يعيش الشباب المصري في حالة من اليأس والاحباط في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي، بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار والذي يجعله عاجزا عن الزواج وتكوين أسرة لعدم قدرته على توفير النفقات المطلوبة وعجزه عن شراء مستلزمات الزواج وكانت النتيجة عزوف عن الزواج.
هكذا اختفت حفلات الزفاف ؛ فالقاعات خافتة الأنوار، وصالات عرض الأجهزة الكهربائية خاوية، ومحلات الذهب والموبيليا تئن من قلة الزبائن، الفرح بقى حلما غاليا، عبارة تتردد على ألسنة الشباب والفتيات، بعدما ضرب الغلاء جميع مقومات الزواج وأصبح تكوين أسرة حلماً مؤجلاً إلى أجل غير مسمى.
كانت الأسواق المصرية قد شهدت خلال الأشهر الأخيرة موجة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار، طالت الذهب والأجهزة الكهربائية والأثاث المنزلي، ما أدى إلى ركود واضح في سوق الزواج، ويؤكد تجار الذهب والأجهزة، الكهربائية والأثاث أن القدرة الشرائية تراجعت، وأصبحت هناك حالة ركود تفرض نفسها على الأسواق .
صالات أفراح خاوية
في أحد شوارع طريق سقارة بالجيزة، اصبحت القاعة التي كانت تضج بالموسيقى والضحك قبل سنوات، شبه خالية إلا من عاملين ينظفون المقاعد المغبرة .
يقول صاحب القاعة، عم محمود عبد الغفار : زمان "كنا بنحجز بالأشهر، دلوقتي الأسبوع معظم أيامه فاضي، الناس تؤجل الفرح أو تعمل كتب كتاب بس .
شارع عبد العزيز
في شارع عبدالعزيز، الذي يُعدّ قلب تجارة الأجهزة الكهربائية في القاهرة، يشكو أحمد صبري صاحب محل ثلاجات وميكروويف من الركود، مشيرا إلى أن الأسعار ولعت، والثلاجة اللي كانت بـ12 ألفا بقت بـ28 ألفا، والمكواة وصلت 1500 جنيه.
وأشار إلى أن العرسان بيشتروا قطعة واحدة كل فترة، أو بيستغنوا خالص عن بعض الحاجات.
سوق الذهب
في سوق الذهب، الوضع أكثر قتامة، تقول إيمان . م صاحبة محل مجوهرات في المنيل : "سعر جرام الذهب قفز من 2800 إلى أكثر من 5000 جنيه خلال عام واحد، ما دفع الكثير من الأسر إلى الاكتفاء بدبلة فقط أو تأجيل الخطوبة تماماً".
وتضيف : فيه بنات بترفض المجوهرات خالص، بتقول العبرة بالاستقرار مش بالذهب، لكن برضو الأهالي مش كلهم متقبلين ده .
فسخ الخطوبة
يقول محمود رمضان 29 عاما من حي بولاق : "كنت ناوي أتجوز في عيد الأضحى اللي فات، بس لما حسبت التكاليف لقيتها فوق 700 ألف جنيه، من شقة ودهب وأجهزة وفرش".
وأضاف رمضان : اضطريت للتأجيل، يمكن ربنا يسهل، حتى الإيجار تطرقت له، كانت كل الشقق الجديدة تتخطى 5 آلاف جنيه إيجار كل شهر، وهذا لا يتناسب مع دخلي ومقدرتي المادية، مما دفعني أننا نؤجل الزواج أكثر من مرة، وفي النهاية اضطررت إلى فسخ الخطوبة .
في نفس السياق قال خالد. م»: إنه "ارتبط بفتاة وتقدم لخطبتها، ولكن كانت شروط والدها صعبة رغم أنه يمتلك الشقة في منطقة 800 فدان بأكتوبر، إلا أن متطلبات الأب أحبطته".
وأضاف : اتفقنا على عدد جرامات معينة من الذهب، وأراد الوالد أن يكتب رقم آخر في القايمة، وهذا ما أشعرني بالقلق في العلاقة، من حدوث خلافات بعد الزواج، وربما نتطرق للانفصال حينما تمتلك ورقة ضغط تأخذني للحبس، فاضطريت أن أفسخ الخطوبة .
