يبدو أن عبدالفتاح السيسي لا يدرك أن تغييبه وزير خارجيته بدر عبالعاطي أو ممثل عنه في اجتماع اسطنبول قد يُفسر بأنه فراغ دبلوماسي تستغله أنقرة لتكريس دورها في الملف الفلسطيني، وهو ما قد يُربك التوازن الإقليمي.
وأثار غياب مصر عن اجتماع إسطنبول الوزاري بشأن غزة؛ تساؤلات واسعة، خاصة أن مصر تُعد من الضامنين الثلاثة الأساسيين في ملف التهدئة وإعادة الإعمار، إلى جانب قطر والولايات المتحدة. ورغم تبرير وزير الخارجية التركي بأن الغياب يعود لاجتماع دولي في القاهرة، فإن التوقيت والسياق يفتحان باب التأويلات.
وفي اجتماع وزاري في إسطنبول (4 نوفمبر 2025) استضافت تركيا ممثلي خارجية دول؛ السعودية، والأردن، وقطر، والإمارات، وباكستان، وإندونيسيا لبحث ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، وتثبيت السلام، ورفض أي وصاية خارجية على القطاع.
وشدد المشاركون على أن الحكم في غزة يجب أن يكون للفلسطينيين وحدهم، ورفضوا فكرة "نظام وصاية جديد".
ولم يحضر وزير خارجية السيسي؛ بدر عبد العاطي، ولم يُرسل أي ممثل عن القاهرة. كما لم تصدر المتحدة للإعلام أو القاهرة الاخبارية المنبثقة عنها أي بيان رسمي يشرح سبب الغياب أو موقفها من الاجتماع.
وترتيبات ما بعد الحرب والمرحلة الثانية من الاتفاق ملفات تمس الأمن القومي المصري مباشرة، خاصة في ظل الحدود المشتركة مع غزة، وكون "مصر" طرف ضامن إلى جانب قطر والولايات المتحدة.
وقدم رئيس حركة حماس خليل الحية، إلى اسطنبول 1 نوفمبر والتقى مع وزير خارجية تركيا، هاكان فيدان وناقشا ملف انتهاك وقف إطلاق النار من قبل الكيان الصهيوني.
وناقش الطرفان الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وعملية إيصال المساعدات والتطورات الإقليمية الأخرى.
وبحث اللقاء آخر المستجدات في القضية الفلسطينية والأوضاع في قطاع غزة خاصة بعد اتفاق وقف الحرب، وما تلا ذلك من خروقات "إسرائيلية" على مستوى التطبيق سواء القصف وقتل نحو 250 فلسطينيا وإصابة 600 آخرين وعدم فتح معبر رفح والعديد من الخروقات الأخرى منذ بدء وقف إطلاق النار.
وسلم الوفد لوزير الخارجية مذكرة تفصيلية بالخروقات الصهيونية لاتفاق وقف الحرب منذ بدء تنفيذه وحتى اليوم.
واستعرض الوفد الأوضاع الصعبة في الضفة والقدس واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق المواطنين والمقدسات والأسرى، مشددا على ضرورة التحرك الإقليمي والدولي لوقف هذه الجرائم والعدوان المستمر.
دلالات الغياب
ويبدو أن هناك تباين في الرؤى التي يطرحها السيسي مع تركيا؟ حيث ربما لا يرغب السيسي في إعطاء غطاء سياسي لتحرك تركي منفرد في الملف الفلسطيني.
وربما يكون الغياب تعبيرًا عن تحفظات مصرية على صيغة الاجتماع أو مخرجاته المتوقعة بل قد يكون جدول أعمال مزدحم في القاهرة، لكن غياب التوضيح الرسمي يُبقي الباب مفتوحًا للتأويل.
واستشعر مراقبون أن غياب مصر عن اجتماع إسطنبول بشأن غزة ليس مجرد تفصيل بروتوكولي، بل يحمل دلالات سياسية مهمة في ظل إعادة تشكيل الأدوار الإقليمية في الملف الفلسطيني.
وقال المحلل السياسي ياسر الزعاترة @YZaatreh "عن اجتماع اسطنبول بشأن غزة.. اجتماع وزاري عُقد اليوم، وضمّ ضم السعودية والأردن وقطر والإمارات وباكستان وإندونيسيا، بجانب تركيا المُستضيفة.. غاب وزير خارجية مصر، وبرّر وزير خارجية تركيا (هاكان فيدان) ذلك بوجود اجتماع دولي في بلاده، مع أنه غياب يثير التساؤل، كون مصر من الضامنين الثلاثة، وموقفها مهمٌ في السياق.
