تعبئة إعلامية أو تبرير إجراءات قمعية.
كتاب Hard Choices (الخيارات الصعبة)
وصدر الكتاب عام 2014، يتناول فترة تولي كلينتون منصب وزيرة الخارجية من 2009 حتى فبراير 2013، ولم تتطرق فيه كثيرًا إلى الرئيس مرسي أو أحداث 30 يونيو، لأنها غادرت منصبها قبل عزله فقط ذكرت لقاءها بمرسي في سياق التفاوض على وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس، وأشارت إلى أنه كان يحاول طمأنتها بشأن الوضع في سيناء.
وفي مقابلة مع شبكة CBS، زعمت هيلاري الرئيس مرسي بأنه “ساذج وغير مؤهل لحكم مصر”، خاصة في تعامله مع الجماعات الجهادية في سيناء وقالت إن مرسي حاول طمأنتها بأن الإخوان يسيطرون على الوضع، لكنها لم تكن مقتنعة بذلك.
وتلك الآراء جاءت في سياق التعبير عن القلق من صعود الإخوان، وأكدت “أن الجيش المصري لم يكن مرتاحًا لوجود مرسي في السلطة”.
وكشفت بعض الرسائل التي أفرجت عنها وزارة الخارجية الأمريكية أن كلينتون كانت تتلقى تقارير يومية عن الوضع في مصر خلال الثورة وبعدها.
وأظهرت الرسائل أن الإدارة الأمريكية كانت تتابع عن كثب العلاقة بين المجلس العسكري والإخوان، وكانت قلقة من تأثير مرسي على توازن القوى في مصر.