استغاثة طالب معتقل: أخرجوني من هذا القبر

- ‎فيحريات

كتب: أسامة حمدان

 

في رسالة كتبها بحبر الألم على ورق القهر، أمس السبت، قال الطالب المعتقل عبدالرحمن الجندي: "أريد الخروج من هذا القبر قبل أن أفقد كلَّ ماتبقَّى من أي شيء جيد داخلي".

 

وأرسل "الجندي" طالب في هندسة الـ GUC ، استغاثته بعدما اعتقلته ميلشيات الانقلاب العسكري مع والده في6 أكتوبر 2013، وتم الحكم عليهما بالسجن لمدة 15 عاما و تم رفض النقض المقدم على هذا الحكم.

 

ويشكو "الجندي" فيها قمع العسكر وما آل إليه حاله داخل السجن، ويطالب فيها بإخراجه منه حيا أو ميتا، حيث قال "هذا قَىء.. أتقيأ بقلمي على الورق.. أتقيأ ما بعقلى كى لا أُجنّ..لكنّى سأجنّ حقًا، عاجلاً أو أجلًا..لأنَّه عندما يعجزُ العقلُ عن الفَهم، و يتعطلُ المنطق، و يعتصرُ القلبُ.. ألماً حقيقيا تشعر به فى صدرِك مع كلِ دقة، حتى تتمنى أن يكفَّ عن الدق من حِدَّة الألم و قسوتُه، ف أعلم انك أخيراً قد جُنِنت..".

 

وتابع: "هذا قَئ.. فإن كنتَ تشعُر بالإشمئزاز أو تأنفُ فلا تقرأ..ف أنا و لأول مرة لا أكترث إن قرأت أم لم تقرأ، فأنا لا أكتب لك، انا أكتب فى محاولة اخيرة ألا أجنّ.. و أتتبع بقايا عقلى المُنفجر و أجمع اشلائه..".

 

ويضيف:"أسحقتَ صُرصُورًا من قبل؟ أتذكُرُ الشعور و هو يُسحَق تحت أقدامك؟ أتذكُرُ تلك الحركة الأخيرة بعدما تدهَسُه؟ ثم تضغط بقدمك بشبه مُحَرِكًا اياها يمينٌا ويسارًا، مُنهيًا كل امل و فرصة له فى الحياة؟ فعلت ذلك كثيرًا فى حياتى، و أحفظ الشعور تمامًا..لكنِّى الأن و لأول مرة لا أكون من يدهس..أنا الصُرصٌور!!".

 

وتابع:" وأنا فى تلك المرحلة الاخيرة.. لا أمل.. لا محاولة.. فقط استسلام.. و عظامى تُسحَق تحت حذاءِ الظلم و هو يلتف يُمنًه و يُسرًه، مُنهِيًا حياتى بلمستِهِ الاخيرة..الظلم قبيح! لا أفهمُه و لا أستوعبُه.. و لا أدرى كيف يعيش أصحابه..لم أحاول أن أفهمه يومًا فهو غير منطقى أساسًا، لكنِّى فى أبعد شطحاتى لم أتخيل أن يصل لهذا الحد!لم أتخيَّل أن أمضى ليلاً طويلاً أبكى و أرتجف..".

 

وأضاف:"أن أجلس أيامًا وحيدًا لا أنطق ببنتِ شفه..أن أعيش داخل ظلامى أو يعيش ظلامى داخلى.. فلا تستطيع ان تفصل أحدنا عن الآخر! أن أنكسر و أُذَل و أشعر بالقهر اللعين..القهر شعور صعب.. لا أتمنى لأحد أن يشعُرُه..

القهر يجعلك كائنًا مثيرًا للشفقة، فعندما ترثى لحال نفسك وما وصلت اليه، تصبح بحق مثيرًا للشفقة!".

 

وتساءل "الجندي" :"ماذا فعلت؟ ماذا جنيتُ لأستحق هذا؟ لمَ أُدمَر و تُدمَر اسرتى بدون أدنى أو اتفه ذنب؟ يا ربُّ أنا لا أفهم يا ربُّ أتوسل إليك أن تجعلنى أفهم.. لإنى إن لم أفهم فلا آمن على عقلي أو ما بقِىَ منه..ما هذه الإنسانيَّة اللًعينة؟!أكرهُها و أمقُتها و أحتقِرُها..".

 

وتابع:" ما هذه الإنسانيَّة التى تفعل بى ما لم يفعله حيوانٌ بحيوان قط؟ ما هذه الإنسانيَّة التى تُغلِق أفواهها و تُغَمِى عيونها أمام هذا الفجور الصارخ؟ بل و ترضَى أن تعيش و تسمح لأصحابها أن يضحكوا ملءَ شدقهم و يمرحوا راقصين على جُثث أمثالي من الصَّراصير.. غير عابئين بصُراخهم.. فلا يفيقوا إلا على هذا الظلم و هو يدهسُهُم همُ الاخرين و يُمعِن فى سحقهم!!".

 

وقال الجندي:" أحياناً تتعجب كيف يمضى الزمن..لماذا لم يتوقف و ينتظر؟ كيف تركنى مُشوهاً هكذا و مضى غير مُكترِث؟ ألا قيمه لى لهذا الحد؟ تعَبت.. تعَبت..أريد الخروج..أريد الخروج من هذا القبر قبل أن افقد كلَّ ماتبقَّى من أى شىء جيد داخلى..قبل أن أكره كلًّ شىء و كلَّ شخص..حتَّى أكره نفسى..تعَبتُ من انحطاط آمالي و طموحاتى..

تعبتُ من خفضِهم لسقف تطلُعاتى يومًا بعد يوم تدريجيًّا حتى صار وبدون أن الاحظ "تحت قدمىّ"..".

 

وختم رسالته بالقول :"لا أريد دقائق زائدة خارج الزنزانة..لا أريد قدر أصبع زائد لأسند ظهرى على الأرض و أنا نائم..لا أريد أن أفرِد قدمى..لا أريد الَّا أُهان و أُسب..لا أريد بضعة دقائق زائدة مع أهلى..أُريد الخروج! حيَّاً أو ميِّتاً.. أريد الخروج!!لا أحتمل أكثر من هذا.. لا أحتمل! انطَفَــأت".