يؤكد مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية أن مصر تحتل المرتبة 130 من 180 دولة بنقاط 30/100 في 2024، مما يُشير إلى انتشار واسع للفساد المدرك في المجتمع والاقتصاد. هذا يُفاقم الأزمات الاقتصادية مثل الديون والتضخم. يتطلب الأمر إصلاحات قوية في الشفافية والقضاء لمكافحته.
وخلال مؤتمر "انتوساي" في شرم الشيخ حيث تولت مصر رئاسة المجموعة الدولية، عرضت التجربة الرقابية فيها رسميًا كـ"نموذج ملهم"، بحسب بيان رئيس حكومة السيسي، لاسيما بعد تولي رئاسة الإنتوساي، لكن غياب مؤشرات دولية مستقلة يجعل هذا الوصف بحاجة إلى تدقيق وتحليل موضوعي، فالاعتراف الدولي بالتنظيم والمؤسسية موجود، لكن النتائج العملية على الأرض تحتاج إلى مزيد من القياس والمساءلة.
ومع مواصلة مؤتمر (الإنتوساي 25) أعماله في مصر، بمشاركة الجهاز المركزي للمحاسبات، ومناقشات حول مستقبل الرقابة واستخدام الذكاء الاصطناعي.
كشفت تقارير أن المؤشرات العالمية في هذه الجوانب سلبية جدا بشأن مصر من جانب؛ تقليص الفساد، وتحسين كفاءة الإنفاق العام وتعزيز الشفافية في الموازنة.
وأظهرت المؤشرات العالمية لعام 2024–2025 أداءً ضعيفًا لمصر في ملفات تقليص الفساد، وكفاءة الإنفاق العام، وشفافية الموازنة، رغم الخطاب الرسمي الذي يصف التجربة بأنها "ملهمة".
وتساءل مراقبون عن السبب وراء تصريح رئيس وزراء السيسي مصطفى مدبولي وهو يقول: "مصر أولت الجهاز المركزي للمحاسبات دعماً غير محدود وحرصت على استقلاله"!
وقال الأكاديمي محمد الشريف والباحث المقيم بالولايات المتحدة عبر @MhdElsherif: "بالعكس.. الظاهر لنا هو أنه تم تلجيم الجهاز تماما، فلم نر تقريرا سنويا يُناقش فى مجلس النواب، ولا تقارير نُشرت ولا مخالفات أُحيلت للتحقيق والنيابة".
 
(Transparency International)
وسجلت مصر 30 نقطة من أصل 100 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024، مقارنة بـ35 نقطة في 2023، ما يعني تراجعًا واضحًا وكان ترتيب مصر العالمي في المركز 130 من أصل 180 دولة، ما يضعها في الثلث الأخير عالميًا.
وأعلى مستوى سجلته مصر كان 37 نقطة في 2014، وأدنى مستوى 28 نقطة في 2008، ما يعكس تذبذبًا دون تحسن مستدام.
وقال مراقبون إنه لا توجد مؤشرات دولية منشورة من البنك الدولي أو IMF تؤكد تحسن كفاءة الإنفاق العام في مصر، مستشهدة بتقارير محلية تشير إلى أن خدمة الدين الداخلي والخارجي تستهلك أكثر من 50% من الإيرادات العامة، ما يُضعف الإنفاق على التعليم والصحة.
وتقرير DW (دويتشه فيله) أشار إلى أن المشروعات القومية "ضعيفة الجدوى"، وتُعد عبئًا ماليًا على الدولة. وبحسب مركز معلومات مجلس الوزراء، حققت مصر "تقدمًا ملحوظًا" في مؤشر شفافية الموازنة لعام 2025، لكن التقرير لم يُنشر بالكامل، ولا توجد بيانات مستقلة تؤكد هذا التقدم.
منظمة شراكة الموازنة الدولية (IBP) صنّفت مصر سابقًا ضمن الدول ذات شفافية محدودة، مع ضعف في مشاركة الجمهور والرقابة المستقلة.
وأجمعت التقارير الرقابية الدولية أن الفساد لا يزال متغلغلًا في القطاع العام وأن الإنفاق العام يعاني من ضعف الكفاءة بسبب أولوية خدمة الدين كما أن الشفافية في الموازنة لم تصل إلى المعايير الدولية رغم بعض التحسينات الشكلية، ما عكس فجوة بين الخطاب والواقع تُثير تساؤلات حول مدى جدية الإصلاحات، واستقلالية المؤسسات الرقابية.
الإنتوساي (INTOSAI) الـ25
والإنتوساي هي المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، وتُعد من أهم الهيئات الرقابية العالمية. تولي مصر رئاستها مؤخرًا يُعد إنجازًا دوليًا يعكس ثقة المجتمع الرقابي الدولي في قدرات الجهاز المركزي للمحاسبات.
وتأسست عام 1953، وتضم حاليًا أكثر من 195 جهازا رقابيا من مختلف دول العالم. وتُعد بمثابة المرجعية الدولية للتدقيق والمحاسبة الحكومية، وتعمل على تطوير المعايير الدولية للرقابة وتبادل الخبرات بين الأجهزة الرقابية ودعم الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام.
