أصدرت مجموعة حوض النيل ، التي تضم 15 أستاذًا وخبيرًا وسفيرًا بجامعة القاهرة، عدة توصيات بشأن التعامل مع أزمة سد النهضة وذلك خلال اجتماع تم مساء الثلاثاء، لبحث الأزمة بعد انسحاب المكتب الهولندي من تنفيذ الدراسات الفنية.
وأكدت المجموعة أنّ مسار المباحثات الفنية الحالي عبثي لن ينتهي بأي حلول مرضية للجانب المصري، وحذرت من سياسيات إثيوبيا التي تراهن على الوقت لتحويل السد إلى أمر واقع، وحذرت من التداعيات التي وصفتها بالكارثية مائيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا وسياسيًا على مصر.
وأصدرت المجموعة «تقدير موقف لأزمة سد النهضة » يرى أن الحل سياسي وليس فني ويطالب بوقف مسار المفاوضات ومحاولة التوصل إلى حلول سياسية مع الجانب الإثيوبي فإن رفضت فتوصي المجموعة بضرورة توجه مصر إلى مجلس الأمن والتحكيم الدولي الذي أكدت أنه لن يحل الأزمة ولكنه فقط ربما يحافظ على حقوق مصر المائية.
وجاء نص تقرير المجموعة على النحو التالي:
مجموعة حوض النيل
«تقدير موقف أزمة سد النهضة »
15 سبتمبر 2015
مخاطر وتداعيات سد النهضة
سد النهضة مبالغ في حجمه وارتفاعه، كما أن كفاءته في توليد الكهرباء متدنية ولا تبرر هذا الحجم، وإيراداته المالية من بيع الكهرباء قد لا تغطى تكاليفه.
الهدف من سد النهضة سياسي وليس تنمويا، حيث يهدف إلى التحكم في مياه النيل، ممّا يؤثر سلبا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية في مصر، وبما يحد قدرتها الشاملة ومن دورها الإقليمي، والتحكم في مياه النيل سيتعاظم مع تنفيذ أثيوبيا لمخطط السدود الأخرى على النيل الأزرق وعلى نهري السوباط وعطبرة.
الملء الأول للمياه أمام سد النهضة سوف يكون خصما من إيراد النهر الوارد إلى البلاد، وسوف تضطر مصر معه إلى تفريغ بحيرة ناصر(المخزون الاستراتيجي للبلاد) تدريجيا لتعويض نقصا لإيراد، ممّا يقلل من دور السد العالي في تأمين حصة مصر المائية وإنتاجه الكهربائي.
لا توجد فرصة حقيقية لإعادة ملء السد العالي مرة ثانية، وسيكون امتلاؤه جزئيا فقط أثناء سنوات الفيضانات العالية، وسيتعرض السد للتفريغ أثناء دورات الجفاف، أي أنّ أضرار سد النهضة ليست فقط أثناء سنوات الملء الأول ولكنّها ستكون دائمة.
الآثار المباشرة لنقص الحصة المائية الناتج عن سد النهضة تتمثل في بوار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وانخفاض منسوب المياه الجوفية، وزيادة تداخل مياه البحر في الدلتا وتملح أراضيها، وانكشاف العديد من مآخذ محطات مياه الشرب والمصانع الواقعة على نهر النيل وفرعيه، وزيادة تلوث مياه النهر والترع والمصارف والبحيرات الشمالية وتهديد الثروة السمكية.
الترشيد والتحلية غير كافيين لاستيعاب عجز الحصة المائية الناتج عن سد النهضة، لأنّ تطوير وتحديث منظومة الري في الدلتا والوادي سوف يوفر جزءا من مياه الري العذبة وهى ذاتها التي نستغلها حاليا من خلال إعادة الاستخدام وضخ المياه الجوفية في الوادي والدلتا. أمّا التحلية فهي مكلّفة ماديا وغير اقتصادية للاستخدامات الزراعية، وتصلح فقط لإمدادات المياه للمدن الساحلية والتي يعانى معظمها حاليا من عجز في مياه الشرب.
التداعيات الأخرى لسد النهضة تتمثل في تشجيع بقية دول حوض على تنفيذ مشاريع السدود الكبرى والمتوسطة، وقيام أثيوبيا بإنشاء بقية سدودها، وانضمام جنوب السودان إلى اتفاقية عنتيبي وتنفيذ مشاريع استقطاب فواقد النهر بتمويل ودعم دولي لبيع المياه لمصر، وتوسع السودان في الزراعات على مياه النيل الأزرق خصما من حصة مصر المائية، وليس مستبعدًا انضمام السودان لاتفاقية عنتيبي وتنصلها من اتفاقية 1959.
