كتب: حسين علام

علق الكاتب الصحفي فهمي هويدي على المواطن التركى الذى خرج بسيارته فى منتصف الليل وعرقل بها سير دبابة تابعة للانقلابيين، وآخر تمدد على الأرض أمام عجلات دبابة أخرى ليوقف تقدمها وأولئك الذين تجمعوا حول الدبابات والمدرعات واعتلوها رافعين الأعلام التركية، ومعلنين رفضهم العملية الانقلابية والحشود التى خرجت إلى الشوارع والميادين بثياب النوم وتلك التى تجمعت فى المساجد، لتشكل حالة استنفار شعبى نادر في وجه الانقلابيين وإحباط محاولتهم.

وأشار هويدي -خلال مقاله بصحيفة "الشروق" اليوم الثلاثاء- إلى موقف الأحزاب الرئيسية الذى رفض الانقلاب، وفى المقدمة منها تلك التى عارضت أردوغان وتصارعت مع ممثلى حزب العدالة والتنمية فى البرلمان، مؤكدا أن دلالة ذلك حرص الأحزاب على استمرار العملية الديمقراطية، بسبب خبرة الأتراك المريرة مع انقلابات العسكر وحكمهم.

ونبه هويدي على أنه و منذ أول انقلاب فى عام ١٩٦٠ وخلال الانقلابات الثلاثة التالية (خلال السنوات ١٩٧١ و١٩٨٠ و١٩٩٧، إضافة إلى نصف الانقلاب الذى أطاح بحكومة نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه الإسلامى)، فإنهم أدركوا أن الانقلابات العسكرية لا تدمر السياسة وتفتلها فحسب، لكنها أيضا تضع الدولة على عتبات الاستبداد والفاشية، ممثلا على ذلك بانقلاب عام ١٩٨٠ الذى قاده الجنرال كنعان إيفرين و كانت حصيلته كالتالى: اعتقال ٦٥٠ ألف شخص ــ أصدر أحكاما بالإعدام على ٥١٧ شخصا وتنفيذه فى خمسين منهم ــ فصل ٣٠ ألف شخص من وظائفهم، وتجريد ١٤ ألفا من الجنسية التركية وترحيل ٣٠ ألفا إلى خارج البلاد ــ وفاة المئات تحت التعذيب وتعرض العشرات للاختفاء القسرى ــ حبس عشرات الصحفيين ــ منع أكثر من ٩٠٠ فيلم.

وقال إن أى متابع لتاريخ تركيا الحديث يدرك أن الجيش له مكانته الجليلة فى المجتمع التى تكاد ترفعه إلى مرتبة التقديس. إذ إلى جانب أنه يطلق عليه جيش محمد (عليه الصلاة والسلام) فإن بعض المؤرخين يصفون الدولة العثمانية بأنها كانت «عسكرية جهادية» فى المقام الأول. ثم إن دوره فى إنقاذ الدولة من الهزيمة والانهيار فى الحرب العالمية الأولى رفع عاليا مكانته وعمق من الاعتزاز به لدى الجميع. إلا أن إنجازاته الكبيرة فى الحرب دفاعا عن الوطن ظلت فى كفة وأداؤه فى السياسة وإدارة البلد فى كفة ثانية، مؤكدا إنه يحسب للرئيس رجب طيب أردوغان أنه أخرج الجيش من السياسة وأعاده إلى موقعه الطبيعى لكى يصبح خاضعا لها وليس صانعا لها.

وأكد هويدي أن ما جرى جاء دالا على أن التآمر على تركيا الديمقراطية لم يتوقف. وأن القوى المتربصة بالديمقراطية أو بالهوية الإسلامية للبلد لاتزال كامنة وتتحين الفرصة للانقضاض كلما وجدت ثغرة استطاعت النفاذ منها. ورغم أن توجيه الاتهام إلى فتح الله كولن المقيم فى أمريكا وجماعته التى وصفت بالتنظيم الموازى فإنه لم تتوافر لنا أدلة كافية تقنعنا بحقيقة الأطراف التى وقفت وراء المحاولة. ذلك الانقلاب على نظام قوى فى بلد كبير مثل تركيا يتطلب تخطيطا محكما تشارك فيه أطراف عدة فى الداخل والخارج، وإلا تحول إلى مغامرة طائشة وحماقة كبرى.

وأضاف أن موقف الأوروبيين من المحاولة الانقلابية كان واضحا فيه منذ وقت مبكر الانحياز إلى الديمقراطية، أما الموقف الأمريكى فقد كان متراخيا ومراوغا فى البداية ولكنه انحاز إلى جانب الديمقراطية والشرعية فى تركيا حين بدا أن الانقلاب لم يسيطر تماما على السلطة فى أنقرة.

Facebook Comments