الاندفاع في الاتهام وغياب التحقق.. جدل واسع حول مقتل مهندس بالإسكندرية وروايات متضاربة تشوّه الحقيقة

- ‎فيتقارير

 

يرى مراقبون أن وصف حادث مقتل مهندس في الإسكندرية بـ"الاغتيال" يعكس تبنّيًا مشوَّهًا لرواية لم يُستقصَ من مصادرها بدقة. فحادث الخميس بمدينة الإسكندرية، المتعلق بمقتل شاب يعمل في مجال الهندسة الكيميائية، أحاطت به حالة من التضارب والتسرّع في إطلاق الأوصاف دون تحقق، وسط تداول واسع لمعلومات غير دقيقة حول خلفيته العلمية وطبيعة الجريمة.

 

وجاء الجديد في الحادث بعد نحو 8 ساعات من وقوعه، إذ أصدرت وزارة داخلية السيسي بيانًا قالت فيه إن "الحادث جنائي عادي"، وإن القتل "ليس سياسيًا"، ما دفع مراقبين للتساؤل عمّا إذا كان البيان نفسه يحمل دلالات سياسية أم أنه مجرد توضيح جنائي.

 

وقال مراقبون إن العدالة لا تُبنى على الانطباعات والانفعالات، بل على التحقيقات الدقيقة، مؤكدين أن احترام الضحية يبدأ بالدفاع عن حقه في كشف الحقيقة، لا بتبنّي روايات غير مؤكدة أو الترويج لفرضيات بلا أدلة.

 

وأشار د. محمد صلاح حسين، المتحدث باسم المجلس الثوري المصري وأكاديمي بكلية العلوم – جامعة الإسكندرية، إلى أن هناك "نوعًا من الهوس" في التعامل مع كل حادث وفاة أو قتل يطال شخصًا له صلة بالعلوم النووية أو الكيميائية.

 

وأوضح أن "الكيمياء النووية" ليست قسمًا جامعيًا مستقلًا في جامعة الإسكندرية أو في معظم الجامعات المصرية حاليًا، وأن قسمًا مشابهًا في جامعة عين شمس توقف منذ نحو عشرين عامًا، وأن هذا التخصص يندرج ضمن نطاق الهندسة والعلوم النووية عمومًا.

 

التهويل الإعلامي

 

وقال د. محمد صلاح حسين إن "التقاط الإعلام لأي حادثة وفاة أو قتل لعالم في هذا المجال والترويج لها على أنها اغتيال سياسي أو مؤامرة، يخلق حالة من الإرهاب الفكري للشباب". وأوضح أن "هذا التهويل قد يدفعهم للعزوف عن هذا المسار التعليمي والبحثي بالكامل"، مشيرًا إلى حالة مشابهة في المغرب قبل سنوات.

 

وربط بين رأيه وبين ما تبيّن من ملابسات الحادث (وفق الروايات المتداولة قبل بيان الشرطة)، قائلاً إن: "سواء كان القتيل شهيدًا أو مغدورًا به، فالأمر – بحسب المعطيات – يتعلق بخلافات مالية مع شريكه، وأن الجريمة ارتُكبت بدافع الانتقام".

 

وعن سياق الاغتيالات والمخابرات الأجنبية، رأى أن ليس كل حادث قتل أو وفاة لعالم أو خبير قريب من مجال ما يعني تلقائيًا استهدافًا سياسيًا أو مخابراتيًا، لافتًا إلى ضرورة التمييز بين الوقائع الفعلية والخيال الشعبي المتأثر بنظريات المؤامرة.

 

وأشار إلى أن العلوم النووية الأساسية أصبحت مكتملة نسبيًا، وأن الإبداع المعاصر في هذا المجال يتركز على التطبيقات العملية والتقنية، لا على ابتكار نظريات جديدة، وأن الرقابة العالمية اليوم تركز على المواد الخام والإمكانات العملية أكثر من التركيز على العلماء كما كان في الماضي.

 

وأضاف: "نحن نعيش في عالم تُراقب فيه معظم التحركات، وهذا أفضل، وإلا لعمّ العبث النووي في دول قد لا تملك تأمين منشآتها".

 

ووجّه رسالة قائلاً: "ارحموا حقوق العباد. فعدم استرداد الحقوق قد يدفع البعض للجنون وارتكاب أفعال متهورة. الإعلام أمانة، والكلمة إمّا لك وإمّا عليك".

 

دلالات الاندفاع في الاتهام (وفق تحليل AI):

 

1. غياب المعلومات الدقيقة

في الساعات الأولى انتشرت مزاعم بأن القتيل "مهندس نووي"، مما غذّى نظريات المؤامرة حول أسباب مقتله. هذا الاندفاع يكشف تعطشًا شعبيًا لخلق تفسير سريع للصدمة، ولو على حساب الحقيقة.

 

2. الرغبة في تفسير الصدمة

حين يكون الضحية شابًا ناجحًا، يميل الناس إلى تفسير الحادث بأسباب كبرى أو سياسية، بدل تقبّل أنه خلاف شخصي أو نزاع مالي.

 

3. تأثير الإعلام الرقمي

وسائل التواصل الاجتماعي ضخمّت الاتهامات وحولتها إلى رأي عام قبل صدور أي رواية رسمية، مما خلق ضغطًا وروايات متضاربة أربكت مسار العدالة.

 

4. الاستقطاب المجتمعي

الانقسامات الاجتماعية جعلت القضية تتحول من جنائية إلى رمزية، حيث يرى البعض الضحية رمزًا للنجاح، بينما يربط آخرون الحادث بقضايا سياسية أو أمنية دون دليل.

 

الوقائع المؤكدة عن الحادث

 

الضحية هو عبد الله أحمد الحمصاني، 32 عامًا، قُتل رميًا بالرصاص على يد صديقه القديم في منطقة الموقف الجديد بين "بشاير الخير" و"كرموز" غرب الإسكندرية. والقتيل خريج هندسة قسم البتروكيماويات من جامعة فاروس، ويعمل مندوب مبيعات في توكيل سيارات.

 

أُطلق عليه 7 إلى 13 رصاصة بسلاح ناري، وفرّ الجاني بسيارته، وهو – بحسب المعلومات – مهندس أيضًا ويعاني اضطرابات نفسية وسبق إيداعه مصحة علاجية.

 

بيان أمني قال إن الجريمة وقعت إثر مشاجرة بسبب خلافات شخصية وشكوى قدّمها المجني عليه لوالد المتهم، إضافة إلى خلافات تخص زوجة القتيل.

 

وصدر قرار من النيابة بدفن الجثمان بعد تقرير الطب الشرعي، مع حبس المتهم على ذمة التحقيق، وجمع الأدلة وتفريغ الكاميرات وسماع الشهود.

 

روايات إعلامية وسياسية متعارضة

 

الكاتب محمد القدوسي تساءل عبر صفحته على فيسبوك عن ملابسات الحادث، معتبرًا أن اضطراب الروايات يعكس "محاولة لحجب الحقيقة"، وطرح تساؤلات مفتوحة: متى وكيف ومن اغتال المهندس؟

 

في المقابل، رأى الصحفي رضا هلال أن الحادث "ليس عابرًا"، ملمّحًا لاحتمال وجود "ترصد" من قوى خارجية، ومعتبرًا أن ما حدث "صفعة للأجهزة الأمنية".

 

غير أن تضارب المعلومات حول تخصص القتيل زاد من تغذية نظريات المؤامرة، قبل أن تؤكد نقابة المهندسين أن تخصصه ليس نوويًا، وأنه ينتمي إلى مجال الهندسة الكيميائية.