..المانجو والمشمش نموذجا

كتب: جميل نظمي

في الوقت الذي كان يستهزئ إعلام الفلول -آنذاك- من تصريحات الرئيس المنتخب محمد مرسي، باهتمامه بتوفير الدعم اللازم للفلاحين، من أجل توفير الغذاء للشعب المصري، مشيرا في إحدى لقاءاته الاعلامية إلى أن "كيلو المانجو بـ4 جنيهات"، والتي حاول الانقلابيون استغلال تلك التصريحات بشكل استهزائي لتحطيم صورة الرئيس أمام شعبه.

لم يكن يتيقن كثيرون إلى حقيقة ما يرنو اليه الرئيس محمد مرسي من خفظ كرامة الفلاح والشعب بتحقيق الاكتفاء الذاي من كافة المحاصيل الغذائية، ومن ثم التصدير لاحقا لتوفير العملات الصعبة، وتوفير مليارات الدولارات التي تستخدم في الاستيراد.

اليوم وبعد ثلاثة سنوات من الانقلاب والدماء والفقر والأمراض التي ضربت الشعب المصري، لا يكاد المواطن يجد "كيلو المانجو أبو 4 جنيهات" بل قفزت الأسعار للتجاوز 15 جنيها، ويتراوح سعر بعض الأنواع القل بين 12 جنيها وأكثر.

وخلال العام الوحيد الذي تولى فيه الرئيس محمد مرسي حكم مصر، انخفضت أسعار معظم الخضروات والفاكهة حتى وصل سعر المانجو إلى ثلاثة جنيهات للكيلو.

وبدلا من أن يقابل هذا التحسن الاقتصادي -وقتئذ- بترحيب الإعلام المصري المعارض للإخوان، أصبح مثارا لسخرية الإعلاميين، الذين تبعهم في ذلك كثير من المصريين، وقللوا من أهمية الأمر.

نار السيسي
وبعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس مرسي، يبدو أن الانقلاب أطاح أيضا بالأسعار الرخيصة، حيث ارتفعت أسعار الخضروات والفاكهة بشكل جنوني خلال الأيام الأخيرة، وبنسب تراوحت بين 50% و 100%، لتضيف هما جديدا على كاهل المصريين المثقل بما يكفي من أشكال المعاناة.

وسجلت أسعار الخضروات خلال الأيام الأخيرة ارتفاعا كبيرا، حيث بلغ الطماطم 10 جنيهات وبلغ سعر الفاصوليا 18 جنيها.

وتذكر كثيرون وعود السيسي بتوفير عربات للشباب لبيع الخضار في المدن والقرى، وقالوا إنه لم يفِ بأي وعد قطعه على نفسه بما فيها هذا المشروع البسيط.

وبدلا من تقديم يد العون للمصريين الذين يعاني أغلبهم من الفقر والعوز، انتقد المسئولون سلوك المصريين، واتهموهم بالإسراف وشراء كميات من الخضروات أكثر من احتياجاتهم الحقيقية، بعكس ما يفعله المواطنون في الغرب.. مطالبين بمقاطعة السلع الغالية والبحث عن البدائل الأرخص.

لدرجة أن يطالب رئيس جهاز حماية المستهلك المواطنين بـ"شراء الصلصة بدلا من الطماطم، وأكل البطاطس الأرخص بدلا من البامية، والانتظار حتى تنخفض الأسعار من تلقاء نفسها".

تدمير المحاصيل
تسبب اهمال الحكومة وعدم تقديم الدعم الزراعي لمزارعي المانجو بمحافظ الإسماعيلية إلى إهدار وترجع انتاجية موسم المانجو هذ العام بنسبة 30%.

ابرز المشكلات بحسب مزاررعون تحدثوا لـ"الحرية والعدالة" في ارتفاع منسوب المياة الجوفية، بصورة أعطبت الأشجار وحالت دون وجود منتج هذا العام.

واشتكى الفلاحون من التغيرات المناخية التى فوجئ بها المزارعون خلال شتاء وصيف العام الحالى، خصوصاً أنها ضربت الحدائق دون تحذيرات تسبقها من محطة الأرصاد الجوية الزراعية، أضف إلى ذلك انتشار الآفات الزراعية بسبب ضعف إشراف وزارة الزراعة على علاجها.

وأهملت وزارة الموارد المائية والرى تنظيف شبكة الصرف المغطى، فضربت المياه الأرض كلها.

