الإخوان المسلمون: الشعوب تظل قادرة على استعادة حقوقها متى امتلكت الإرادة

- ‎فيبيانات وتصريحات

كشف بيان لجماعة الإخوان المسلمين أن مصر تعيش أزمة داخلية، بسبب التزوير الانتخابي والقمع الأمني، لكن الشعوب تظل قادرة على استعادة حقوقها متى امتلكت الإرادة.

وفي بيان بعنوان (أمة واحدة في مواجهة التحديات) نشره موقع إخوان أونلاين للأستاذ الدكتور محمود حسين القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، أكد أنه في مصر، تزييف الإرادة واستمرار القمع.

وأوضح أن سلطة الانقلاب كشفت عن الوجه الاستبدادي، وهي التي لا ترى إلا السلطة والحفاظ عليها، حتى لو كان الثمن كرامة الوطن والمواطن.

واعتبر أن "الانتخابات" البرلمانية الأخيرة (2025) مهزلة كبرى، تجاوزت في العبث والتزوير ما حدث في انتخابات 2010، حيث تم حسم أكثر من نصف المقاعد بالتزكية، وأُعلن صراحة عن "تسعيرة الكرسي البرلماني" التي تجاوزت 70 مليون جنيه. هذا المشهد مثّل فضيحة سياسية، إذ جرى توزيع الرشاوى الانتخابية أمام الكاميرات بلا خجل، في ظل إشراف السلطة نفسها على العملية.

وأشار البيان إلى أن النظام يواصل استخدام العصا الأمنية الغليظة ضد كل من ينتقد أو يخالف، عبر الاعتقالات والإخفاء القسري، حتى طال ذلك بعض المؤيدين أو شركاء الأمس، هذا يعكس ضيق السلطة بأي صوت خارج خطوط الطاعة المفروضة.

وأكد البيان أنه رغم هذا الاستكبار، فأن الشعوب قادرة على الانتصار متى أرادت، وأن لحظة الإرادة كفيلة بإنهاء المظالم، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

وعلى مستوى الأمة شدد "د. محمود حسين" أن الوحدة الإسلامية ضرورة لمواجهة التحديات، وفيها أن السودان يمثل عمقًا استراتيجيًا لمصر والمنطقة، وأي تهديد له ينعكس مباشرة على الأمن المصري، كما أن غزة قضية حية تتحدى النسيان، تحتاج دعمًا مستمرًا ضد محاولات الاحتلال لعزلها.

 

أمة واحدة في مواجهة التحديات

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 103].

 

        الحمـد للـه رب العالمين الذي أمرنا بالاعتصام بحبله والاجتماع على منهجه، والصلاة والسلام علــى ســيدِ المجاهديــن وإمامِ المرسلين نبينا محمــدٍ وعلى آله وصحبه ومَن سار على دربِه وهديــه إلــى يــوم الديــن.

 

        لقد أمر الله تبارك وتعالى هذه الأمة باجتماعِ الكلمةِ ورَصّ الصفوفِ ونبذِ التنازعِ والتّفرقِ والاختلافِ، وجعل الوحدة ميزان العبادة الصحيحة ومقياس التقوى، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [ الأنبياء: 92] ويقول سبحانه: ﴿ وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾[ المؤمنون: 52]، ويقول صلى الله عيه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيانِ يشد بعضه بعضًا".

 

        لقد كانت الأخوةُ الإسلامية ونبذُ التباغض بين المسلمين وإعلاء وشائج الترابط وترك الخلاف بينهم عملَ كل المصلحين ودأبَ كل الدعاة المخلصين، فبذلوا الجهد في رأب الصدع وجمع الكلمة وتلاحم الصفوف، على أرضية صحيحة، وبناء سليم، ومنهج راشد؛ ينطلق من ثوابت الدين ومقتضيات المصلحة العامة للأمة ، ولا يفرط في الأصول، ولا ينحرف عن الطريق ؛ بما يؤهل الأمة لأن تقف أمام تحديات عظام، وأعداء لا يرقُبون في مؤمن إلا ولا ذمة ويسعون في الأرض الفساد.

 

        إن حاجة أمتنا الإسلامية اليوم للوحدة والتلاحم ماسَّةٌ في ظل تحديات جسام، وأخطار محدقة تستهدف اقتلاع جذورها وتسعى لتفكيك وحدتها وإضعاف قوتها وذهاب ريحها، والأمثلة واضحة فيما يقع من خلاف بين دولتي أفغانستان وباكستان، وما يحدث في السودان من إحجام عن النصرة والنجدة، وما نراه من ضعف في الاستجابة لنجدة إخوة الدين في غزة.