وأضاف "فيدان قال عقب الاجتماع إن "على إسرائيل وقف انتهاكاتها المتكرّرة لوقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة في قطاع غزة، والوفاء بمسؤوليتها بشأن وصول المساعدات الإنسانية".
وعلق "كلام جيّد، وهذا هو الجانب الأهم الذي ينبغي التركيز عليه راهنا، إذ لا يُعقل أن تتواصل الانتهاكات الصهيونية اليومية وسط صمت من الضامنين. وما لم يحدث ذلك، فإنهم هُم من يتحمّلون المسؤولية أمام شعبنا وجماهير الأمّة بعد أن ضغطوا على "حماس" لقبول الاتفاق رغم أنه يبدأ بتسليم الأسرى".
https://x.com/YZaatreh/status/1985426919500681653
تعارض مسارات
منصة الفهرست على (إكس) أشار إلى أن "غياب مصر عن اجتماع إسطنبول ليس تفصيلا، بل مؤشرا على تعارض مسارين إقليمين تديرهما واشنطن وتتحكم بتقاطعاتهما".
وأوضحت المنصة أن محور "مصر "إسرائيل" واشنطن يركز على الأمن وضبط الحدود ونزع السلاح، يعتبر غزة امتدادا للأمن القومي المصري، يعتمد التنسيق المباشر مع واشنطن وتل ابيب، يبدو أنه يحظى بدعم عربي من الرياض وعمّان وأبوظبي، تتوجس القاهرة من أي وجود تركي على حدودها.
ورأت أن "المحور الثاني: قطر تركيا واشنطن ينطلق من الإعمار والتمويل والغطاء السياسي لحماس، يسعى إلى توسيع الحضور التركي، يقدم نفسه المتحكم بحماس، ولديه القدرة المالية أيضا".
ورأت أن "إسرائيل" وافقت في البداية على إشراك قطر وتركيا ثم انقلبت خشية توظيف الوجود التركي أمنياً وسياسيا ويبدو أن القرار بتفاهمات مع القاهرة وواشنطن لتوزيع الأدوار في غزة والمراحل الأمنية المقبلة" بحسب المنصة.
وأشارت المنصة إلى أن "إسرائيل" تنافس تركيا على النفوذ في سوريا وتخشى تمددها، لكنها تعتبر أن بوابة النفوذ الحقيقية هي السعودية والخليج، حيث التطبيع والشرعية الاقتصادية والسياسية للوجود "الإسرائيلي" في المنطقة..
وزعمت المنصة ان "الدوحة وأنقرة خسرتا الزخم بعد شرم الشيخ، فيما تدار مماطلات حماس من قبلهما كأداة تفاوض.. بينما تتحرك القاهرة نحو قيادة ملف الإعمار والتنسيق الميداني بالشراكة مع "إسرائيل"..
إلا أن المنصة قالت إنه "في النهاية، يعمل الطرفان تحت مظلة واشنطن وهي التي تحدد كيفية التوازن بين المحورين وأدوارهما"؟!
https://x.com/alfihrest/status/1985735859476279426
في حين يرى آخرون أن واشنطن قبلت ضمنيًا بالدور التركي، خاصة بعد تعثر الوساطة المصرية في بعض الجولات، لكنها لا تزال تعتبر أن مصر وقطر هما الضامنان الأساسيان.
كما تنظر واشنطن بعين الاعتبار لتحفّظ الكيان الصهيوني على الوساطة التركية علنًا، وتعتبر أن أنقرة منحازة لحماس، مما يجعل واشنطن حذرة في دعم هذا المسار بالكامل.
إلا أن تقارير أشارت إلى إن واشنطن مارست ضغوطًا على مصر لتسليم بعض ملفات الوساطة إلى تركيا، في محاولة لإنجاح صفقة التبادل.
سبوبة غزة
ولفت معلقون على السوشيال تفسيرات مفتوحة كما قال سمير دراجي @SmyrDrajy: "عسكرمصر يريدون أن يبقي ملف غزة بكل تفاصيله في يدهم وحدهم لأنه باب من أبواب الإرتزاق واستجلاب الرز وإبقاء الأمريكان والصهاينة والغرب يشعرون بالحاجة إليهم وأنهم الضامن الوحيد لأمن الكيان.".
وقال @Jack_110th: "اصلا مصلحة مصر انو الحرب تكمل لأنو المصريين استخدمونا سبوبة و بيحلبو فلوس. لولا فلوس الحرب(سرقة، سبوبة معبر رفح، قروض أوروبا و تسهيلات بمقابل مشاهدة اسرائيل) كانت مصر افلست من 2 سنة".