إهدار المخصصات في المكاتب
وطبقاً لموازنة الإدارة المحلية للسنة المالية 2014/ 2015 فإن مصروفات مديرية وزارة الزراعة فى محافظة الإسماعيلية بلغت 111 مليونا و790 ألف جنيه، من إجمالى مصروفات المحافظة التى بلغت مليارا و914 مليونا و986 ألف جنيه.

وحاز بند أجور العاملين فى المديرية على نصيب الأسد حيث بلغ 111 مليونا و158 ألف جنيه، بزيادة مقدارها 10 ملايين و36 ألف جنيه عن موازنة 2013/2014، منها 49 مليونا و313 ألف جنيه فى بند المكافآت، و19 مليونا و861 ألف مزايا نقدية.

ومن اوجه العوار التي تسبلم يخطرنا أحد من محطة الأرصاد الجوية الزراعية، كنا سنقاوم ارتفاع درجات الحرارت في ازمة المانجو، وغيرها من المحاصيل، أن وزارة الزراعة لم تدرب الفلاحين على التعامل مع التغيرات المناخية، رغم وجود محطة أرصاد جوية زراعية بالمحافظة، من ضمن عملها وفقاً للائحتها «إعطاء قراءات لحرارة الهواء والرطوبة والتنبؤ بموجات الصقيع، بالإضافة إلى جدولة الرى عن طريق قراءات البخار اليومى التراكمى بمعلومية الماء الميسر لكل محصول، وذلك وفقاً لأجهزة القياس الحرارية»، بحسب الموقع الإلكترونى لمحافظة الإسماعيلية.

كارثة التقشف
وتوقع خبراء استمرار أزمة المانجو وغيرها من المحاصيل ، فحين حاولت الحكومة ضمن سياساتها المستقبلية للتقشف تخفيض ميزانيتها، خفضت ميزانية وزارة الزراعة المخصصة للبحوث والاستثمارات بنسبة بلغت 60% ولم تجرؤ على الاقتراب من بند الأجور الذى يحوز على 99.4% من ميزانية مديرية الزراعة بالمحافظة.

مشمش العمار
وعلى طريقة المانجو، سار موسم محصول المشمش، فلم يعد شهرا يونيو ويوليو عيداً لأهالى قرية «العمار» فى محافظة القليوبية، منذ سنوات ومع بداية الصيف كانت أسر القرية تنتقل بأكملها إلى حدائق المشمش التى كانت مركزاً لإنتاجه فى الماضى، يجمع الصغار المحصول ويشرف عليهم أمهاتهم وآباؤهم الذين يتولون مهمة تغليفه فى كراتين قبل أن يوزع إلى باقى المحافظات، لكن الأجيال الجديدة لم تر هذا الآن، وتحولت معظم الاراضي لزراعات بديلة بسبب اهمال الحكومة وتدهور محطات الصرف الزراعي وغلاء المبيدات والأدوية.

ويذكر أحد الخبراء الزراعيين، أن شجرة المشمش تعيش فى مرحلة فصام من أكتوبر إلى فبراير دون أن تحتاج إلى رى، ويتسع الفدان الواحد إلى 80 شجرة، ويمكن للشجرة الواحدة أن تنتج 600 كيلو من المشمش فى الموسم الواحد، لكن ذلك تلاشى مع مشاكل الرى، والآفات الزراعية التى ضربت المحصول.

كما أن الصرف المغطى أيضاً صار إحدى المصائب التى ضربت الأراضى، ارتفعت المياه الجوفية عن الحد الأدنى لها بعد انسداد شبكات الصرف المغطى التى لم تقترب منها يد الصيانة منذ سنوات.

وبعد ذلك بدأت الآفات تضرب الأشجار، منها «سوسة القلف» التى لم يجدوا لها علاجا عند وزارة الزراعة أو معهد البحوث الزراعية، لذلك اتجه أغلب الأهالى لزراعة الذرة والقمح.

وازدادت مشاكل الفلاحين مع المشمش فى ظل نقص الأدوية والمبيدات، ويقول مزارعون في تصريحات صحفية،  «أصبحنا لا نذهب إلى الجمعيات الزراعية بسبب تأكدنا من عدم وجود المبيدات التى نحتاجها، من يستطيع تحمل نفقات السوق السوداء يذهب ويشترى، ومن لا يستطيع يردم أرضه ويبنى عليها بيتاً».

بل صارت قرية العمار منجماً لمكامير الفحم، فعلى الطريق الزراعى ترص أخشاب الأشجار المقلوعة بأشكال هرمية، ويتطاير بجانبها أدخنة من بين أطنان الفحم، على ما تبقى من أراض مزروعة لم تطلها المبانى الأسمنتية.

Facebook Comments