“مجزرة حماة”.. هل تستطيع الثورة خلع الأسد ومحاكمة المجرمين

- ‎فيعربي ودولي

كتب: سيد توكل
يتحدث التاريخ عن نيرون الذي أحرق عاصمته روما قبل أكثر من ألفي عام، ليتمتع بمنظر الحريق، ولا ندري نصيب هذه الحكايات من الخيال أو الواقعية، لكن سيتحدث الناس حتى بعد ألف عام عن سوريا، وأنها مرّت بفترة نظام حكم انعدمت عنده القيم والإنسانية والأخلاق، وتجرد من أي ولاء للشعب أو الوطن أو الأمة، واستطاع حكامها التوغل في دماء شعبها، ومدينة حماة أكبر مثال على ذلك وما زالت تنتظر العدالة.

بالأمس كان القاتل حافظ الأسد، أما اليوم فالقتلة فريق يضم نجل الأسد والروس والإيرانيين والأمريكان ومصر، وفي الثاني من فبراير من كل عام، تعود إلى أذهان السوريين ذكرى المجزرة التي أدخلتهم إلى حجرات الخوف والرعب لمدة 29 عاما، وكان السوريون يتناقلون أحداث تلك المجزرة المروعة، التي صنفتها منظمة العفو الدولية على أنها كبرى مجازر القرن العشرين، بصمت وهمس حتى قامت الثورة السورية.

كان لنظام الأسد طريقته في إحياء ذكرى حماة 2 فبراير 1982، مع بعض الاختلافات الشكلية، فهذه المرة سوريا كلها هي المستهدفة، والابن هو الجاني وليس الأب، وعن مجزرة حلب التي تشبه مجزرة حماة يرى أحد المدونين السوريين أن بشار الأسد "الابن" أراد أن يتحدى الشعب والثوار.

 

يقول أحد النشطاء: "يحاول النظام الابن أن يفعل ما فعله أبوه، فهو يرتكب هذه الجرائم الوحشية لكي ينسى الشعب مجازر أبيه!، وهيهات هيهات أن يترحم الشعب على الأب أو الابن أو العم أو النظام، فالكل سواء في مزبلة التاريخ. هذا القصف المجنون على حمص هو في حد ذاته دليل على تخبط النظام".

وتابع "وأنه يئس من الروغان والتلاعب بالشعوب وبالعالم، وأنه فقد الحل العسكري وأصبح لديه قناعة تامة بأنه لا مفر ولا مخرج من الوضع الذي هو فيه، تائها في الحياة، في الوجود، في النظام السياسي، والشعبي، يدور في دوامة التيه، غير مبصر للنور، فهو في ظلمات فوقها ظلمات، فهذه هي حياته سوداء لا بياض فيها. لقد فقد النظام كل أوراقه، وكل قوته، يهيم في الأرض حيران، يتخبط كالحيوان المذبوح، وهذه العشوائية في القتل والهدم والتدمير اعتراف صريح من النظام بانهيار النظام."

جرائم الأسد

وعلى الرغم من أن هذه المجزرة ما تزال ذكراها المروعة ماثلة في أذهان أهالي المدينة حتى الآن، فإن جرائم الأسد التي يمارسها منذ عام 2011 طغت عليها، وبات السوريون والعالم يشاهدون ما جرى في حماة من خلال المذابح التي عمت سوريا كلها.

وكان للصور المرعبة والفظائع التي ارتُكبت في أثناء تلك المجزرة، الأثر الكبير على السوريين، ما جعلهم يعيشون في خوف دائم من النظام حتى اندلاع الثورة.

وتكاد لا تخلو عائلة في حماة إلا وفيها بين قتيل أو مفقود أو مهاجر جراء تلك المجزرة، هذا بالإضافة إلى غضب النظام على هذه المدينة وأهاليها؛ إذ قام بعد تلك المجزرة بتهميشها والتشديد على أهاليها ومعاملتهم كخونة ومنبوذين.

ويكفيك حتى تتصور هول تلك المجزرة أن تعرف أن أهالي حماة عندما يروون لك قصةً ما، سواء كانت ولادة أو وفاة أو زفافا، أو أيا كانت القصة، فإنهم يقولون إنها وقعت قبل الأحداث أو بعدها بفترة كذا.

المواجهة حتى الموت

صباح الثاني من فبراير عام 1982، شنّ الجيش السوري حملة عسكرية واسعة، ضد ما أسماه عصيان جماعة الإخوان المسلمين في المدينة، واستمرت 27 يوما، ارتكب خلالها مجازر عدة، فقد طوّق المدينة وقصفها بالمدفعية والدبابات والطيران، ومن ثم اجتاحها بريا؛ ليقضي على عشرات الآلاف من المدنيين من أهالي المدينة.

عمر القاضي (أبوزيد)، أحد أبناء مدينة حماة، وأحد الذين قاوموا الهجوم، روى الأحداث وكان عمره آنذاك 16 عاما فقط، يقول: "في منتصف ليل الثاني من فبراير، خرج أئمة المساجد ينادون عبر المآذن للدفاع عن المدينة التي ينوي أن يستبيحها النظام".

يضيف "قاتلْنا النظام أسبوعا كاملا حتى نفاد الذخيرة، كبّدنا النظام خسائر وحاولنا عدم التسبب في قتل المدنيين، لكن النظام ضرب المدينة بالمدفعية والطائرات دون رحمة، يبدو أنه كان يريد أن يجعل حماة عبرة لسوريا كلها".

ويتابع قائلا: "لم أندم على ما فعلت، كنت أجده نظاما مجرما طائفيا، عزم على استباحة المدينة دون رحمة، كان هذا جليا عندما قتل النظام وفد المدينة الذي ذهب للأسد الأب؛ لكي يحل جميع الأمور العالقة معه".

الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك زار المدينة المنكوبة، ودُهش حين قال له أحد ضباط الأسد ضاحكا: لقد "بقي أقل من الذين قتلناهم"، يقول: "في حماة منذ عدة أسابيع، تم قمع الانتفاضة الشعبية بقساوة نادرة في التاريخ الحديث.. لقد غزا (حافظ ورفعت الأسد) المدينة بمثل ما استعاد السوفييت والأمريكيون برلين، ثم أجبروا من بقي من الأحياء على السير في مظاهرة تأييد للنظام".

لا تسقط بالتقادم

حاول العديد من الحقوقيين السوريين المعارضين تقديم طلب لمحاكمة مرتكبي الجريمة الكبرى، لا سيما رفعت الأسد، كما طالبوا المنظمات الحقوقية بتحقيق دولي مستقل في أحداث حماة، ومعاقبة المسئولين عن المجزرة التي تعتبر الأكثر عنفا ودموية وقسوة في تاريخ سوريا الحديث؛ غير أن أبواب المحاكم كانت تُسد في وجوههم بذرائع عدة.

يرى الدكتور رضوان زيادة، مدير المركز السوري للعدالة الانتقالية، أن "هذه القضايا لا تسقط بالتقادم؛ لأنها جرائم حرب، وقد حاولت المعارضة سابقا محاكمة النظام، لكنها كانت تصطدم برفض الطلب؛ بحجة عدم وجود قرار دولي سياسي بذلك".

ويضيف "المسألة معقدة، مضى عليها نحو 30 عاما، التحقيق فيها سوف يستمر سنوات؛ لحصر المشتبه فيهم والجناة. لكن، طالما هناك من يطالب بالعدالة، فإن أمل تحقيقها يبقى حيا".