أحمدي البنهاوي
قال الباحث الحقوقي عزت غنيم: إن فلسفة "النظام" الانقلابي من قانون الجمعيات الأهلية، الذي تم إقراره في 28 نوفمبر الماضي، تقوم على الاحتواء أو الاختراق من الدولة للمجتمع المدني.
وأكد غنيم- في دراسة ناقدة للقانون بعنوان "قانون الجمعيات الأهلية وفلسفة النظام"- أنه من "المنتظر طبقا لهذا التصور هو قوانين أخرى مقيدة لكل عناصر العمل المدني في مصر".
وأضاف "بعد قوانين الإرهاب والتظاهر والجمعيات، ننتظر تعديلات لقوانين الإعلام والنقابات والأحزاب وكل ما يتعلق بالمجتمع المدني في مصر"، مؤكدا أنه سيتم غلق العمل العام بشكل كامل، ووضع تصور لإغلاق وعي المواطنين، وتحديد مسارات تلقي المواطن للمعلومات من اتجاه واحد ألا وهو "النظام".
مخالفات دستورية
وفي دراسته، كشف الحقوقي عزت غنيم عن أن القانون المكون من 89 مادة به العديد من الملاحظات، أول 3 مخالفات دستورية واضحة؛ فالمواد (2), (7), (8), (9) من القانون الجديد خالفت برأيه بشكل كامل المادة 75 من الدستور، التي تنص على: "حق تكوين الجمعيات بالإخطار، وأن يكون للجمعية الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، ولا يجوز للجهة الإدارية حلها أو التدخل في شأنها إلا بحكم قضائي", فالمواد المذكورة خالفت هذا النص بوضع شروط لهذا الإخطار، وهي شروط تعجيزية بحسب الدراسة.
كما تخالف المادة 44 من القانون نصا دستوريا في مادته الخامسة، على أنه "يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور".
وتبين المادة (44) من القانون أنه "وللجهة الإدارية بقرار يصدر منها إيقاف النشاط المخالف مؤقتا لحين صدور حكم المحكمة، رغم أنه في الشق الأول من نص المادة قال إن "المحكمة تفصل في الدعاوى المقامة في الأحوال المنصوص عليها في المادتين 42، و43 من هذا القانون على وجه السرعة، دون العرض على هيئة مفوضي الدولة".
ويخالف القانون المادة (93) من الدستور، والتي تنص على "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة".
كوارث لا ملاحظات
وكشف عزت غنيم عن أن القانون فرض شروطا معقدة غير ديمقراطية في إجراءات الإشهار والتسجيل، وأنه بذلك شريك في تأميم العمل الأهلي بشكل كامل، وأتاح التدخل الحكومي في إدارة المؤسسات الأهلية بالتوجيه والرقابة والإشراف، كما قيد حق اللجوء للقضاء بموافقة الجهة الإدارية، ووضع العمل الأهلي والمدني تحت الرقابة الأمنية، وقيد مجالات النشاط وأنماط العمل الأهلي، فضلا عن التناقض بين نصوص القانون بعضها ببعض، والإسراف في العقوبة، والتوسع في العقوبات السالبة للحرية.
الاختراق والاحتواء
وقال الباحث الحقوقي: إن العلاقة بين السلطة والمجتمع المدني تأخذ أحد أشكال ثلاثة: (التعاون والتنسيق– ثم التنافس أو الصدام– ثم الاحتواء أو الاختراق من الدولة للمجتمع المدني).
واعتبر أن الصورة الثالثة والأخيرة هي الأقرب للعلاقة بين النظام والمجتمع المدني في الأنظمة الديكتاتورية، وخاصة الدول العربية, فتعتمد السلطة على بناء ما يوصف بقشرة اجتماعية بديلة تحلها محل المجتمع المدني، وتوكل لها تمثيل المجتمع المدني الذي يسعى النظام إلى تغييبه, وتصنع مجتمعا بديلا ليكون انعكاسا لظل النظام.
خطورة القانون
وانطلقت الدراسة من اعتراض كبير من الحوقيين في مصر، وإصدار 16 منظمة بيانا رفضت فيه القانون، وقال الحقوقي ناصر أمين، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: إن "قانون الجمعيات الأهلية الجديد لم يُعرض على المجلس"، مضيفًا أن رؤية الحكومة هي السيطرة على مؤسسات المجتمع المدني، "نحن نريد قانونًا يحرر عمل الجمعيات الأهلية"، متابعًا أن الحكومة المصرية تريد التدخل في كل تفاصيل قانون مؤسسات المجتمع المدني.
ستار التأميم
ومررت غالبية ائتلاف "دعم مصر" في برلمان العسكر القانون ودافعت عنه، باعتباره يوقف التمويل المجهول لمنظمات المجتمع المدني، وذلك رغم وجود مناقشات ومسودات للقانون الجديد لدى الحكومة، لكن القانون الذي جرت الموافقة عليه قدمه رئيس لجنة التضامن، عبد الهادي القصبي، وهو ما وصفه حقوقيون بمحاولة الحكومة التهرب من مسئولية القانون أمام المنظمات الدولية، وبالتالي لجأت لتقديمه عبر أحد نواب البرلمان.
ويرى حقوقيون أن القانون الجديد يقضي على المنظمات ويحوّل إدارتها للحكومة والأجهزة الأمنية، وذلك وفق بيان المنظمات الحقوقية.
وأكد البيان أن مشروع "البرلمان" يقمع الجمعيات الأهلية وفكرة التطوع والمبادرات الجماعية، ما سيتسبب بمذبحة للجمعيات الأهلية العاملة في مجال التنمية والخدمات الاجتماعية، إذ سيتعين عليها بموجبه إعادة توفيق أوضاعهم وفقا لنصوصه التي تتضمن شروطا فضفاضة للتسجيل.
فلسفة قانون الجمعيات – دراسة للباحث عزت غنيم