زواج مؤجل
وقالت سارة محمد 26 عاما : اتخطبت من سنتين، ولسه ما قدرناش نحدد معاد الجواز، كل ما الأسعار تزيد نؤجل.
وأضافت سارة محمد : حتى الشبكة الدهب قيمتها نقصت وبقينا خايفين نبيعها أو نشترى تاني .
عزوف الشباب
من جانبه قال إبراهيم سليم، رئيس صندوق المأذونين الشرعيين: إنّه "رغم عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة حتى الآن تؤكد تراجع معدلات الزواج مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن الواقع الفعلي يشير إلى تزايد عزوف الشباب عن الزواج بسبب المغالاة المستمرة في المهور ومتطلبات الزواج".
وأوضح سليم في تصريحات صحفية أن المغالاة في المهور والشبكة تمثل العامل الأبرز وراء إحجام الشباب عن الزواج، مشيراً إلى أن متوسط شبكة العروس في الوقت الحالي وصل إلى نحو 200 ألف جنيه، وهو مبلغ يتجاوز قدرات أغلب الشباب في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف الدخول الشهرية.
ودعا إلى العودة إلى البساطة في الزواج، والاكتفاء بـدبلة ومحبس فقط، مستشهداً بحديث النبي محمد، صلى الله عليه وسلم : “أقلهن مهراً، أكثرهن بركة”، مؤكداً أن قيم الزواج لا تُقاس بالمظاهر أو الماديات، بل بالاستقرار والمودة.
وأشار سليم إلى أن العقبات لا تتوقف عند الذهب فقط، بل تمتد إلى أسعار العقارات والأجهزة الكهربائية والموبيليا التي شهدت ارتفاعاً غير مسبوق، مؤكداً أن تكلفة تجهيز منزل الزوجية أصبحت تفوق طاقة الأسر، وأن الاهتمام المبالغ فيه بـالنيش والأثاث الفاخر يمثل عبئاً إضافياً لا ينسجم مع روح الشرع الذى يحث على الضروريات لا الكماليات.
قائمة المنقولات
وتابع : قائمة المنقولات الزوجية تعد ملكية تامة للزوجة، وتشمل ما يقدمه لها والدها، وما تحضره هي من جهازها، وما يمنحه الزوج لها، لافتاً إلى ضرورة الاتفاق بوضوح على بنود القائمة قبل الزواج لتجنّب الخلافات .
وشدد سليم على أن الأساس في الزواج هو الاختيار السليم لشريك الحياة القائم على الدين والخلق، بعيداً عن الحسابات المادية.
وأضاف أن الاتفاق على المهر أو الذهب أمر شرعي ما دام قائماً على التراضي بين الطرفين، مستشهداً بالقاعدة الشرعية: المؤمنون على شروطهم، مطالباً بزيادة الوعي بين الشباب والفتيات حول الحقوق الشرعية والعقود الزوجية وكيفية كتابة قائمة المنقولات بشكل منصف ومتوازن.
ونوّه سليم إلى أن بعض المبادرات المجتمعية التي ظهرت مؤخراً مثل الزواج دون نيش والتيسير على الزواج تعد خطوات إيجابية نحو استعادة البساطة في الحياة الزوجية، مشيراً إلى أن الزواج في الماضي كان يتم في غرفة صغيرة داخل منزل العائلة، دون حاجة إلى شقة كاملة أو تكاليف باهظة، وكانت الحياة أكثر استقراراً وأقل تعقيداً.
وشدد على أن سقف الطموحات لدى كثير من الشباب أصبح غير واقعي وأعلى من إمكانياتهم الفعلية، داعياً إلى التواضع والرضا والتدرج في بناء الحياة الزوجية خطوة بخطوة.
كما نصح سليم بضرورة كتابة الصداق في وثيقة الزواج بجرامات ذهبية بدلاً من قيم مالية، لحماية حقوق الزوجة من تقلبات الأسعار مستقبلاً، مشددا على أن الزواج لم يكن يوماً سباقاً للمظاهر أو التباهي بالماديات، بل هو ميثاق يقوم على الرحمة والمودة، وأساسه التفاهم والتيسير لا المغالاة والتعقيد .