 

        لقد كان منهج الإمام البنا رحمه الله واضحًا جليًّا في جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، تفرغًا للمهام العظمى والتحديات الكبرى التي تقف أمامهم وتعترض طريقهم، فيقول: "أعتقد أنَّ الإسلامَ هو دين الوحدة في كل شيء، وهو دين سلامة الصدور، ونقاء القلوب، والإخاء الصحيح، والتعاون الصادق بين بني الإنسان جميعًا، فضلاً عن الأمة الواحدة والشعب الواحد".

 

        وإذا كانت الأخوة الصادقة هدف كل مسلم غيور وكل مصلح صادق؛ فهي بين الدعاة إلى الله ألزم، وبين الإخوان أوجب، يقول الإمام البنا في ذلك: "أريد بالأُخُوَّة: أنْ ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوَّة أخت الإيمان، والتفرُّق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه مرتبة: الإيثار، ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]، وفي ذلك قال القرآن الكريم أيضًا ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا﴾ [الشورى: 13]".

 

مصر والسودان أمن ومصير مشترك

        وفي السودان، وبدلًا من أن تتداعى الأمة لنجدتها والوقوف معها، والتحرك العاجل لتحريرها، ورأب الصدع فيها، وصناعة الأمل لأهلها المكلومين، والحفاظ على وحدة أراضيها؛ تجد نفرًا من أبناء الأمة يغذُّون نيران الحرب ويسعِّرون شرارتها، بل ويمثلون رأس الحربة في صناعة المعركة وهندسة الصراع فيها، طمعًا في مكاسب زائلة أو سعيًا لأمجاد موهومة.

 

        إن الواجب يحتم على الأمة كلها آحادًا ومؤسسات وقيادات سياسية وفكرية ودعوية أن تتجه إلى وحدة السودان وسلامة أراضيه، وأن تبذل الجهد في حماية أهله، وتماسك بنيانه الاجتماعي، وتقديم كافة أنواع الغوث له.

 

        إن عمليات الإبادة التي تمت في الفاشر، ومحاولات نزع دارفور من سياقها السوداني، والسعي الدؤوب لاستمرار حالة التوتر في السودان؛ جرائم تستوجب من الجميع التصدي لها بكل قوة، قبل أن تفرض واقعًا جديدًا سيكون أثره خطيرًا وممتدًّا إلى أعماق مصر ومن ثم يمتد إلى عمق المنطقة العربية والإسلامية.

 

                     لقد ظلت المحاولات مستمرة لفصل مصر عن السودان، وصناعة الأزمات وزرع الخلافات بينهما، في حين أدرك الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي أهمية السودان لمصر، بل وأهميتها للأمة العربية كلها؛ فحرص على فتح مجالات التكامل معها، والانحياز إلى وحدتها وإغلاق أبواب الشقاق والخلاف التي استمرت بين مصر والسودان على المستوى الرسمي. وكان من ثمرة الجهود التي بذلها الرئيس الشهيد عدد كبير من الاتفاقات والمشروعات التي عطلها الانقلاب مع وقوعه؛ حيث أعاد الكَرَّة من جديد إلى سابق العهد من التباعد والشقاق مع أخوة المصير.

 

        لقد كانت السودان وما زالت عمقًا إستراتيجيًّا للأمن القومي المصري والعربي، وأي تهديد لأي من الدولتين يكون تهديدًا للدولة الأخرى بشكل مباشر، بما يفتح باب التدخلات الأجنبية وصناعة مناطق نفوذ مختلفة، ويمثل خطرًا داهمًا على الأمن المصري الذي تجري الصراعات الإقليمية من حوله وتحيطه من كل جانب.

 

غزة.. قضية تتحدى النسيان

        وفي غزةَ العِزة حيث القرار الأخير الصادر من مجلس الأمن والذي يسعى إلى إهدار ما أنجزته المقاومة، ويحاول فصل القطاع عن سياقه الفلسطيني، ويستبدل بسلطة الاحتلال احتلالًا أمميًّا، بينما المحتل يراوح مكانه ويضع كل يوم عقبات جديدة وينقض مزيدًا من العهود،  ويراوغ في تنفيذ أخرى، كما هو عهده وعهد أسلافه.

