كتب سيد توكل:
مثلت قناة السويس دليلا واضحا على الممارسات الفجة والمؤامرات التي تقوم بها دولة الإمارات للحفاظ على مصالحها التجارية والاقتصادية على حساب أشقائها العرب.
فالمشروع الذي تم تدشينه عام 2013 في عهد الرئيس محمد مرسي كان مقررا له أن يكون نقطة الانطلاق للاقتصاد المصري، إلا أن تحركات الإمارات على الصعيد الاقتصادي حالت دون ذلك، لأن المشروع كان يمثل تهديدا واضحا لموانئها، وتجارتها.
وتعتبر منطقة السويس في ظل موقعها الجغرافي الواصل بين القارات والدول في حال العمل على تنميتها تنمية شاملة منافسا كبيرا لمنطقة جبل علي المنزوية في الخليج والتي لا تتمتع بميزات تنافسية بقدر ما كانت ستتمتع منطقة السويس في حال إتمام المشروع بها.
المخاوف الإماراتية
ومنذ الإعلان عن المشروع عام 2013 تزايدت مخاوف الإمارات ممّا سيشكله من مخاطر على منطقة جبل علي في إمارة دبي، وما سيحمله من بيئة جاذبة للرأسمال العربي والإقليمي والدولي تنهي تربع الإمارات على صدارة الاقتصاد الإقليمي على المدى البعيد، وهذا ما تعتبره حكومة دبي تهديدًا لهويتها الاقتصادية التي تتميز بها حاليًا، وكان سيغير خارطة الطرق التجارية التي عملت الإمارات على تشكيلها منذ فترة وتعيد مصر إلى الواجهة من جديد.
وبعد عام واحد من انقلاب الجيش على الرئيس مرسي وتصدر الإمارات للمشهد بدورها الكبير في صنع القرار بمصر تم تغيير المشروع بالكامل والاكتفاء بالتفريعة التي تمثل جزءا ضئيلا من المشروع العملاق الذي كان مخطط تنفيذه.
خسائر مصر
ورغم مرور عامين على افتتاح التفريعة لم تستفد مصر ولا اقتصادها، بل على العكس شهدت شهور عدة خلال العام الماضي تراجعا في إيرادات القناة نتيجة الركود التجاري الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي، والذي حذرت منه عدة تقارير دولية حكومة الانقلاب أثناء العمل على المشروع الذي تكلف أكثر من 13 مليار دولار وقتها، منها 8 مليارات دولار (64 مليار جنيه وقتها أيضا) قيمة أموال حصلت عليها حكومة الانقلاب من المواطنين في شكل شهادات استثمار لتمويل الحفر والتعميق.
وافتتح عبدالفتاح السيسي يوم 6 أغسطس 2015 تفريعة قناة السويس، وقالت حينها حكومته إنها تأمل في أن تسهم القناة بإنعاش اقتصاد البلاد، إلا أن الإيرادات واصلت التراجع منذ ذلك الحين رغم التفريعة الجديدة.
وخلال الأسابيع الأخيرة حالة من السخط أصابت الشارع المصري والخبراء خلال اليومين الماضيين عقب القرار الذي أصدرته هيئة قناة السويس بخفض رسوم عبور السفن بحد أقصى 50% في محاولة منها لتنشيط المشروع الذي دخل في موت إكلينكي نتيجة الركود التجاري.
تصريحات كاشفة
أحد وزراء حكومة هشام قنديل، طلب عدم ذكر اسمه، أكد لـ«الحرية والعدالة» أن مشروع تنمية قناة السويس الذى كان مخططاً فى عهد حكومة الدكتور هشام قنديل كان مقررا أن يشمل ٣ مناطق صناعية، منطقة شمال غرب خليج السويس تخصص للصناعات الكيماوية والبتروكيماويات، ومنطقة وادى التكنولوجيا بالإسماعيلية تخصص للصناعات الإلكترونية الدقيقة والطاقة المتجددة، ومنطقة شرق بورسعيد تخصص للصناعات النسجية والسيارات وصناعات أخرى.
