أثار تصريح منسوب إلى الممثل الأمريكي جورج كلوني جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية والسياسية المصرية، حين أشار إلى أن زوجته المحامية الحقوقية من أصل لبناني أمل علم الدين شاركت في كتابة دستور مصر لعام 2012 مع جماعة الإخوان المسلمين.
واستغرقت عملية صياغة الدستور المصري ستة أشهر، وانتهت في ديسمبر 2012، ثم طُرح الدستور للاستفتاء الشعبي الذي أقره بنسبة 67%، لكن بعد ستة أشهر فقط، أُطيح بالدستور والرئيس إثر الانقلاب العسكري في يوليو 2013.
وأعادت تصريحات "كلوني" عن مشاركة زوجته في صياغة دستور مصر 2012 إلى الواجهة، وأثارت جدلًا والتصريحات لم تتغير كثيرًا عن روايته السابقة، لكنها انتشرت مجددًا وأثارت موجة من التعليقات الساخرة والانتقادات، وقالت منصة (جروك) في تقصيها للتصريح "بعد بحث عميق في مصادر متعددة، لم أجد أدلة موثقة على سفر أي من هؤلاء الأعضاء (حسام الغرياني، وعمرو موسى، ومحمد سليم العوا، وفاروق جويدة، وصبحي صالح، وعصام سلطان، ومحمد محسوب) إلى أمريكا أو بريطانيا خلال فترة الصياغة المبدئية للدستور 2012 أو الفترة السابقة..".
https://x.com/grok/status/1996676339106250940
واعتبر مراقبون أن دستور 2012 أفضل دستور من جانب الشرعية الشعبية والمشاركة المجتمعي واللحظة الثورية والتوازن السياسي ، بعدما أُقرّ باستفتاء شعبي شارك فيه ملايين المصريين، وارتبط مباشرة بروح ثورة 25 يناير، فجاء محمّلًا بشعاراتها مثل "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية، وضمّ ممثلين عن مختلف القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها الكنائس والأزهر والنقابات.
وفي ديسمبر 2025، أظهرت مقابلة كلوني في برنامج The Drew Barrymore Show إلى التداول، حيث قال: إن "زوجته كانت في اجتماع مع الإخوان المسلمين لإعادة صياغة الدستور المصري". هذا المقطع يعود أصلاً إلى عام 2022، لكنه انتشر مجددًا وأثار جدلًا واسعًا.
وكرر "كلوني" الفكرة في مقابلة حديثة، مشيرًا إلى أن أمل "شاركت في صياغة الدستور المصري إبان حكم الإخوان المسلمين"، في سياق حديثه عن خبرتها القانونية الدولية.
ووصف بعض الإعلاميين التصريح بأنه "فضيحة" أو "نكتة"، معتبرين أن الدستور كُتب في القاهرة عبر لجنة منتخبة، وليس في لندن وأراد يساريون وكتاب يصفون أنفسهم بالنزاهة أن يشغبوا على الإخوان المسلمين في إطار تصريح جورج كلوني وزوجته اللبنانية.
حيث استخدم التصريح من قبل بعض وسائل الإعلام كأداة دعائية ضد الإخوان، عبر الزعم أن الدستور كان "مكتوبًا في الخارج"، بينما اعتبره آخرون مجرد التباس أو مبالغة من كلوني في وصف مسيرة زوجته المهنية.
ورأى آخرون أن "كلوني" ربما خلط بين عمل أمل في قضايا حقوقية لاحقة (مثل الدفاع عن صحفيي الجزيرة المعتقلين في مصر عام 2013) وبين صياغة الدستور.
وعليه رجح بعضهم أن يكون "كلوني" خلط بين مشاركة أمل في اجتماعات قانونية مرتبطة بحقوق الإنسان في مصر بعد 2013، وبين عملية صياغة الدستور نفسها.
