قال الكاتب الصحفي وائل قنديل: إن العالم ينشغل بنذر الجحيم التي تقترب من الشرق الأوسط، إلا مصر، فهي الوحيدة المشغولة بحروب الجيل الرابع، والقفا الرابع، لواحد من مذيعي عبد الفتاح السيسي.
وأضاف قنديل -خلال مقاله بصحيفة "العربي الجديد"، اليوم الجمعة- أنه قبل صدور قرار مجلس العمومي البريطاني بالدخول في الحرب الدائرة على المسرح السوري، ملتحقًا بفرنسا التي حجزت مقاعدها في حافلة الجحيم مبكرًا، كانت باريس تعلن عن رغبتها في دخول مساحة جديدة من الجحيم؛ حيث خرج رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، متحدثًا عن تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، معتبرًا أن ليبيا هي الملف الكبير الذي سيحتل الصدارة في الشهور المقبلة، وأن ما يحدث فيها حاليًا يعكس قدرة الإرهاب على التكيف والتأقلم باستمرار، موضحًا أن الكلٌّ يحدد ما يريد قضمه من "كعكة الجحيم" مسبقًا، على نحو بات معه كثيرون يعيدون طرح السؤال الكبير: هل كل ذلك من أجل "الدولة الإسلامية" حقا؟ ومن الذي يمسك في يده" الريموت كونترول"، وينقل "الخطر الداعشي" من منطقة إلى أخرى، وأين جامعة الدولة العربية مما يحدث؟ وأين مِصْر العربية مما يدور؟
وأوضح قنديل أن مِصْر الغائبة، المغيبة، غارقة، حتى كتفيها، في دلالات ومآلات ضرب إعلاميي السيسي، أينما رافقوه في رحلاته، التي صارت مناسبة للإهانة، إذ يفتي واحد من المذيعين، مفاخراً بسلامته مما لحق بزملائه، بأن الموضوع واحد من تجليات "حرب الجيل الرابع"، ذلك الوهم الذي يهذي به نظام عبد الفتاح السيسي، منذ أيام المجلس العسكري، وازدهر أكثر مع عملية السطو على الحكم، قبل أكثر من عامين.
وتابع: "العالم كله مشتبك في حروبٍ بمعناها الواضح والصريح، بينما بؤساء النظام المصري متمسكون بتجارة الأوهام التي أغرقوا بها المجتمع، حتى صدّقوا أنفسهم، فبات التعدي اللفظي والجسدي على براميل البذاءة المتنقلة مع السيسي، في جولاته، استهدافاً للدولة المصرية، ومكانتها العالمية، من خلال إهانتها وخدش كبريائها، بالتعرض لمذيعيها".
وقال قنديل إنه لو دقق هؤلاء المحاربون الظرفاء قليلاً، لتوصلوا إلى أن الإهانة الحقيقية لمصر هي هذا الأداء الدبلوماسي الذي يبني علاقاته الدولية على معايير التربح والتسول، لا مبدأ ثابتًا، هنا، ولا احترام لهوية أو دور أو انتماء، ولعرفوا أن التجسيد الكامل لمعنى الإهانة هو خطابهم الإعلامي المبتذل، والذي يتغير ويتبدل، حسب اتجاه "ريح الأرز".
وأوضح أن الحرب الحقيقية، التي تدور على أرضنا، وتحرق عشبنا، فلا ناقة للقاهرة فيها، ولا جمل، إذ تهتم أكثر بولادة برلمانها المشوّه، وتستغرق في "الحرب على الحريات"، والحرب على الإنسان، والحرب على كل ما تبقى من ملامح لمصر، كما عرفها العالم، وعرفت نفسها، مؤكدا أن هذا الغياب الفادح، تلمسه لدى "جامعة الدول العربية"، كذلك، إذ لم يعد يحسب أحد لها حساباً، أو يتذكرها من الأساس.
وقال قنديل: إن أمريكا كلما أرادت التدخل عسكريًّا في منطقة عربية، توقظ الجامعة العربية من سباتها، كي تقدم الغطاء القومي اللازم لاتخاذ قرار الضرب، كما حدث مع العراق، وفيما بعد لم تكن الجامعة غائبة عن لعب دور "المحلل" في كل المحطات التي قرّرت فيها واشنطن وحلفاؤها القيام بتدخل عسكري، فكانت جامعة نبيل العربي حاضرة، غطاءً شكليًّا، لتدخل "الناتو" في ليبيا 2011، ثم كان آخر تدخل لجامعة العرب في شؤون العرب، حين خرج نبيل العربي في 2014 مرددًّا مفردات عبد الفتاح السيسي وعباراته، عندما كان يخطط للتدخل العسكري في ليبيا، دعمًا لانقلاب خليفة حفتر، وأراد أن يحصل على مظلة عربية لعربدته.
وأكد قنديل: "الآن، سقطت الجامعة العربية، سهوًا، أو عمدًا، من ذاكرة "الناتو" والمجتمع الدولي، كما لم يعد أحد في حاجة لخدمات دولة المقر، لكي يمارس مغامراته في بلادنا؛ حيث تحول حكام مصر إلى شيء أقرب لمجموعة من مهاويس تشجيع فرق كرة القدم، الأجنبية، حد التماهي التام معها، والانسحاق الكامل في الولاء لها، فتجدهم تارةً يرتدون قمصانَ ويرفعون أعلامَ هذا الفريق، أو ذاك، فإذا خسر، نقلوا انتماءهم إلى فريق آخر. العالم كله يلعب، ومصر تتفرّج، أو تشجع بأجر".
Facebook Comments