الحكومة تبدأ العام الجديد بزيادة جديدة للكهرباء…تعليمات صندوق النقد أم جباية لتمويل عاصمة الخراب ؟

- ‎فيتقارير

في خطوة كانت متوقعة لدى مراقبين، تستعد حكومة الانقلاب لتطبيق زيادة جديدة على أسعار الكهرباء اعتباراً من يناير/كانون الثاني المقبل، بنسب تتراوح بين 15% و25% وفق شرائح الاستهلاك، بحسب ما كشفه مصدر حكومي لنشرة إنتربرايز، وتبرر الحكومة الخطوة بمحاولة “سد الفجوة بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع”، لكن توقيت القرار يفتح الباب للتساؤل حول دوافعه الحقيقية، خاصة أنه يأتي بالتزامن مع مفاوضات مكثفة مع صندوق النقد الدولي، في ظل أزمة مالية خانقة.

 

تعليمات الصندوق… أم جباية إضافية؟

 

عودة الحكومة إلى خطة تقليص فاتورة دعم الطاقة ليست منفصلة عن زيارة بعثة صندوق النقد التي تجري مراجعتين خامسة وسادسة لبرنامج قرض الـ8 مليارات دولار المتعثر منذ منتصف 2023، فالصندوق يشدد – وفق بياناته – على مسارات واضحة:

 

إلغاء دعم الطاقة بالكامل

 

رفع أسعار الوقود والكهرباء

 

تحرير سعر الصرف

 

تقليص دور الدولة والجيش في الاقتصاد

 

تسريع الطروحات الحكومية

 

وبينما تلتزم الحكومة حرفياً بكل ما يخص المواطن من ضرائب ورفع أسعار، فإنها تتجاهل – عمداً – ما يتعلق بعسكرة الاقتصاد أو وقف تمدد مؤسسات الجيش، وهو ما يجعل رفع أسعار الكهرباء خطوة “سهلة” من وجهة نظر السلطة: المواطن هو الحلقة الأضعف دائماً.

 

رفع أسعار الوقود… والآن الكهرباء

 

القرار يأتي بعد شهرين فقط من زيادة أسعار الوقود بنسب وصلت إلى 12.9% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في الزيادة العشرين منذ تطبيق آلية التسعير التلقائي عام 2019، وتزامن حينها القرار مع وجود وفد حكومي في اجتماعات صندوق النقد بواشنطن، ما أكد ارتباط هذه الزيادات المباشرة بشروط الصندوق.

 

وبرغم حديث الحكومة آنذاك عن “تثبيت أسعار المنتجات البترولية لمدة عام”، فإنها تعود الآن لرفع الكهرباء، ما يعزز الانطباع بأن تصريحاتها ليست سوى محاولات لتهدئة الرأي العام مؤقتاً، بينما تُتخذ القرارات الحقيقية على طاولة المفاوضات مع الصندوق.

 

أزمة مالية… وتمويل للمشروعات غير الإنتاجية

 

يصرّ مسؤولون على أن الدولة تدعم قطاع الكهرباء بـ170 مليار جنيه سنوياً، وأن الزيادة الجديدة ضرورية لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود والصيانة، لكن مراقبين يرون أن ما يجري هو جباية منظمة لتمويل مشروعات ضخمة لا تحقق عائداً، وعلى رأسها العاصمة الإدارية والمجتمعات العمرانية الجديدة الموجهة للأغنياء، إضافة إلى القنوات الإعلامية والمجال الإعلامي “المدني” الذي يبنيه النظام لضبط الخطاب العام.

 

وفي ظل العجز عن سداد أقساط الديون وخدمة الفوائد التي وصلت لمستويات تاريخية، تبدو الحكومة مضطرة لفرض مزيد من الرسوم والزيادات على المواطنين، بدلاً من تقليص الإنفاق على المشروعات التي وصفها خبراء دوليون بأنها “نزيف مستمر”.

 

تكلفة الغاز والطاقة المتجددة… تبريرات لا تنفي الهدف الحقيقي

 

وزير الكهرباء محمود عصمت أكد أن إنتاج الكهرباء يحتاج إلى 110 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً بتسعيرة 7 دولارات، وأن زيادة الأسعار المقبلة ستكون بناءً على “تكلفة الإنتاج الفعلية”، لكنه في الوقت ذاته تحدث عن توسع كبير في إنتاج الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة، وهو ما يثير تساؤلات حول توقيت رفع الأسعار إذا كانت تكلفة الإنتاج في انخفاض نسبي.

 

يرى خبراء أن هذه التبريرات لا تغير من الحقيقة الأساسية: الحكومة تحتاج سيولة عاجلة، والصندوق يضغط، والمواطن هو المصدر الأيسر للجباية.

 

خلاصة تحليلية

 

تبدأ حكومة الانقلاب العام الجديد برفع أسعار الكهرباء لأنها:

 

تنفذ تعليمات صندوق النقد لرفع الدعم وتحرير الأسعار دون تأخير.

 

تسعى لزيادة الجباية الداخلية لتغطية عجز هائل في الموازنة وسداد فوائد الديون.

 

تمول مشروعات غير إنتاجية مثل العاصمة الإدارية والأذرع الإعلامية الجديدة.

 

وفي ظل غياب الشفافية، وغياب أي إرادة سياسية لوقف توسع المؤسسات العسكرية في الاقتصاد، تبقى الإجراءات التقشفية موجّهة حصراً للمواطن، الذي يواجه عاماً جديداً من الأعباء الثقيلة وسط انهيار قيمة الجنيه وارتفاع تكلفة المعيشة.