 

        لقد دأب الاحتلال على تطوير المعارك، وكلما أجبر على وقف القتال في مكان تحين الفرص للعودة عن اتفاقاته والنكوص على تعهداته، بل والبحث عن مناطق بديلة يفرغ فيها جعبة الحقد الدفين والرغبة الجامحة في سفك الدماء؛ فتتزايد انتهاكاته في الضفة وممارساته في القدس، وتنمُّره بلبنان، وسعيه لإفشال جهود وقف الحرب المدمرة على قطاع غزة.

 

        إن المحاولات المستمرة لحرمان قطاع غزة من حقه في الدفاع عن نفسه، وتلكؤ الاحتلال في فتح المعابر وإدخال كافة احتياجات غزة؛ أدخل القطاع في أزمة إنسانية واسعة، خاصة مع دخول فصل الشتاء وتزايد موجات الصقيع وهطول الأمطار، لشعب يعيش في أغلبه داخل خيام لا تقي حر الصيف ولا تحمي من برد الشتاء، بينما لا تتوفر مواد وأدوات البناء أو البيوت جاهزة التركيب، في ظل تدمير أكثر من 60 % من منازل المواطنين في غزة، وفقًا للتقارير الدولية.

 

        إننا نؤكد على ضرورة استمرار دور الشعوب والحكومات الإسلامية في التصدي لكافة المحاولات التي تتم ضد أهل غزة، والتي كان آخرها قرار مجلس الأمن، وذلك من خلال التفاعل مع قضيتهم والتحرك بكل السبل لإعادة الحياة إلى القطاع وضمان استقلاله، وجلاء الاحتلال عنه بلا قيد أو شرط، وتقديم كافة أشكال العون له، والتحرك على كافة المسارات للضغط على الاحتلال الصهيوني بفتح المعابر لإدخال كافة احتياجات أهل غزة، بما يضمن لهم حياة كريمة؛ فلتكن غزةُ قضيةً حية في قلوب المسلمين تتحدى النسيان.

 

تزييف الإرادة وعصا الانقلاب الغليظة

        وفي مصر كلما مرت الأيام تكشّف المزيد من أساليب سلطة الانقلاب، وكشفت عن وجهها الاستبدادي الذي لا يرى ولا يهتم إلا بالسلطة والحفاظ عليها، حتى وإن كان ذلك على حساب كرامة الوطن والمواطن.

 

        وقد شهدت البلاد خلال الأيام الماضية هزلية الانتخابات البرلمانية التي فاقت في العبث والتزوير والتلاعب مهزلة الانتخابات في 2010، وما تلاها من انتخابات، حتى وقعت عبثية انتخابات 2025م، حيث عاين الجميع حجم الاستهتار بإرادة المواطنين وتزويرها، للقاصي والداني بلا أدني خجل أو مواربة، بعدما تم حسم أكثر من نصف مقاعد البرلمان بالتزكية بعد الإعلان صراحة عن تسعيرة الكرسي البرلماني بما يزيد على 70 مليون جنيه، ليشهد العالم المهزلة الكبرى فيما تبقى من العملية الانتخابية التي باتت مسبَّة تشوِّه وجه مصر الحضاري، وليشهد العالم حجم التزوير والرشاوي الانتخابية التي كانت توزع أمام الكاميرات وعلى مرأى ومسمع من الجميع، والتي لن تفلح معها محاولات سلطة الانقلاب للتبرؤ منها بينما صُنعت جميعها على عينها وتحت إشرافها الكامل.

 

        وعلى الجانب الآخر ما يزال الانقلاب يسلِّط عصاه الأمنية الغليظة على كل من تسول له نفسه أن ينتقد المشهد أو يخالف سلطات الانقلاب، فالاعتقال والإخفاء القسري بات عملًا معتادًا تمارسه أنظمة القمع ليل نهار مع كل من يخالفها، حتى وإن كان من مؤيديها أو من أصدقاء الأمس، حيث تضيق سلطة الانقلاب بكل كلمة خارج خطوط السمع والطاعة التي فرضتها على الجميع.

 

        وبالرغم من هذا الاستكبار والاستعلاء الذي يوهم البعضَ بدوام الحال واستمرار المظالم؛ إلا أننا نؤكد أن الشعوب – متى ما أرادت – سوف تنتصر بإذن الله، وأن الذي بينها وبين الانتصار لحقوقها وحرياتها وكرامتها هي لحظة "الإرادة" بحول الله وقوته ﴿ وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].

 

واللهُ أكبرُ وللهِ الحمد

 

 

أ. د. محمود حسين

القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة " الإخوان المسلمون "

الجمعة 30 جمادي اﻷولى 1447 هجرية – الموافق 21 نوفمبر 2025م

 

https://ikhwanonline.com/article/271363/%D8%A3%D9%85%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA