5 عوامل تشرح الأسباب.. لماذا فشلت تهديدات ترامب هذه المرة في هز الاقتصاد التركي؟

- ‎فيعربي ودولي

مضت تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي إذا شنت تركيا حربا ضد “الأكراد” خلال اليومين الماضيين مرور الكرام دون أن يهتز الاقتصاد التركي كما حدث مع تهديدات ترامب في أغسطس 2018م أي قبل خمسة شهور فقط، فلم تشهد الليرة التركية انهيارا كبيرا وإن تأثرت بشكل طفيف لتصل قيمتها إلى “5,53 للدولار مقابل “5,454” الجمعة الماضية.

وعلى مستوى الأسواق والبورصات فقد انخفضت الأسهم الأوروبية أمس بنسبة 0.6% فقط ليس بسبب تحذير ترامب لتركيا، بل بسبب بيانات ضعيفة عن التجارة الصينية، وقلق المستثمرين بشأن تباطؤ النمو العالمي والأرباح الأضعف من التوقعات.

وبحسب الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام، فإن الأسواق العالمية لم تتجاوب مع تحذير ترامب الجديدة بتدمير الاقتصاد التركي، ولم تشهد بورصات الدول التي لها علاقات اقتصادية وتجارية مع تركيا اضطرابات وتراجعات حادة كما حدث في الصيف الماضي، والتحذير لم يكن له تأثير ملموس على الاقتصاد التركي حتى الآن، على عكس تغريدة أغسطس التي هزت الأسواق وأربكت الاقتصاد التركي والمتعاملين معه.

ترامب يتراجع

وتراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تهديده بإلحاق الأذى بالاقتصاد التركي في حال هاجمت أنقرة الأكراد، وقال في أعقاب اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان مساء الإثنين 14 يناير 2019م إن هناك إمكانية كبيرة لتوسيع التعاون الاقتصادي بين البلدين.

سرد ترامب تفاصيل محادثته الهاتفية مع الرئيس التركي في تغريدات على تويتر قال فيها إن هناك إمكانية كبيرة لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي بين أمريكا وتركيا، مضيفا أنه تحدث مع أردوغان عن التنمية الاقتصادية.

الاتصال الهاتفي بين أردوغان وترامب بحث إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، وأفادت الرئاسة التركية بأن الرئيسين اتفقا على عدم منح أي فرصة “للقوى التي تحاول عرقلة الانسحاب الأميركي”، ورفع العلاقات الاقتصادية بين بلديهما إلى أعلى مستوى.

من جانبه، أعلن البيت الأبيض أن ترامب أبدى رغبته في العمل مع أردوغان لمعالجة الهواجس الأمنية لتركيا شمال سوريا. وقبيل الاتصال، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي مع نظيره في لوكسمبورغ جان أسلبورن: إن ما وصفها بالتهديدات الاقتصادية الأمريكية المرتبطة بوحدات حماية الشعب الكردية لن ترهب تركيا.

وأضاف أن اقتراح ترامب تأسيس منطقة آمنة في سوريا هو فكرة تعود للرئيس التركي الذي طرحها على جميع الدول المعنية بالأزمة السورية منذ بدايتها.

5 عوامل تشرح الأسباب

وفي مقاله “ترامب المجروح وتدمير الاقتصاد التركي” يعزو عبدالسلام أسباب فشل تهديدات ترامب في هز الاقتصاد التركي كما جرى في أغسطس الماضي إلى عدة أسباب:

أول هذه الأسباب أن ترامب اليوم ليس هو ترامب أغسطس، فترامب الصيف الماضي كان يبدو قويا حيث كان يتاجر بقضية القس الأمريكي أندرو برونسون الذي كان محتجزا في تركيا لمدة عامين بتهمة التعاون مع فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني، وترامب كان يخوض وقتها نزاعات عدة مع تركيا حول احتجاز ثلاثة موظفين في السفارة الأمريكية بأنقرة وقضايا تجارية وخلافات بشأن سورية.

ونجح ترامب في خفض أسعار النفط بمعدلات قياسية ليصل سعره إلى حاجز الخمسين دولارا مقابل 86 دولارا في بداية شهر أكتوبر الماضي، ومارس ضغوطا شديدة على السعودية لزيادة إنتاجها النفطي لما يزيد عن 11 مليون برميل يوميا، واتهم منظمة أوبك بالاحتكار والتهديد بمقاضاتها ومقاضاة أعضائها، وترامب فرض حظرا نفطيا واقتصاديا على إيران بعد انسحابه من اتفاقية البرنامج النووي.

وداخليا حقق ترامب في صيف 2018 إنجازات اقتصادية على الأرض من أبرزها الدولار القوي في مواجهة تراجعات في أسعار صرف باقي العملات بما فيها اليوان الصيني والجنيه الإسترليني وعملات الأسواق الناشئة.

وأدت سياساته إلى حدوث ارتفاعات قياسية في أسواق المال في “وول ستريت”، وتراجع في معدل البطالة وزيادة الصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة سواء القادمة من دول الخليج أو من الأسواق الناشئة، كما كان يقود حربا تجارية شرسة ضد شركائه التجاريين خاصة الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، وكانت له اليد الطولى في هذه الحرب التي حققت مكاسب اقتصادية لقطاع الصناعة الأمريكي.

السبب الثاني أنه على المستوى السياسي كان حزب ترامب الجمهوري يسيطر على مجلس النواب، وهو ما كان يعطيه دعما قويا خاصة في التشريعات والسياسات الاقتصادية. أما ترامب يناير 2019 فهو مجروح، مهان، تلاحقه تهم التجسس والعمالة لصالح موسكو، ينفض رجاله من حوله، فقد أقال في فترة لا تتجاوز العامين من حكمه وزراء كثيرين، منهم وزراء الخارجية والعدل والدفاع والداخلية والصحة والخدمات الإنسانية وغيرهم، كما أقال مدير المباحث الفيدرالية والنائب العام وثلاثة مستشارين للأمن القومي وكبير موظفي البيت الأبيض وسفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة.

كما أن ترامب حاليا تطارده تحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر، ويخضع لضغوط شديدة من المشرعين بالكونجرس بسبب موقفه المهين في قضية اغتيال جمال خاشقجي ومساندة ولي العهد السعودي.

وثالث الأسباب أن الديمقراطيين صفعوا ترامب نهاية العام 2018 عندما انتزعوا السيطرة على مجلس النواب من الجمهوريين خلال انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.

ورابع الأسباب أن العالم كان يتابع تصريحات ترامب في منتصف شهر نوفمبر الماضي حينما راح يصف أردوغان بأنه صديق ورجل قوي وذكي، وأن لديه علاقة قوية جدا جدا معه، ما يعني أن ترامب شخصية متذبذبة، فترامب طبعة أغسطس 2018 ليس هو ترامب طبعة يناير 2019.

وخامس الأسباب أن تركيا اليوم ليست تركيا صيف العام الماضي، فقد جرت خلال الأشهر مياه كثيرة لصالح أنقرة في مقدمتها نجاح الحكومة التركية في إعادة الاستقرار لسوق الصرف وقطاعات الاقتصاد، وزيادة إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، وجذب استثمارات ضخمة.