كتب- سيد توكل:
"كنا بنروح نخلص على الإرهابيين ونرجع من غير خدش.. إيه اللي جرى؟"، هكذا تباهى وتساءل أحد مسئولي داخلية الانقلاب في آن واحد، بعدما كشفت كارثة "الواحات" والتي قتل فيها نحو 56 ضابطًا ومجندًا من قوات النخبة، جرائم الداخلية في قتل وتصفية المختفين قسريًا، بزعم أنهم قتلوا أثناء اشتباكات مع قوات الأمن.
أما هذه المرة جرت الأمور بالعكس، لم تحمل القوات "المختفين" مكبلين ومعصوبي الأعين، كما اعتادوا في المرات السابقة، ولم يقتلوهم ويضعوا بجوارهم كام رشاش آلي حتى يلتقط إعلام الانقلاب صورهم، بل ذهبوا في معركة حقيقية وكمين أعده لهم مجهولون، ربما أرادوا التضحية بالداخلية وضرب أكثر من عصفور بحجر.
كارثة "الواحات" أثارت رعب أهالي المختفين قسريا من احتمال استخدامهم كبش فداء لفشل الانقلاب، من بين هؤلاء السيدة "مريم حسن" التي منذ اختفاء زوجها قسريا قبل 55 يوما، تتمنى توجيه اتهام قضائي له وظهوره على ذمة أي قضية ملفقة، بدلا من استمرار تغييبه من قبل قوات الأمن التي اعتقلته من منزل الأسرة في مدينة السادس من أكتوبر غربي القاهرة، في 17 يوليو الماضي.
وهو ما يعرض حياته للخطر مثلما جرى مع العديد من الحالات التي سمعت بها عبر الإعلام أحدثها ما وقع لـ 10 شباب ينتمون إلى جماعة الإخوان صفتهم قوات الأمن، غربي القاهرة في سبتمبر الماضي، بدعوى "تخطيطهم للقيام بعمليات عنف وإرهاب في البلاد".
الفضيحة
واعتادت داخلية الانقلاب على الإعلان بين وقت وآخر، عن مقتل بعض الأشخاص المطلوبين أمنيا "في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن؛ أثناء مداهمة أماكن اختبائهم". وشهد الشهر الماضي حادثتي تصفية لمعتقلين، مقرونتين بالادعاء بأنهم قتلوا في اشتباكات مع الشرطة، ووقعت الحادثة الأولى حيث قتلت الشرطة ثلاثة شبان في محافظة أسيوط، بزعم انتمائهم لحركة سواعد مصر "حسم"، وبعدها بيومين؛ أعلنت داخلية الانقلاب عن قتل شاب آخر في القليوبية، أثناء مداهمة قوات الأمن لمكان اختبائه.
وروى (م. ف) المقيم حاليا خارج مصر، تجربته القاسية في هذا المجال، حيث نجا بأعجوبة من محاولة للقتل بدم بارد على أيدي قوات الأمن بعد اعتقاله، ليصبح الناجي الوحيد من تلك الحوادث.
وقال في تصريحات صحفية إنه تم اعتقاله من إحدى الشقق بعد مراقبة اتصالاته لمعرفة المكان الذي يختبئ فيه، حيث كان مطلوبا على ذمة العديد من القضايا، وبعدها تعرض لتعذيب شديد لعدة أيام في أحد المقرات الأمنية حتى يعترف بارتكاب عمليات تفجير واغتيال لا يعرف عنها شيئا، وبالفعل اعترف بكل الجرائم حتى يتخلص من التعذيب، فتوقف التعذيب وبقي رهن الاعتقال لأكثر من أسبوعين.
وفي أحد الأيام؛ فوجئ برجال الأمن يقتادونه وهو معصوب العينين، واصطحبوه إلى أحد المنازل ويده مقيدة في يد أحد أمناء الشرطة، حتى لا يتمكن من الهرب، وبمجرد دخوله سمع دوي انفجار هائل لمتفجرات كانت معدة؛ ليتم تصويرها لاحقا وكأنها مضبوطات وجدت في هذا "الوكر"، إلا أنها انفجرت عن طريق الخطأ، ودمرت أجزاء كبيرة من المنزل، ما أدى إلى إصابته بجروح، ومصرع عدد من رجال الشرطة، ومن بينهم الرجل المقيد في يديه.
وأضاف (م. ف) أنه عندما رفع العصابة من فوق عينيه؛ رأى حالة الفوضى العارمة التي سادت المكان، فاستغل الموقف وأخرج مفتاح القيود من ملابس أمين الشرطة المقيد في يديه، وفك قيوده وهرب من المكان وسط عشرات من الأهالي، ليكتب له عمر جديد.
تصفية المختفين
وأكد إسلام سلامة، المحامي الحقوقي الذي يتولى الدفاع عن عدد من المختفين قسريا، أن الشبان الثلاثة الذين قتلوا الثلاثاء الماضي على يد الشرطة "كانوا معتقلين، وتعرضوا للاختفاء القسري لعدة أسابيع؛ قبل أن تعلن الداخلية قتلهم في اشتباك مع الشرطة".
وقال سلامة إن "اعتقال هؤلاء الشباب مثبت رسميا في بلاغات للنائب العام، وبيانات من مراكز حقوقية كانت تتابع مصيرهم، لكننا فزعنا مما حدث لهم على أيدي الشرطة وما قالته وزارة الداخلية عن مصرعهم أثناء الاشتباكات مع القوات".
وأوضح أن "الاختفاء القسري هو جريمة ترتكب في حق الشعب المصري، وكثيرا ما نرى شبابا مختفين قسريا؛ يظهرون في مقاطع فيديو وهم يعترفون بجرائم لا يعرفون عنها شيئا، ولكنهم يقرون بها تحت التعذيب الجسدي والمعنوي. وأحيانا نفاجأ بإدراج المعتقل ضمن إحدى القضايا التي لا يعرفون عنها شيئا".
عسكر كاذبون
ونشر أهالي الضحايا أدلة عديدة تثبت اعتقال أبنائهم، واختفائهم قسريا منذ شهور، بالإضافة إلى وجود آثار تعذيب بشع على جثثهم، ما يؤكد تعرضهم لتعذيب شديد قبل مقتلهم.
وأكد نشطاء سياسيون ومنظمات حقوقية "كذب" رواية الداخلية، مؤكدين أن هؤلاء الشبان تعرضوا للتصفية الجسدية عبر قتلهم بدم بارد بعد اعتقالهم واختفائهم قسريا على أيدي قوات الأمن.
وأكد الحقوقي المتخصص في ملف الاختفاء القسري، المحامي حليم حنيش، أن الضحايا الذين تمت تصفيتهم في أسيوط "كانوا مختفين قسريا منذ أكثر من شهرين"، وأن "أقاربهم قدموا بلاغات عديدة للنائب العام للمطالبة بكشف مكان احتجازهم، لكنهم فوجئوا بإعلان تصفيتهم في تبادل لإطلاق نار مع الشرطة".
وقالت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" في تقرير لها، إنها وثقت قبل أشهر اعتقال القتلى الثلاثة، وتعريضهم للاختفاء القسري دون عرضهم على أي جهة قضائية، ومنعهم من التواصل مع ذويهم بشكل كامل.
وبحسب منظمات حقوقية؛ فإنه في الغالبية العظمى من هذه االحوادث؛ يثبت تشريح جثامين الضحايا أن قتلهم تم عبر رصاصة واحدة في الرأس من الخلف ومن مسافة قريبة، ما يثبت أنهم تعرضوا للتصفية، وليس أثناء اشتباكات كما تزعم الداخلية