في ذكرى تأسيسها.. هل تتخطى جماعة الإخوان الانقلاب وتتجاوز المحرقة

- ‎فيتقارير

 كتب سيد توكل:

"نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة، تنتظم شئون الناس في الدنيا والآخرة، فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف"، هكذا أرادها الإمام الشهيد حسن البنا– رحمه الله- في شرحه لأهداف دعوته وتأسيس الجماعة التاريخية التي حملت راية الدفاع عن الإسلام بعد مؤامرة إسقاط الخلافة، ومن السذاجة أن نظن أن تنظيمًا عريقًا كجماعة الإخوان المسلمين عندما يتعرض لحملة تستهدف استئصاله والقضاء عليه، أنه لن يقاوم هذه الحملة ويحاول الإفلات من خصومه.

كان بيان الانقلاب العسكري الذي ألقاه وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي متوقعا للكثيرين، لكن الغريب كان دعم "أنصار الدولة المدنية" لانقلاب الجيش، وعلى مدار العام الذي حكم مرسي خلاله البلاد، رأى الإخوانُ الكثيرين ممن يُقدمون أنفسهم على أنهم ليبراليون أو علمانيون يطالبون بتدخل الجيش "لإنقاذ البلاد من حكم الإخوان".

وبمجرد فوز الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، فإن الليبراليين والعلمانيين في مصر كانوا قد قرروا إسقاطه، باختصار "الديمقراطية تمر فقط عندما تأتي بمن نريد، ونحن لا نريد جماعة الإخوان المسلمين".

تبدو المؤامرة على الجماعة منطقية للغاية، وتبدو مسيرة الرئيس مرسي خلال عام مشحونة بحرق الأرض من تحت أقدامه، ودارت رحى الإعلام لتشويه الجماعة التي تؤمن بالديمقراطية كوسيلة لتداول السلطة، وبعد الانقلاب ظهر أن إقصاء الإخوان عن الساحة السياسية أدى إلى قتامة الوضع السياسي، وطرح المزيد من الاحتمالات الأسوأ.

فيما تبدو محاولات خلخلة موقف الجماعة من الانقلاب من قبيل العبث، فمع عدم الثقة في العملية السياسية برمتها في وجود الانقلاب، بالإضافة إلى إحساس الشعب الشديد بخذلان العسكر، واعتبار الجماعة وأفرادها ومعهم أطياف مؤيدي الشرعية "شعبا آخر"، ويبدو من غير المنطقي الآن الحديث عن قبول الجماعة أي تسوية مع العسكر، وتضحيتها بدماء الشهداء والمعتقلين رغبة في توافق يهدر العدالة الثورية.

سيرة المؤسس

ولد حسن أحمد عبد الرحمن البنا في عام 1906م – العام الذي وقعت فيه حادثة دنشواي الشهيرة – في قرية المحمودية بالبحيرة، لأب عالم هو أحمد عبد الرحمن البنا الشهير «بالسّاعاتي»، لقد تضلع الأب علوم الحديث، فرتب المسانيد على أبواب الفقه، وله في ذلك كتب «بدائع المسند» في جمع وترتيب مسند الشافعي، و«الفتح الرباني في ترتيب مسند أحمد الشيباني»، و«بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني»؛ لذا كان للأب أكبر الأثر في نشأة ولده، حيث اهتم بتعليمه تعليما شرعيا، فضلا عن تدريسه الفقه.

كان حسن الأخ الأكبر لعائلة مكونة من سبعة إخوة؛ فنشأ حافظًا لكتاب الله في قريته، وما لبث أن أقنع والده بالالتحاق بالمدرسة الابتدائية على أن يتم حفظ القرآن فيها، وفي عام 1920 التحق بمدرسة المعلمين الأولى بدمنهور.

تعلق الفتى في أول حياته بشيخه عبد الوهاب الحصافي، شيخ الطريقة الحصافية، التي كانت فرعًا عن الشاذلية، فانتظم في الحلقة والحضرة، ونبغ من بين زملائه حتى عُين سكرتيرًا عاما للجمعية الحصافية التي أُسّست لهدف دعوي وآخر تمثّل في الوقوف في وجه الإرساليات التبشيرية التي غزت مصر في تلك الفترة.

لم يكن البنا ينكر في أي من مراحل حياته هذا الانتماء الصوفي، بل عززه بالانشغال بالعبادة والصيام وقراءة كتب التصوف، فدرس "الإحياء" وغيره، وتأثر بمنهج المتصوفة في التربية وتنظيم الحلقات والأوراد.

المشهد الإسلامي والعربي

قبيل تأسيس جماعة الإخوان بسنوات، أمضى البنا تعليمه الجامعي في كلية دار العلوم، وارتبط في هذه الفترة بشخصيات مؤثرة في المشهد الإسلامي والعربي مثل: الحاج أمين الحسيني، الذي سيصير مفتيا للقدس بعد ذلك، والشيخين رشيد رضا ومحب الدين الخطيب.

في عام 1927م عين مدرسا للغة العربية للمرحلة الابتدائية في الإسماعيلية، وهناك بدأ فكرة الدعوة تنشط في عقله، خاصة بعد سقوط الدولة العثمانية، وفراغ العالم الإسلامي من دولة رابطة تجمعه، فتنقّل يخطب في المساجد والمقاهي والحوانيت يدعو الناس إلى العودة إلى تعاليم الدين في مدينة أغلب سكانها من الإنجليز، شاعت فيها مظاهر التغريب حتى كادت تكون مدينة أجنبية!.

وفي الإجازات كان يجوب البنا قرى الصعيد ناشطًا في دعوته، بدأت دعوته تصل إلى الناس، وكان ستة من الشباب سمعوا عظته، وتأثّروا به، ودعوه سنة 1928م لإنشاء جماعة للدعوة والعظة ونفع المجتمع، فكانوا نواة «جماعة الإخوان المسلمين» التي ظلت منذ ذلك اليوم تمارس عملها الدعوي وتقيم المساجد والمدارس والجمعيات والفروع حتى تم حلها في 8 ديسمبر 1948م.

تأسيس فرع القاهرة

ظلت الجماعة على حالها حتى مع تأسيس البنا لفرعها الأساسي بالقاهرة، إلى أن قامت حرب 1948م بين العرب واليهود، ولم يكن البنا غافلاً عن القضية الفلسطينية في تلك السنوات، ففي الثلاثينيات من القرن العشرين كان يُرسل المتطوعين من الإخوان إلى فلسطين، ملتحقين بالقائد الثائر عز الدين القسام، وكانوا قوام حركة المقاومة والجهاد هناك، وقد أخذ البنا في مصر يكتب ويخطب ويحشد ويجمع التبرعات لنصرة فلسطين، إلى أن قامت الحرب وشوهدت كتائب الإخوان على الأرض، فأدركت الحكومة المصرية حجم تنظيم الإخوان في المعارك، وحجم بلائهم، فقد كان عددهم مقدرًا بـ10 آلاف مقاتل.

ومع مرور ذكرى التأسيس، يظهر تساؤل على الساحة السياسية حول علاقة الإخوان بالجيش؛ حيث لم تشهد صفحات التاريخ بين طياتها أية علاقات مودة أو مصالح مشتركة استمرت طويلًا بين جماعة الإخوان المسلمين والجيش المصري، منذ يوليو عام 1952، وقبلها في حرب 1948، مرورًا بثورة يناير 2011؛ وصولًا إلى الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع على الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013.

تقول الجماعة عن نفسها، "نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم، إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم في يوم من الأيام".