دعوات الانفصال “موضة” تهدد استقرار أوروبا

- ‎فيتقارير

 كتب رانيا قناوي:

ضربة جديدة للاتحاد الأوروبي، الذي كشف عن انفصال إقليم كتالونيا عن دولة إسبانيا، هشاشته من جديد، حيث أعلنت حكومة كتالونيا تأييد 90% من الأصوات لانفصال الإقليم عن إسبانيا في الاستفتاء الذي جرى الأحد، وشارك فيه نحو 2.26 مليون شخص، بنسبة 42.3% من إجمالي عدد الناخبين في كتالونيا البالغ 5.34 ملايين، في الوقت الذي أكد رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أن الاستفتاء "فشل".

وأوضح الناطق باسم حكومة كتالونيا جوردي تورول في مؤتمر صحفي أن 2,02 مليون ناخب كتالوني صوتوا بـ"نعم" على سؤال "هل تريد أن تصبح كتالونيا دولة مستقلة على شكل جمهورية؟".

وقال رئيس إقليم كتالونيا كارلس بويغديمونت -في خطاب متلفز مساء الأحد في برشلونة- إن الكتالونيين كسبوا الحق في أن تكون لهم دولة مستقلة بعد نزول "الملايين" منهم للمشاركة في استفتاء الانفصال عن إسبانيا.

ودعا بيجدمونت الاتحاد الأوروبي إلى الانخراط بشكل مباشر في النزاع بين إقليم كتالونيا والدولة الإسبانية، قائلا "نحن مواطنون أوروبيون ونعاني من انتهاكات لحقوقنا وحرياتنا".

وذكر بيجدمونت أن النتائج ستحال، في الأيام المقبلة، للبرلمان الكتالوني "حتى يتمكن من تنفيذ" قانون الاستفتاء الذي ينص على إعلان الانفصال في ظل سيناريو فوز "نعم".

وشهد يوم الاستفتاء تدخلات قوية لشرطة مكافحة الشغب الإسبانية لمنع مواصلة الاستفتاء، وأعلنت حكومة الإقليم أن أكثر من 800 شخص أصيبوا في مواجهات مع الشرطة، حتى أصبحت المواجهات بمثابة حرب بين الطرفين.

الاستفتاء فشل
في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أن إقليم كتالونيا "فشل" في إجراء استفتاء الانفصال الذي اعتبره غير قانوني، مؤكدا أنه لا يمكن التعبير عن المطالب السياسية عبر القنوات غير القانونية.

وأكد راخوي أن الحكومة أوفت بالتزاماتها، معربا عن أمله بتراجع حكومة كتالونيا عن إعلان انفصالها عن إسبانيا، ودعا الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان إلى اجتماع طارئ لمناقشة أزمة كتالونيا.

واستفتاء إقليم كتالونيا الإسباني للانفصال، يكشف حالة التفكك في الدول الأوربية عكس ما يروج عن وحدة أوربا.

خطر يهدد أوروبا
وأكدت صحف أجنبية، خلال متابعتها لمرحلة الاستفتاء، أن معظم الدول الأوروبية تتصدع من داخلها، وعوامل انقسامها أكبر من عوامل وحدتها، وفي مقدمة هذه الدول بريطانيا (التي قسمت العالم) تعيش التجربة نفسها في إقليم اسكتلندا الذي تسيطر عليه النزعة الانفصالية ويرى الاسكتلنديون أنهم تحت الاحتلال الانجليزي.

وأشارت إلى أن لكل دولة في أوروبا لغة خاصة بها، وتوجد أكثر من لغة داخل الدولة الواحدة في أكثر من بلد، وتتصارع الأرثوذكسية (الشرق) مع الكاثوليكية (وسط جنوب) والبروتستانتية (غرب وشمال غرب)، وتتصادم الأعراق فيما بينها وتسود نزعة الاستعلاء العرقي التي كانت سببا في الحربين العالميتين.

وقالت صحف أجنبية إن أوروبا توحدت ضد المسلمين لكنها مفككة ومتشرذمة وتتآكل من داخلها، والأزمات الاقتصادية ستسرع بعملية التفكيك.

يأتي ذلك في الوقت الذي جرى فيه انفصال كتالونيا بين مؤيد ومعارض لتوجه إقليم كتالونيا للانفصال عن إسبانيا، وتتباين الآراء حول تبعات تلك الخطوة على المستوى الاقتصادي، فبينما يرى البعض فوائد محتملة للانفصال، إلا أن هناك كثيرا ممن يحذرون من أن التبعات السلبية لن تنعكس على إسبانيا وحدها، بل ربما تهدد بانهيار اقتصاد الإقليم ذاته.

أوراق النزاع
وتعد ورقة الاقتصاد من بين أهم أوراق النزاع بين الإقليم وإسبانيا، حيث يرى مؤيدو الانفصال أن اقتصادهم مظلوم في طيات اقتصاد المملكة الإسبانية، حيث يسهم بجزء كبير من الناتج المحلي، بينما لا يستفيد بشكل كافٍ من الاقتصاد العام.

وتقول وزارة الاقتصاد الإسبانية، إنه حال استقل الإقليم فربما سيكون على مدريد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقالت: إن الناتج المحلي للبلاد سينخفض بنسبة تراوح بين 25 و30 في المائة بخلاف تضاعف أرقام البطالة.