وأضاف مرزوق شكشك @shicshik، "من #المصريين سقطت #غزة 1967، وأراضي آخرى خارج نطاق غزة، فلا إستعادوا ما سقط منهم، ولا أعانوا الفلسطينيين، ولما حرر الفلسطينيون غزة، سارعوا لبناء الأسوار لحصارها وتحالفوا مع اليهود علينا، ولسان حالهم يقول.. حتى لو طردتم اليهود من غزة ، سنبقيكم غصبا تحت سلطانهم. ".
تحركات فيدان
ويقود وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، تحركًا دبلوماسيًا متصاعدًا في ملف غزة منذ منتصف 2024، بهدف ترسيخ دور تركيا كوسيط إقليمي فاعل. من وجهة النظر الأمريكية، هناك قبول حذر لهذا الدور، خاصة بعد فشل بعض المسارات التقليدية، لكن واشنطن لا تزال تفضل بقاء الملف في أيدي الضامنين التقليديين (مصر، قطر، والولايات المتحدة).
و(أواخر 2024) بدأ فيدان اتصالات مباشرة مع قيادات حماس، خاصة خليل الحية، لمناقشة صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، ونسّق مع الوسطاء القطريين والمصريين، مما أدى إلى تشكيل غرف عمليات ثلاثية في إسطنبول، الدوحة، والقاهرة.
وشارك فيدان في اجتماع نيويورك في سبتمبر 2025، الذي أطلق مسارًا جديدًا لوقف إطلاق النار، بمشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
واستضاف اجتماع إسطنبول الوزاري في نوفمبر 2025، بمشاركة دول عربية وإسلامية، وأكد أن الدول المشاركة ترفض أي وصاية خارجية على غزة.
وطرح فيدان فكرة نشر قوات استقرار دولية في غزة، على أن تُحدد مهامها وصلاحياتها لاحقًا، وهو مقترح أثار جدلًا إقليميًا.
واستقبل وفدًا من حماس في أنقرة، وتسلم مذكرة رسمية بخروقات إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار.
وأكد هاكان فيدان أن حماس مستعدة لتسليم إدارة غزة إلى لجنة فلسطينية توافقية، وهو ما يتماشى مع الطرح التركي لتفادي عودة السلطة أو فرض وصاية خارجية.
تعليق قناة الحرة
ومساء الثلاثاء علقت قناة الحرة عبر @alhurranews على اجتماع اسطنبول واستعرضت رؤية الاحتلال في جانب الخلافات ومنها القوة الدولية المقترحة (التي ستكون تركيا حزء منها بحسب بدايات اتفاق سبتمبر الماضي) وقالت "الحرة": "تواصل تركيا مساعيها للمشاركة في القوة الدولية المزمع تشكيلها لمراقبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، تحاول إيجاد موطئ قدم لها في عملية إعادة إعماره.".
وأضافت "وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بعد اجتماع كلّ من قطر والسعودية والإمارات والأردن وإندونيسيا وتركيا في إسطنبول، الإثنين، إن العمل لا يزال جاريا بشأن تشكيل هذه القوة.".
واستدركت المنصة المحسوبة على خارجية أمريكا أن "تحقيق أنقرة لهذين الهدفين معاً يتطلّب نجاحها في إحداث ثغرة في جدار “الفيتو الإسرائيلي” على مشاركتها في القوة الدولية.. وفي هذا السياق، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، رفضه مشاركة أنقرة في هذه القوة.".
وقالت "لم يكن الرفض الإسرائيلي مفاجئاً بالنظر إلى مسار التوتر في العلاقة بين البلدين منذ السابع من أكتوبر 2023. فقد دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة بحق سكان القطاع، وأبدى دعمه الصريح لحركة “حماس”.
وأشارت إلى أن ".. مساندة تركيا لـ”حماس” خشية إسرائيل من أن يدعم أيّ دور محتمل لأنقرة في القطاع الحركة بدلاً من تفكيكها، كما ذكرت صحيفة “معاريف” ".
ولفتت إلى أنه "لا يبدو أن "إسرائيل" وحدها من يعترض على دور واسع لتركيا في قطاع غزة، فثمة دول خليجية لا تنظر بعين الرضى إليه لأسباب يتقدّمها الدعم التركي لـ”حماس”-إحدى حركات الإسلام السياسي.".
وزعمت أنه "إذا كان رفض هذه الدول للدور التركي يستند إلى دعم أنقرة لـ”حماس”، فإن إسرائيل تخشى تمدد النفوذ التركي إلى غزة، وأن يتقاطع هذا النفوذ مع ما يجري في المحيط."