ويشغل المستشار أحمد سعيد السيسي شقيق قائد الإنقلاب منصب رئيس وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في مصر وشارك في اجتماعات الإنتوساي ضمن وفد رسمي ويفترض أن حضوره يعكس دمج البعد الرقابي مع مكافحة الجرائم المالية، وهو توجه حديث في العمل الرقابي الدولي.
وأظهر مسح مفتوح للميزانية لعام 2023، الصادر عن منظمة الشراكة الدولية للميزانية (International Budget Partnership)، أن مصر جاءت في المرتبة 63 من أصل 125 دولة، بدرجة شفافية بلغت 49 من 100.
وهي نتيجة تُعد أقل من المتوسط العالمي، وتشير إلى مستوى محدود من الإفصاح المالي وضعف مشاركة الجمهور في إعداد الموازنة ومراجعتها.
مدبولي مضلل
وتعليقا على ما قاله مصطفى مدبولي، خلال افتتاح المؤتمر الدولي الخامس والعشرين للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (الإنتوساي)، من أن "العمل الرقابي بمفهومه الصحيح تؤمن به #مصر وتمارسه واقعًا حيًا (..) وقد أولت جمهورية مصر العربية جهازها الأعلى للرقابة المالية، الجهاز المركزي للمحاسبات، دعمًا غير محدود، وحرصت على استقلاله الكامل، ليس فقط على مستوى الضمان الدستوري والتشريعي، بل على مستوى الممارسة العملية في تمكينه من أداء مهامه على الوجه الأكمل".
كذبت منصة "صحيح مصر" التصريح الذي أدلى به رئيس حكومة السيسي واعتبرته مضللا والسبب أنه "منذ بداية عهد عبد الفتاح السيسي، عُدّلت التشريعات المنظمة لعمل الجهاز المركزي للمحاسبات، مما قوّض سلطاته واستقلاليته، وفرض قيودًا على ممارسته العملية".
وأنه "في يوليو 2015، أصدر عبد الفتاح السيسي القرار بقانون رقم 89 لسنة 2015، الذي سمح له -بصفته (…)- بإعفاء رؤساء الهيئات الرقابية من مناصبهم، وعلى رأسها الجهاز المركزي للمحاسبات!
ويتعارض القانون الجديد مع المادة 20 من قانون تنظيم الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144 لسنة 1988، التي تنص على "عدم جواز إعفاء رئيس الجهاز من منصبه".
ووصفت هيئات حقوقية ورقابية القانون الجديد بأنه "يكرّس هيمنة السلطة التنفيذية على الهيئات الرقابية على نحو يضرب استقلالها ويجعلها مجرد كيانات تابعة للرئاسة".
https://x.com/SaheehMasr/status/1983916236380520585
اقالة هشام جنينة
واستخدم السيسي في مارس 2016، القانون الجديد وأقال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، بعد "تصريحه العلني بأن الفساد الحكومي كلف البلاد مليارات الدولارات"، وفق ما ذكرت وكالة رويترز حينها.
https://x.com/ajplusarabi/status/957584067888730112
وفي 8 يوليو 2015، أصدر السيسي القانون رقم 84 لنفس السنة، الذي قوض سلطة الجهاز الرقابية على صندوق "تحيا مصر" الذي أسسه (السيسي) لجمع التبرعات لصالح الدولة، ويستخدمها في إطلاق مبادرات الرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية، والتنمية العمرانية، ودعم التعليم والاقتصاد، بالإضافة إلى مواجهة الكوارث والأزمات.
وأضافت أنه عدل دور الجهاز من "المراجعة والتدقيق" للبيانات المالية للصندوق إلى إعداد وتقديم تقارير عن "مؤشرات الأداء"، بناءً على بيانات يُعدّها مكتب محاسبة يختاره مجلس أمناء الصندوق.
وليس صندوق تحيا مصر وحسب، ولكن أيضًا الجهاز يواجه صعوبات كبيرة في المراقبة على الصناديق الخاصة التي تعمل خارج الموازنة العامة الدولة رغم تبعيتها إلى جهات حكومية وجهات شبه حكومية، ويبلغ عددها نحو 7 آلاف صندوق.
ويواجه الجهاز المركزي بحسب المنصة؛ صعوبات في حصر جميع الحسابات المرتبطة بالصناديق الخاصة، نظرًا لوجود حسابات لدى بعض الجهات في البنوك التجارية، وهي حسابات لا تعلم بها الجهات الرقابية.
ويُعد الجهاز المركزي للمحاسبات أعلى هيئة رقابية في الدولة، تتولى "الرقابة على أموال الدولة، والأشخاص الاعتبارية العامة، والجهات الأخرى التي يحددها القانون، ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة والموازنات المستقلة، ومراجعة حساباتها الختامية".
وتنص المادة 216 من الدستور المصري المعدل في عام 2019 على أن "يعين رئيس الجمهورية رؤساء تلك الهيئات والأجهزة (الهيئات الرقابية) بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفى أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون، ويُحظر عليهم ما يُحظر على الوزراء".