وتحتل كتالونيا المرتبة الرابعة لجهة إجمالي الناتج المحلي للفرد بمتوسط 28.6 ألف يورو، خلف كل من مدريد، وإقليم الباسك الشمالي، ونافارا المجاورة. في حين يبلغ متوسط إجمالي الناتج المحلي للفرد في إسبانيا 24 ألف يورو.

كما تحتل كاتالونيا صدارة المناطق الإسبانية في مجال التصدير بفارق شاسع، ففي 2016 وفي الربع الأول من 2017 تم تصدير ربع ما تنتجه إلى الخارج. كما جذبت كاتالونيا 14% من الاستثمارات الأجنبية في إسبانيا في 2015 بفارق كبير عن باقي المناطق الإسبانية، باستثناء العاصمة مدريد التي استقطبت 64% من تلك الاستثمارات، بحسب أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الاقتصاد.

وتتمركز في برشلونة عاصمة كاتالونيا المقار الرئيسية للكثير من الشركات الكبرى كمجموعة «مانجو» للمنسوجات، و«كايشا بنك» ثالث أكبر مصرف في إسبانيا، وشركة الغاز الطبيعي «جاز ناتورال»، وعملاق الطرق السريعة «أبرتيس»، وشركة العطور «بويج» التي تملك «نينا ريتشي» و«باكو رابان» و«جان بول جوتييه».

وحول التبعات السيئة على إسبانيا، أشار موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية إلى أن إسبانيا ستنتقل من المرتبة الخامسة إلى السادسة من الناتج الإجمالي للاتحاد الأوروبي.

ولفت الموقع إلى تصريح وكالة التصنيف «موديز»، الذي قال: إن «الاستقلال من شأنه أن يضعف قوة الاقتصاد الإسباني». وأضاف الموقع: «ستكون البنوك القائمة على الكاتالونية خارج السوق الأوروبية؛ لأن البنك المركزي الأوروبي سيتوقف عن ضخ السيولة التي يحتاج إليها الاقتصاد الناشئ للإقليم. والواقع أن هناك بنوكا أعلنت بالفعل نقل مقراتها خارج كتالونيا لمواصلة العمل في إطار النظام النقدي الأوروبي».

وفي هذا الإطار، أيضا أشارت صحيفة «إيه بي سي» في تقرير لها أمس، تحت عنوان «الكارثة الاقتصادية من انفصال كتالونيا»، إلى توقعاتها أن يقاطع الشعب الإسباني منتجات الإقليم، مذكرة بما تتجاوزه مبيعات الشركات الكاتالونية لباقي إسبانيا (44 مليون دولار)، وما تحققه صادرات الإقليم إلى خارج إسبانيا (60 مليون دولار)، علاوة على انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 30 % على المدى القصير.

انقسام في الإقليم
وحتى داخل الإقليم نفسه، تنقسم آراء المحللين حول التداعيات الاقتصادية التي ستقع على الإقليم حال اختيار كاتالونيا لخيار الاستقلال، فالفريق الأول يرى أن انفصال كاتالونيا لن يساهم في النهوض باقتصاد الإقليم وتحسين أوضاعه، بل على العكس سيكون له تداعيات اقتصادية كارثية، حيث يتوقع هذا الفريق أن يساهم الانفصال في ارتفاع معدلات البطالة وخفض الناتج المحلي للإقليم بنسبة 14.2 في المائة، كما يتوقع أن تنخفض معدلات التجارة بين الإقليم وإسبانيا، آخذا في الاعتبار أن 35.5 في المائة من الصادرات الكاتالونية تتجه إلى إسبانيا، وهو ما يجعلها وريدا أساسيا في اقتصاد الإقليم.

وحذّر هذا الفريق من مخاطر هرب رؤوس الأموال وفقدان كتالونيا مقرات عدد كبير من الشركات وانتقالها إلى مدن أخرى في إسبانيا، موضحاً أن شركات كثيرة وضعت للتو خططا بديلة في حالة أدى الاستفتاء إلى الاستقلال إضافة إلى ذلك، فإن إنشاء دولة جديدة سيؤدي بدوره إلى إنفاق مليارات الدولارات على تجهيز البنية التحتية اللازمة وإنشاء هياكل حكومية جديدة ودفع رواتب العاملين، فضلا عن تكاليف اعتماد عملة جديدة، وكل ذلك سيتم بالتزامن مع هرب رؤوس الأموال والاستثمارات؛ الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى تضخم مفرط في الاقتصاد الكتالوني.

ويرى هذا الفريق من المراقبين، أن المعضلة الكبرى هنا تتمثل في الانفصال عن أوروبا والخروج خارج منطقة اليورو وفقدان جميع الميزات التي يمنحها الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يعد ضروريا للإقليم حتى يتمكن من المضي قدما في بناء «الدولة الكاتالونية المستقلة».

وفي هذا السياق، تنبأت صحيفة «الإيكونوميست» الإسبانية، أن تتحول مدينة برشلونة، حال الانفصال عن إسبانيا، إلى جزيرة منعزلة، حيث توقع التقرير أن تنفق الدولة الجديدة مليارات الدولارات على تجهيز البنية التحتية اللازمة ودفع رواتب العاملين، وأن يكون ذلك بالتزامن مع هرب رؤوس الأموال والاستثمارات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تضخم مفرط في الاقتصاد الناشئ.