بعد توسعه في الاستحواذ على أراضي طرح النهر .. هل احتلّ الجيش مصر اقتصاديًا؟

- ‎فيتقارير

 

لم يعد السؤال اليوم في مصر عن حجم نفوذ الجيش في الاقتصاد، بل عمّا تبقى خارجه. فالمؤسسة العسكرية منذ الانقلاب ، التي كانت تُقدَّم بوصفها حامي حدود الوطن، باتت اليوم لاعباً اقتصادياً مهيمناً يمدّ يده إلى كل مورد وأرض، حتى ضفاف النيل نفسها، رمز الحياة للمصريين عبر التاريخ.

 

في مقرّه الرئيسي بشارع جمال سالم بمدينة نصر شرق القاهرة، يستقبل جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، التابع لوزارة الدفاع، طلبات المواطنين والمستثمرين لاستغلال أراضي طرح النهر على طول كورنيش النيل، من شبرا شمالاً حتى حلوان جنوباً. وتُدار هذه العملية بمنظومة كاملة تُسجَّل فيها بيانات الهوية وكود الأرض ومساحتها، وكأن النيل نفسه أصبح “ملفاً استثمارياً” بيد الجيش.

 

في كل ديسمبر، ينشر الجهاز إعلاناً مدفوع الأجر في صحيفة الأهرام الحكومية لطرح قطع أراضٍ مميزة على ضفاف النهر بنظام حق الانتفاع السنوي، في مناطق راقية مثل الزمالك وغاردن سيتي والمنيل والمعادي، وصولاً إلى العجوزة وإمبابة والوراق.

لكنّ ما يلفت الانتباه أنّ هذه الأراضي لا تُدار من قبل مؤسسات مدنية أو محلية، بل من خلال شركات خاصة ترتبط بقيادات عسكرية سابقة، أو بشراكات خفية تجمعها برجال أعمال مقربين من المؤسسة العسكرية.

 

منذ عام 2021، شهدت محافظتا القاهرة والجيزة عمليات ردم واسعة لأجزاء من نهر النيل، حُوّلت إلى تجمعات تجارية ومطاعم على الكورنيش، تحت عنوان “التطوير”. غير أنّ المستفيد الفعلي هو شبكة من الشركات التي تعمل بنظام حق الانتفاع لصالح الجيش أو شركائه، في وقتٍ تتراجع فيه المساحات العامة المفتوحة أمام المواطنين.

 

تاريخياً، أُنشئ جهاز أراضي القوات المسلحة عام 1981 بهدف إدارة الأراضي العسكرية التي يمكن الاستغناء عنها، واستخدام عائداتها في إنشاء مناطق بديلة للجيش. لكنّ التحول الأكبر حدث في عام 2015، حين أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً منح الجهاز الحق في تأسيس الشركات بمفرده أو بالشراكة مع كيانات محلية وأجنبية، ما فتح الباب أمام توسع هائل في النشاط الاقتصادي والعقاري للمؤسسة العسكرية.

 

وفي عام 2020، صدر قرار من رئيس الوزراء بنقل ملكية أراضي طرح النهر من وزارة الموارد المائية والري إلى جهاز أراضي القوات المسلحة، لتصبح السيطرة على شواطئ النيل الممتدة لأكثر من خمسين كيلومتراً من اختصاص الجيش وحده. وتبع ذلك قرار جمهوري آخر عام 2022 نقل ملكية 36 جزيرة نيلية من أسوان إلى البحر المتوسط إلى الجهاز نفسه، ليصبح المشهد واضحاً: النيل لم يعد مرفقاً عاماً، بل أضحى منطقة نفوذ اقتصادي عسكري.

 

آخر فصول هذا التمدد جاء هذا الأسبوع، حين وافق مجلس الوزراء على نزع صفة “المنفعة العامة” عن قطعة أرض ضخمة في منطقة أثر النبي بالقاهرة، مساحتها أكثر من 91 فداناً، وإعادة تخصيصها لصالح جهات من بينها جهاز أراضي القوات المسلحة لإقامة “مشروعات تنموية”.

تلك المشروعات تشمل إنشاء محاور مرورية وإزالة سوق “ساحل الغلال” التاريخي الذي شكّل لعقود مركزاً لتجارة الحبوب في القاهرة، في خطوة تُبرَّر بالتطوير، لكنها عملياً تفتح الباب لموجة جديدة من الاستثمار العسكري في قلب العاصمة.

 

وبينما يتوسع الجيش في امتلاك الأراضي، من النيل إلى الصحراء، ومن المصانع إلى محطات الوقود والمنتجعات، يتساءل كثيرون: هل ما زال الجيش حامي الدولة… أم أصبح هو الدولة نفسها؟