مع تصاعد الرفض الشعبي لجرائم الاحتلال…هل تتخلى الإدارة الأمريكية عن دعم الكيان الصهيونيّ ؟

- ‎فيعربي ودولي

 

السياسة القائمة على الدعم السخي وغير المشروط لدولة الاحتلال الصهيوني من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت تواجه لأول مرة معارضة داخلية من جانب الشعب الأمريكي نفسه وليس من جانب السياسيين أو الأحزاب أو الإدارات الأمريكية التي تمسك بزمام الأمور .

هذه المعارضة التي بدأت تفرض نفسها على الشارع الأمريكي جاءت كرد فعل لحرب الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال على قطاع غزة، والجرائم التي ارتكبتها ضد أهالي القطاع من قتل وتدمير وتجويع واعتقالات وتعذيب إلى آخر ذلك من أعمال لم تشهدها الإنسانية طوال تاريخها .

هذه التطورات تدفع الإدارة الأمريكية الحالية بل وكل السياسيين الأمريكان إلى البحث عن حلول لهذا المأزق غير المسبوق، خاصة أن هذا الرفض للاحتلال الصهيوني وجرائمه سيكون له تأثيره على أي انتخابات قادمة .

 

معضلة استراتيجية

 

في هذا السياق طرحت مجلة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية في عدد ديسمبر 2025 سؤالًا محوريًا: "هل نفد صبر الولايات المتحدة تجاه دولة الاحتلال ؟" مشيرة إلى أن الدعم غير المشروط لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يواجه تحديًا غير مسبوق .

وقالت المجلة: إن "استطلاعات الرأي كشفت أن غالبية الأمريكيين يرفضون أفعال جيش الاحتلال وممارساته الوحشية في غزة، وإن نسبة المؤيدين للفلسطينيين تجاوزت نسبة المؤيدين لدولة الاحتلال، مؤكدة أن هذا التحول يعكس أزمة داخلية عميقة في السياسة الأمريكية، ويكشف عن انقسام حزبي وجيلي متسع، ويضع الإدارة الأمريكية أمام معضلة استراتيجية لم تعرفها منذ عقود".

وكشفت أن قضية الإجرام الصهيوني أعادت خلط أوراق السياسة الأمريكية، وخلقت صدعًا داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مشيرة إلى أن الشباب يرفضون سياسات دولة الاحتلال ويعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي ويوتيوب للحصول على الأخبار، بينما يدافع الكبار عن الكيان الصهيوني تحت تأثير الدعاية التقليدية التي تبثها وسائل الإعلام الكبرى مثل فوكس نيوز ونيويورك تايمز.

وشددت المجلة على أن هذا الانقسام يضعف الإجماع التقليدي الذي حكم السياسة الأمريكية لعقود طويلة، ويكشف أن التحولات الإعلامية والجيلية بدأت تؤثر بشكل مباشر على المواقف السياسية.

 

السفارة الأمريكية

 

ويعرض الكونجرس صورة واضحة لهذا الإجماع التاريخي، إذ صوّت مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة للإبقاء على السفارة الأمريكية في القدس بعد أن نقلها الرئيس ترامب.  

هذا التصويت يؤكد أن الديمقراطيين لم يسعوا إلى إعادة السفارة إلى تل أبيب رغم مخالفة القرار للقانون الدولي، بل تبنوا سياسة ترامب.

هذا الموقف يبرز عمق النفوذ الصهيوني في السياسة الأمريكية لدرجة أن الرئيس السابق جو بايدن اضطر إلى مجاراة هذا الإجماع رغم تحفظاته الشخصية، إذ أعلن في إحدى المناسبات: "اسمي جو بايدن والجميع يعرف أنني أحب إسرائيل"، قبل أن يبدأ التراجع التدريجي داخل حزبه.

وأشارت المجلة إلى أن هذا الإجماع بدأ يتصدع مع تصاعد صور الدمار في غزة حيث يرفع سياسيون مثل زهران ممداني أصواتهم بانتقادات صريحة لدولة الاحتلال، بينما يجد المدافعون التقليديون عن الكيان الصهيوني صعوبة في تبرير استمرار الدعم غير المشروط.  

 

أصوات جديدة

 

وقالت: إن "هذا التحول يوضح أن الرأي العام الأمريكي لم يعد يقبل الانحياز المطلق لدولة الاحتلال، وأنه يرى في هذا الانحياز تهديدًا لمصداقية الولايات المتحدة كوسيط نزيه في الشرق الأوسط. متوقعة أن يفتح هذا التغير الباب أمام أصوات جديدة داخل الحزب الديمقراطي تطالب بإعادة النظر في العلاقة مع دولة الاحتلال، وهو ما يضعف قدرة اللوبيات التقليدية على فرض رؤيتها دون مقاومة".

وحذرت المجلة من أن استمرار هذا الوضع يضع واشنطن أمام معضلة استراتيجية، وإذا واصلت الإدارة الأمريكية دعم الكيان الصهيوني بلا شروط، فإنها تخاطر بفقدان نفوذها في المنطقة وتعرض تحالفها التاريخي للاهتزاز".

وإذا حاولت فرض ضغوط على حكومة نتنياهو، فإنها تواجه مقاومة قوية من اللوبيات المؤيدة للاحتلال داخل الولايات المتحدة.

وشددت على أن هذا التوازن الصعب يجعل المرحلة المقبلة اختبارًا حقيقيًا لصلابة التحالف الأمريكي الصهيوني ويكشف أن السياسة الأمريكية لم تعد قادرة على تجاهل التحولات الشعبية والإعلامية.

 

خطر مباشر

 

وأوضحت المجلة أن التحول في المزاج الشعبي الأمريكي يمثل خطرًا مباشرًا على دولة الاحتلال، مؤكدة أن نتنياهو يدرك أن فقدان الدعم الشعبي الأمريكي قد يفتح الباب أمام ضغوط سياسية واقتصادية غير مسبوقة، ولذلك يعلن عن فتح جبهة جديدة أسماها "معركة الحقيقة" في محاولة للتأثير على الرأي العام الأمريكي، لكن هذه المحاولة تواجه مقاومة متزايدة من الإعلام البديل ومن الأصوات الناقدة داخل الحزب الديمقراطي.  

وقالت: إن "هذا الصراع الإعلامي يعكس إدراك دولة الاحتلال أن معركة الشرعية لم تعد تُحسم في ساحات القتال فقط، بل في فضاء الرأي العام العالمي، مشيرة إلى أن واشنطن في المقابل تجد نفسها بين مطرقة التزاماتها التاريخية وسندان الضغوط الإنسانية والدبلوماسية، ما يجعل المرحلة المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان صبر الولايات المتحدة تجاه دولة الاحتلال سينفد بالفعل".  

وتوقعت المجلة أن يضع هذا التحول السياسة الأمريكية أمام اختبار غير مسبوق، ويكشف أن العلاقة مع دولة الاحتلال لم تعد محصنة من التغيير، بل أصبحت رهينة لمعادلات داخلية وخارجية تتغير بسرعة.