كتبت: سماح إبراهيم
"هذا قَىء.. أتقيأ بقلمي على الورق.. أتقيأ ما بعقلى كى لا أُجنُّ.. الظلم قبيح! لا أفهمُه ولا أستوعبُه.. ولا أدرى كيف يعيش أصحابه.. إن كنتَ تشعُر بالاشمئزاز أو تأنف فلا تقرأ.." بهذه الحروف يصف الشاب المعتقل عبد الرحمن، الطالب بهندسة الـGUC، والذي ألقي القبض عليه عشوائيا مع والده يوم السادس من أكتوبر 2013, وصدر بحقه حكم قضائي و62 آخرين بالسجن المشدد 15 عاما، وهي معاناة جيل نصفه قابع خلف قضبان السجن السياسي.

وقال عبد الرحمن، في رسالة مسربة حصلت عليها "بوابة الحرية والعدالة"، اليوم السبت: "سأجنُّ حقا، عاجلا أو أجلا.. عقلي يعجزُ عن الفَهم، ويتعطلُ المنطق، ويعتصرُ القلبُ ألما حقيقيا تشعر به فى صدرِك مع كلِ دقة، حتى تتمنى أن يكفَّ عن الدق من حِدَّة الألم وقسوته، فاعلم أنك أخيرا قد جُنِنت".

وأضاف "أنا لا أكتب لك، أنا أكتب فى محاولة أخيرة لكي لا أجنُّ.. وأتتبع بقايا عقلى المُنفجر وأجمع أشلاءه".

وتساءل: "أسحقتَ صُرصُورًا من قبل؟ أتذكُرُ الشعور وهو يُسحَق تحت أقدامك؟.. أتذكُرُ تلك الحركة الأخيرة بعدما تدهَسه.. ثم تضغط بقدمك مُحَركًا إياها يمينا ويسارًا، مُنهيًا كل أمل وفرصة له فى الحياة؟.. فعلت ذلك كثيرًا فى حياتى، وأحفظ الشعور تمامًا.. لكنِّى الآن ولأول مرة لا أكون من يدهس.. أنا الصُرصور!!.

وتابع "أنا فى تلك المرحلة الأخيرة.. لا أمل.. لا محاولة.. فقط استسلام.. وعظامى تُسحَق تحت حذاء الظلم، وهو يلتف يُمنة ويُسرة، أنهي حياتى بلمستِهِ الأخيرة.. لم أتخيَّل أن أمضى ليلا طويلا أبكى وأرتجف.. أن أجلس أيامًا وحيدًا لا أنطق أبدا.. أن أعيش داخل ظلامى أو يعيش ظلامى داخلى.. فلا تستطيع أن تفصل أحدنا عن الآخر! أن أنكسر وأُذَل وأشعر بالقهر اللعين".

ويسترسل "القهر شعور صعب.. لا أتمنى لأحد أن يشعر به.. القهر يجعلك كائنًا مثيرًا للشفقة، فعندما ترثى لحال نفسك وما وصلت إليه، تصبح بحق مثيرًا للشفقة! يا رب أتوسل إليك أن تجعلنى أفهم.. لأنى إن لم أفهم فلا آمن على عقلي أو ما بقِىَ منه.. ما هذه الإنسانيَّة اللًعينة؟! أكرهُها وأمقتها وأحتقرها.. ما هذه الإنسانيَّة التى تفعل بى ما لم يفعله حيوانٌ بحيوان قط؟ ما هذه الإنسانيَّة التى تُغلق أفواهها وتُغمِى عيونها أمام هذا الفجور الصارخ؟، بل وترضَى أن تعيش وتسمح لأصحابها أن يضحكوا ملء شدقهم، ويمرحوا راقصين على جُثث أمثالي من الصَّراصير.. غير عابئين بصُراخهم.. فلا يفيقوا إلا على هذا الظلم وهو يدهسهُم ويُمعِن فى سحقهم!!".

واختتم: "أحيانا تتعجب كيف يمضى الزمن.. لماذا لم يتوقف وينتظر؟ كيف تركنى مُشوها هكذا ومضى غير مُكترِث؟ ألا قيمة لى إلى هذا الحد؟ تعبت..تعبت.. أريد الخروج.. أريد الخروج من هذا القبر قبل أن أفقد كلَّ ما تبقَّى من أى شىء جيد داخلى…
لا أريد دقائق زائدة خارج الزنزانة..
لا أريد قدر أصبع زائد لأسند ظهرى على الأرض وأنا نائم..
لا أريد أن أفرد قدمى..
لا أريد أن أُهان وأُسب..
لا أريد بضعة دقائق زائدة مع أهلى..
أُريد الخروج!
حيَّا أو ميتا.. أريد الخروج!!
لا أحتمل أكثر من هذا.. لا أحتمل!
انطَفَــأت".

وقد تزامنت تلك الصرخات مع صوت أنثى بمعتقل الأبعادية تدعى "أسماء حمدى"، الطالبة بالفرقة الثالثة بكلية طب الأسنان جامعة الأزهر، والمعروفة إعلاميا باسم "أسماء مصر"، والتي تم اعتقالها يوم 24 من ديسمبر عام 2013، من حرم جامعة الأزهر بنات بمدينة نصر.

وفي رسالة لها قالت: "شُغلت جهادا للنأي عن وُحُولة أكثر الأماكن مواتا.. وعناقا لروحي الهائمة في البرزخ وشرنقة تحميني من أعتى أعداء المعتقلين.. الجنون أو السقوط".
 

Facebook Comments