لماذا يضغط نظام السيسي الآن لترحيل السودانيين؟
وما علاقة ذلك بنفوذ “بن زايد” وتموضع مصر في ملف الحرب السودانية؟
تصاعدت في الأشهر الأخيرة وتيرة ترحيل واحتجاز اللاجئين السودانيين في مصر، في حملة تبدو الأكثر شمولًا منذ اندلاع الحرب في السودان في نيسان/أبريل 2023. هذا التصعيد يثير تساؤلات حول دوافع الدولة المصرية، خصوصًا في ظل التقارير التي تربط سياسات القاهرة بتحركات إقليمية، على رأسها النفوذ الإماراتي في الملف السوداني، واعتبارات الأمن الداخلي والاقتصاد السياسي للهجرة.
اعتقالات واسعة.. وأرقام تكشف التحول
خلال عام 2024، وثّقت “منصة اللاجئين في مصر” احتجاز ما لا يقل عن 687 طالب لجوء بين أبريل وأغسطس في القاهرة الكبرى والإسكندرية ومطروح، إلى جانب 1,560 محتجزًا آخرين منذ شهر أغسطس. ويقدَّر أن مصر رحّلت جزءًا من أكثر من 20 ألف لاجئ سوداني تعرضوا لخطر الإعادة القسرية العام الماضي.
معظم اللاجئين الذين جرى توقيفهم قالوا إن السبب المباشر كان غياب تصاريح إقامة سارية—مطلب شبه مستحيل مع تراكم مواعيد التسجيل لدى مفوضية اللاجئين حتى عام 2029. بل إن بعض المعتقلين كانوا يحملون وثائق حماية صادرة عن المفوضية، لكن السلطات صادرت بطاقاتهم وأجبرتهم على توقيع إقرارات بالمغادرة “طوعًا”.
من الحدود إلى المدن.. دولة أمنية تُطوّق اللاجئين
لم يعد الضغط الأمني مقتصرًا على المناطق الحدودية، تحقيقات سابقة وثّقت امتداد الحملة إلى قلب المدن الكبرى:
– نقاط تفتيش
– محطات المترو
– مناطق سكنية
– تفتيش الهواتف والوثائق
قادة مجتمعات اللاجئين أكدوا أنهم يواجهون ضغوطًا للإبلاغ عن أبناء جالياتهم تحت تهديد الاعتقال أو الترحيل، ما يضعهم أمام خيار مستحيل: خيانة مجتمعهم أو مواجهة الانتهاكات.
دور الإمارات: السياق السياسي الذي لا يمكن تجاهله
في ظل هذه التطورات، يبرز سؤال محوري: هل يرتبط تشدد القاهرة بتوجهات حليفها الإقليمي الأقوى، أبو ظبي؟
تشير مصادر دبلوماسية وباحثون في ملف الهجرة إلى أن الإمارات—لا سيما ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد—لها تأثير مباشر على سياسات القاهرة في ما يتعلق بالتعامل مع ملف الحرب السودانية، خصوصًا مع الاتهامات الموجهة لأبو ظبي بدعم قوات الدعم السريع. الضغط على اللاجئين السودانيين قد يمثل جزءًا من هندسة توازنات إقليمية تحاول فيها مصر تقديم إشارات سياسية أو أمنية تتوافق مع حلفائها، في لحظة حساسة تشهد إعادة تشكيل النفوذ في السودان.
مفوضية “عمياء”.. واتهامات بالتباطؤ والرشوة
ورغم أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين هي الجهة الدولية المسؤولة عن الحماية، إلا أن قيود السلطات المصرية جعلتها—وفق موظف سابق—“عمياء فعليًا” لعدم قدرتها على دخول مراكز الاحتجاز أو المناطق الحدودية.
انتقادات لاذعة طالت المفوضية بسبب:
ضعف بياناتها حول الإعادات القسرية.
عدم مواكبة مركز التسجيل للوافدين الجدد بعد إغلاق مركزين بسبب نقص التمويل.
انتشار سوق سوداء للمواعيد، يديرها وسطاء على صلة—بحسب شهادات عديدة—بموظفين داخل المفوضية.
رشاوى علنية خارج المكتب وعلى مرأى من الشرطة.
ورغم إصدار المفوضية “بيانات تحذيرية عامة”، يرى محامون ونشطاء أن هذه التحذيرات لم توقف الممارسات اليومية ولم توفر حماية فعلية.
آليات بلا أنياب
مصادر عديدة قالت إن نظام الحماية يبدو غامضًا ومشلولًا، أحد محامي اللاجئين أكد أن الإجراءات تفتقر لأي أدوات ردع عندما يقع اعتقال أو ترحيل، بينما أشار زعيم جالية إريترية إلى أن شكاوى الاعتقالات والترحيل “لا تتلقى أي رد غالبًا”.
لماذا الآن؟ قراءة تحليلية
هناك ثلاثة تفسيرات رئيسية لتوقيت هذا التصعيد:
1. اعتبارات أمنية داخلية
السلطات تتعامل مع الوجود السوداني المتزايد باعتباره “ملفًا أمنيًا”، خصوصًا مع دخول عناصر من مناطق قتال أو من قبائل متورطة في الحرب السودانية.
2. ضغط اقتصادي متراكم
مصر تحاول خفض عدد المقيمين غير النظاميين قبيل تفاوضها على مساعدات اقتصادية وقروض مرتبطة بملف الهجرة.
3. السياق الإقليمي – نفوذ الإمارات
يرى محللون أن القاهرة قد توفّر “تصورًا أمنيًا” يلائم أجندة أبوظبي في السودان، حيث ترغب الأخيرة في إعادة تشكيل المشهد العسكري والسياسي، بينما تستخدم مصر ورقة اللاجئين ضمن توازنات معقدة تتقاطع فيها الحسابات الأمنية والاقتصادية.
ملف سياسي
حملة الترحيل ليست مجرد تطبيق صارم لقوانين الإقامة، بل ملف سياسي يتجاوز الحدود المصرية. فالتشدد ضد اللاجئين السودانيين يجمع بين ضغوط اقتصادية داخلية، وأولويات أمنية، وتقاطعات مع تحالفات إقليمية—خصوصًا نفوذ الإمارات و“بن زايد”—في لحظة إقليمية ملتهبة.
ومع غياب آليات حماية فعالة، تبدو مجتمعات اللاجئين عالقة في منطقة رمادية بين دولة تتعامل معهم بقبضة أمنية، ومفوضية عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الأمان.