وتابع أنه كان مقررا تنمية شاملة لهذه الثلاث مناطق، حيث ترتبط ارتباطا عضويا بالمخطط العام للتنمية الذى كان يشمل أنفاق تحت مجرى القناة لزيادة الحركة البينية ومناطق تموين للسفن ومناطق صيانة وتخريد، وكذلك مناطق سياحية للاستفادة من سياحة الترانزيت أثناء وقت انتظار السفن، حيث إن هناك ما بين ٢٠-٣٠ ألف سائح ترانزيت يمرون يوميا ويمكن الاستفادة منهم لزيادة الدخل السياحى، أما القناة الفرعية التى تم إنشاءها مؤخرا فهى تهدف إلى زيادة سعة القناة للسفن العابرة وهى تختلف عن مشروع التنمية الشامل للمحور.
وأوضح الوزير السابق أن التفريعة التي تم حفرها وما تشمله من أعمال تطوير بالمنطقة لا تمثل إلا نسبة 12% فقط من إجمالي المشروع الذي كان مقررا تنفيذه، مشيرا إلى أن الأولوية في المشروع كانت لتطوير خدمات النقل البحري، وإنشاء موانئ للشحن وتصليح السفن، بالإضافة إلى الخدمات اللوجيستية والصناعات التصديرية، ولم يكن هناك أولوية لإنشاء التفريعة في ذلك الوقت.
وشدد على أن نسبة الـ 88% من المشروع والتي تم إلغاؤها كانت ستضر الإمارات ممثلة في ميناء جبل علي، الأمر الذي يعني أن ذلك تم إرضاءا للإمارات ولدورها في دعم الموقف الاقتصادي لمصر وتخطيطها للانقلاب على الرئيس مرسي وحتى الآن.
الأرقام تفضحهم
وخلال العام الماضي أظهر تقرير أمريكي نشرته شبكة "سي إن بي سي" الإخبارية أن انخفاض أسعار النفط دفع بسفن الشحن إلى تجنب الرسوم الجمركية باهظة التكلفة لقناتي السويس وبنما، لافتاً إلى أن العديد من تلك السفن فضلت أن تسلك الطريق الطويلة حول أفريقيا بدلاً من المرور مباشرة عبر تلك القنوات.
وواصلت إيرادات قناة السويس التراجع، وذلك بالرغم من قيام حكومة الانقلاب بتخفيض رسوم العبور بنحو 50%، والإعلان عن مكافأت تشجيعية علي حجم التداول السنوي للحاويات.
وجاءت القرارات الأخيرة في ظل انهيار الإيرادات، علي الرغم من استمرار تكذيب المسئولين لتلك الحقائق والتي تظهرها تقارير هيئة قناة السويس نفسها.
وأفادت التقارير الملاحية الرسمية بأن التراجع في إيرادات قناة السويس الجديدة بدأ في أكتوبر 2015، وواصلت إيرادات القناة تراجعها للشهر الثالث على التوالي منذ افتتاحها لتسجل انخفاضًا بنحو 33,1 مليون دولار خلال شهر أكتوبر2015, محققة 449,2 مليون دولار، بتراجع نسبته 6,7%، مقارنة بنحو 482,3 مليون دولار في أكتوبر 2014، كما تراجعت العائدات في 2016، حيث شهدت إيرادات قناة السويس تراجعًا منذ بداية 2016 في شهري يناير وفبراير.
وأظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن هيئة قناة السويس، تراجع إيرادات القناة، خلال سبتمبر الماضي، بنسبة 2.2% على أساس شهري، حيث أوضحت البيانات أن إيرادات القناة بلغت 459.8 مليون دولار خلال سبتمبر 2017، مقابل إيرادات بلغت 470.6 مليون دولار في أغسطس الماضي.