وأشار مراقبون إلى الدستور المصري أُقر في ديسمبر 2012، بينما تزوج كلوني أمل في سبتمبر 2014، أي بعد عامين من انتهاء صياغة الدستور وذا يجعل روايته غير متسقة زمنيًا.
ورغم أن التصريح لا يحمل قيمة قانونية أو سياسية، إلا أنه يُستغل إعلاميًا لإعادة فتح ملف دستور 2012، الذي لا يزال مثار جدل في مصر حتى اليوم.
شهادة وائل قنديل
وهناك شخصيات بارزة مثل الصحفي وائل قنديل والمستشار حسام الغرياني (رئيس الجمعية التأسيسية لدستور 2012) اعتبروا أن دستور 2012 كان من أفضل الدساتير التي عرفتها مصر، أو على الأقل الأكثر تعبيرًا عن لحظة ثورة يناير، رغم ما شابه من جدل سياسي واسع.
وكتب وائل قنديل في مقالاته بجريدة "الشروق" أن دستور 2012 كان فرصة ذهبية لإعادة بناء الدولة المصرية على أسس جديدة بعد ثورة يناير.
وأشار إلى أن الجمعية التأسيسية، رغم الانسحابات والجدل، كانت تسعى إلى التوافق على المواد دون اللجوء للتصويت، وأن المناخ العام كان أكثر إيجابية بعد لقاءات مع المستشار الغرياني.
واعتبر أن الدستور مثّل لحظة مهمة في التاريخ السياسي المصري، لأنه جاء عبر عملية انتخابية وحوار مجتمعي واسع، وليس مفروضًا من السلطة كما حدث في دساتير سابقة.
المستشار حسام الغرياني
وكان الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية التي صاغت دستور 2012، وهو شخصية قضائية بارزة تولت رئاسة محكمة النقض والمجلس القومي لحقوق الإنسان.
في تصريحات ومواقف متعددة، دافع الغرياني عن الدستور باعتباره أفضل ما يمكن أن يُنجز في تلك المرحلة الانتقالية، مؤكّدًا أنه جاء نتيجة عمل جماعي واسع وتمت الموافقة عليه باستفتاء شعبي بنسبة 63.8%.
وسلّم الغرياني مشروع الدستور للرئيس الشهيد محمد مرسي في ديسمبر 2012 وسط مراسم رسمية، وأكد أن الجمعية التأسيسية أنجزت مهمتها في وقت قياسي رغم الضغوط والانقسامات.
ومعارضو الدستور وصفوه بأنه "دستور الإخوان"، معتبرين أن الجماعة هيمنَت على الجمعية التأسيسية وزعموا أن صياغته كانت سريعة ("مسلوق")، وأنه لم يمنح ضمانات كافية للحريات أو استقلال القضاء.
عمرو عبد الهادي شاهد ومشارك
وعبر @amrelhady4000 رد المحامي عمرو عبد الهادي عضو كتابة دستور 2012 أنه شارك المصريين في المحافظات 27 وملايين الأشخاص عبر المقترحات ولقاءات داخل مجلس الشورى، طوال هذه الفترة لم أرَ أمل علم الدين في مصر، ولم يُذكر اسمها مطلقًا".
وأضاف أن "مشاركة امل علم الدين في كتابة الدستور ليست أمرًا سيئًا، بل على العكس. فقد استعنا بمستشارين مصريين، أساتذة متخصصين في الدساتير المقارنة في مختلف دول العالم، من أجل الخروج بدستور توافقي يليق بثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، رغم تحفّظاتي الشخصية على بعض النقاط المتعلقة بوضع الجيش في الدستور".
وأشار إلى أن "دستور صيغ خلال ستة أشهر ثم أُطيح به بعد ستة أشهر رغم حصوله على موافقة ٦٧% من الشعب المصري. قلتم عنه إنه "مسلوق"، ثم شكّلتم لجنة عدّلته في ثلاثة أشهر ( في نص المدة فقط) واعتبرتموه عملًا عظيمًا، بينما جعلتم الجيش وصيًا على الديمقراطية".