تحظى إثيوبيا بدعم من بعض القوى الدولية والإقليمية، وذلك لأسباب متباينة، وساعد على ذلك قصور الأداء المصري في تناول هذا الملف.
تطور مباحثات سد النهضة
بدأت المباحثات بتشكيل لجنة ثلاثية دولية لتقييم الدراسات الأثيوبية للسد، وانتهت اللجنة بتقرير نهائي في 31 مايو 2013، أي بعد حوالي عامين من تاريخ الموافقة على تشكيلها، وأوصت في تقريرها بإعادة واستكمال الدراسات الإنشائية والهيدرولوجية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية.
توقفت اجتماعات اللجنة الثلاثية بعد المؤتمر الإعلامي للرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي ونخبته السياسية، واستؤنفت مرة ثانية عقب ثورة يونيو بهدف التوصل لآلية لاستكمال الدراسات، ولكنّها توقفت مرة ثانية في يناير 2014 بسبب عدم موافقة أثيوبيا على المطلب المصري بضرورة وجود خبراء دوليين ضمن اللجنة المشرفة على الدراسات لضمان الحيادية، وأصرت أثيوبيا على حصر اللجنة على الوطنيين فقط.
وجاء بيان مالابو في يونيو 2014، واجتمعت اللجنة الثلاثية بعده في أغسطس 2014 وتنازلت مصر عن شرط إشراك خبراء دوليين في اللجنة وتنازلت أيضا عن إجراء الدراسات الإنشائية للسد، واتفقت اللجنة على خارطة طريق لإنجاز الدراسات الهيدرولوجية والاقتصادية والاجتماعية في ستة أشهر تنتهي في أول مارس 2015.
لم يحدث أي تقدم في اجتماعات اللجنة بعد ذلك وحتى انتهى الوقت المحدد لخارطة الطريق، فجاء إعلان المبادئ في 23 مارس 2015 لدفع المسار الفني.والإعلان تضمّن اعترافنا بالسد ولم يتعرض لسعته التخزينية، ونص على حق إثيوبيا في استخدام مياه السد في توليد الكهرباء والأغراض التنموية الأخرى، بينما تجاهل الإعلان جميع الاتفاقيات التاريخية السابقة ومبدأ الإخطار المسبق.
يزعم البعض أن البند الخاص من إعلان المبادئ والذي يحدد فترة 15 شهرًا للانتهاء من الدراسات والتوافق حول سنوات التخزين وسياسات التشغيل انّما هو لصالح مصر لتجنب المماطلات الأثيوبية، وهذا غير صحيح لأنّ هذا البند لم يحدد موعدا لبدء الدراسات وهو لب المشكلة الحالية.
تم الاتفاق على إسناد الدراسات إلى شركتين فرنسية بنسبة 70% من الأعمال وهولندية بنسبة 30%، بالرغم من أنّ الشركة الهولندية ذات خبرات أكبر وأعرق في مجال الدراسات المطلوبة. ولم تتقدم الشركتان بعرضهما المشترك حتى الآن، بل وجاء في الإعلام انسحاب الشركة الهولندية من الدراسات.
بدائل الخروج من مأزق انسحاب الشركة الهولندية تتراوح بين تحقيق ما تطالب به إثيوبيا من إسناد الدراسات للشركة الفرنسية والتي تعمل في العديد من المشاريع الإثيوبية مما سوف يؤثر على حيادية النتائج لصالح الجانب الإثيوبي. وقد سبق أن رفضت مصر هذا الطرح أثناء الاجتماعات وإذا تراجع الموقف المصري ووافق على هذا الطرح سيكون تفريطا في المصالح المصرية. وبديل أخر هو إعادة طرح الدراسات لمكاتب استشارية دولية، مما قد يستغرق عاما أخر من الإجراءات الإدارية مع احتمال عدم تقدم أي مكاتب استشارية نتيجة لاختلافات الدول وعدم وجود خبراء دوليين لتوفيق الآراء أثناء إجراء الدراسات. وهذا البديل سوف يتيح لإثيوبيا استكمال السد قبل البدء في الدراسات.