وتابع "وجّهنا الدعوة للجميع، وحضر باسم يوسف، ونقيب الفنانين والممثلين، ولاعبو كرة القدم، والمحامون، والطب الشرعي. ورغم التحفّظات التي أبديتُها في الجلسات العلنية المُذاعة، فإنني أرى أنه أفضل دستور في تاريخ مصر، وصالح للعمل به عشر سنوات على الأقل في أي مرحلة انتقالية".
وتساءل: "هل يُعقَل أن مشاركة أمل علم الدين كشخصية عامة كانت خافية عن العالم بأسره، بما فيهم ممثلو الجيش والقضاء العسكري ومستشارو أمن الدولة وممثلو الكنائس والإعلاميون المتربّصون في القنوات، وسفارات الخارج، وأجهزة الداخل العسكرية والعامة والشرطية؟ أعتقد أنكم بحاجة إلى مراجعة قواكم العقلية".
وخلص إلى أنه "إن كان بعض الدهماء والغوغاء و"النطيحة" من الممثلين ولاعبي الكرة امثالكم تمّت دعوتهم للمشاركة، فمن الطبيعي جدًّا أنه لو دُعيت أمل علم الدين—كمحامية وخبيرة في القانون—لنال ذلك استحسان الكثير، فالاستعانة بأي خبير لا تعني إطلاقًا أنه يُملي علينا ما نكتب أمّا كتّاب المخابرات، فلا عزاء لهم؛ بلا موهبة، بلا فهم، دمتم بلا عقل".
https://x.com/amrelhady4000/status/1996732526933733455
ادعاء أبواق
وأشار العضو السابق بالمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر د.أسامة رشدي وهو سياسي وحقوقي عبر @OsamaRushdi إلى أن " الدستور جرى الانتهاء منه وتسليمه في الأول من ديسمبر 2012 وجرى الاستفتاء عليه في 15 و 22 ديسمبر 2012، أي قبل ما جورج كلوني يعرف أمل علم الدين، فما علاقتها بالدستور والإخوان والهبل الذي يهرفون به ويطنون حوله؟! الدستور كتبته لجنة منتخبة مثلت كل طوائف الشعب وكان هناك حوار مجتمعي واسع على كل كلمة كتبت فيه.".
وأضاف، "رواية كلوني تتوافق زمنيا مع كون أمل علم الدين وهي محامية حقوقية دولية ولها جمعية حقوقية تتولى الدفاع عن قضايا حقوقية حول العالم، تولت في 2014 الدفاع عن الصحفي الكندي محمد فهمي، واثنين من الصحفيين بقناة الجزيرة الإنجليزية، تم القبض عليهم في #مصر في 2013 حيث كانوا يغطون أحداث القمع والمذابح التي حدثت في #القاهرة بعد الانقلاب، ومن الواضح أنها كانت في اجتماع خاص بهذه القضية وليس كتابة الدستور،
لكن اللجان والأبواق عقولهم في أحذيتهم.
https://x.com/OsamaRushdi/status/1996693891274121628/photo/2
ويبدو أن القصة المنسوبة إلى جورج كلوني حول مشاركة أمل علم الدين في كتابة دستور مصر 2012، غير دقيقة من الناحية الزمنية والواقعية، فالدستور كان نتاج لجنة مصرية منتخبة وحوار مجتمعي واسع، بينما ارتبط اسم أمل بمصر لاحقًا في سياق الدفاع عن الصحفيين المعتقلين، إعادة تداول هذه الرواية تكشف كيف يمكن للإعلام الدعائي أن يوظف تصريحات مجتزأة لإثارة الجدل، وتشويه الحقائق التاريخية. في النهاية، يبقى دستور 2012 محطة مهمة في مسار التحولات السياسية المصرية، سواء اتفق البعض أو اختلف حوله، لكنه لم يكن يومًا من صنع أمل علم الدين أو أي جهة خارجية، بل كان ثمرة لحظة ثورية مصرية بامتياز.