وبفرض أنّه تم التعاقد مع شركة استشارية، فهناك عقبات كثيرة لن تسمح باكتمال الدراسات منها أن الجانب المصري يرى أنّ الشروط المرجعية للدراسات تشمل تقييم عدة سيناريوهات لسعة سد النهضة، وأثيوبيا لا تقبل بدراسة سعة أو أبعاد السد. وليس هناك اتفاق بين الدول الثلاثة على تفسير تعريف الضرر ذو الشأن الذي ورد في إعلان المبادئ، وليس هناك اتفاق حول مرجعية هذا الضرر حيث لا تقّر أثيوبيا بحصتي مصر والسودان ولم تتفق الدول الثلاثة على كمية الاستخدامات العادلة والمنصفة للمياه لكل منهم واللازمة لتحديد مقدار الضرر، وأي نقص في إيراد النهر سوف تعتبره مصر ضررا بينما تعتبره أثيوبيا استخدام عادل ومنصف لها.
الخلاصة أنّ مسار المباحثات الفنية الحالي لن ينتهي بأي حلول مرضية للجانب المصري، وأنّ الجانب الإثيوبي مع مرور الوقت سوف يفعل ما يريد من تنفيذ وتخزين وتشغيل، وأنّ التبعات ستكون كارثية مائيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وسياسيا على مصر.
رؤية حول بدائل التحرك المستقبلي
مما سبق أعلاه يتضح أن مسار المباحثات الحالي لاستكمال دراسات سد النهضة قد وصل إلى نهايته واستنفذ كل أغراضه ومن ثم فانه يجب التحول إلى مبادرة سياسية جديدة يقودها «السيسي» بطلب عقد قمة ثلاثية لتصويب المسار والتفاوض السياسي حول تجنب أضرار السد على مصر. وفي هذا السياق نقترح أن تتضمن المبادرة مطالبة إثيوبيا بوقف إنشاءات السد بعد الانتهاء من مرحلته الأولى. وتكليف الخبراء الدوليين أعضاء اللجنة الثلاثية الدولية الذين وافقت عليهم الدول الثلاثة من قبل عام 2012 لاستكمال الدراسات الهيدرولوجية والبيئية والإنشائية للسد. ويتم عرض نتائج الدراسات على وزراء الخارجية والريفي الدول الثلاثة للتوافق حول النتائج والتوصيات والتوصل إلى اتفاق نهائي لحل هذه الأزمة. وإذا قبلت أثيوبيا هذا المقترح فمن الممكن التحرك أيضا لإحياء تجمع النيل الشرقي للتعاون في مشاريع استقطاب فواقد النهر وزيادة إيراده وبما يسمح لأثيوبيا تنفيذ بعض سدودها بدون التأثير السلبى على دولتي المصب.
إذا لم تجد هذه المبادرة القبول أو التفاعل المناسب لدى أثيوبيا فعلى مصر المطالبة بوساطة دولية أو إقليمية للتوصل إلى حل مناسب للأزمة. فان فشلت جهود الوساطة فعلى مصر أن تطالب أثيوبيا بالذهاب إلى التحكيم الدولى، فان أصرت أثيوبيا على التعنّت فعلى مصر أن تعلن حينها أن كل جهودها للوصول إلى تفاهمات وحلول توافقية مع أثيوبيا قد فشلت وتعلن من جانبها وقف المشاركة في المباحثات الثلاثية. وعلى مصر تكثيف تحركها الدبلوماسي على المستويين الإقليمي والدولي لشرح وجهة نظر مصر، واللجوء إلى مجلس الأمن لما تمثله هذه الأزمة من تهديد للسلم والأمن الإقليميين وعرض أسانيد مصر القانونية والسياسية والفنية. والذهاب إلى مجلس الأمن قد لا يؤدي إلى إيقاف أثيوبيا مخطط السدود الأثيوبية، ولكنّه سوف يحفظ حق مصر في اتخاذ ما تراه مناسبا وفي الوقت المناسب للحفاظ على حقوقها المائية.
يشار إلى أنه حضر من أعضاء مجموعة حوض النيل كل من الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري الأسبق، والدكتور السيد فليفل، أستاذ التاريخ بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، والدكتور محمد شوقي، أستاذ القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وهانئ رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، والدكتور هشام بخيت، أستاذ مساعد الموارد المائية بكلية الهندسة جامعة القاهرة، والدكتور عباس شراقي، أستاذ مساعد بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، والدكتور محمد سلمان طايع، أستاذ مساعد علوم سياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
فيما حضر الاجتماع من خارج مجموعة حوض النيل كل من السفير الدكتور مصطفى الفقي، والدكتور أشرف عرفات، رئيس قسم القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة القاهرة، والدكتور حسام فهمي، نائب رئيس المركز القومي لبحوث المياه، وزارة الموارد المائية والري.