جعل الله من السَنة أربعة أشهر حرما (المحرم، رجب، ذو القعدة، ذو الحجة) ونهى عن الظلم بارتكاب المحرم فيها فقال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ.. } (التوبة : 36)
وفى الأشهر الحرم تغلَّظ الآثام كما تغلظ فيها الدية عند الإمام الشافعى وغيره.
ومعنى (حرام) أى حرام فيها القتال، والمعصية فيها أشد عقوبة، والطاعة فيها أكثر ثوابا (تفسير الفخر الرازى).
}فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ{ لا تظلموا أنفسكم بإحلال حرمتها التى أرادها الله لتكون فترة أمان وواحة سلام؛ فتخالفوا عن إرادة الله، وفى هذه المخالفة ظلم للأنفس بتعريضها لعذاب الله فى الآخرة، وتعريضها للخوف والقلق فى الأرض، حين تستحيل كلها جحيما حربية، لا هدنة فيها ولا سلام.
وقال قتادة فى قوله: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}: إن الظلم فى الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا، من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء.
ولذلك كانت وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته فى حجة الوداع بالتحذير من انتهاك الحرمات وإراقة الدماء عامة، وفى هذه الأشهر خاصة، فعَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ؛ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَىُّ شَهْرٍ هَذَا» قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ «أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ؟». قُلْنَا بَلَى. قَالَ «فَأَىُّ بَلَدٍ هَذَا». قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟». قُلْنَا بَلَى. قَالَ «فَأَىُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟». قُلْنَا بَلَى. قَالَ « فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ- عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى ضُلاَّلاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ -فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ صَدَقَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ- أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ. مَرَّتَيْنِ» البخارى ومسلم.
وها قد رجعوا بعدك ضلالا، وقد ضرب بعضهم رقاب بعض، بل فجَّروا رءوس شبابهم وحرقوا جرحاهم وقتلاهم بدم بارد يا رسول الله.
فيا قومنا اجعلوا بلادكم بلدا حراما فى هذه الأشهر خاصة وفى السنة كلها عامة فالقتال فى هذه الأشهر كبيرة من الكبائر {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ…} (البقرة : 217 )
وحذر سبحانه وتعالى من انتهاك هذه الأشهر فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ} واختتم الآية بالوعيد بشدة عقابه للمنتهكين للحرمات فقال {… وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة 2 ).
حقوق وآداب
إن للجهاد آدابا يتأدب بها المجاهد فى سبيل الله، وللمقاتَل حقوق واجبة فى ذمة جماعة المجاهدين.
يقول سيد قطب: وفى أول آية من آيات القتال نجد التحديد الحاسم لهدف القتال، والراية التى تُخاض تحتها المعركة فى وضوح وجلاء {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} (البقرة : 190) إنه القتال لله، لا لأى هدف آخر من الأهداف التى عرفتها البشرية فى حروبها الطويلة.
القتال فى سبيل الله لا فى سبيل الأمجاد والاستعلاء فى الأرض، ولا فى سبيل المغانم والمكاسب، ولا فى سبيل الأسواق والخامات؛ ولا فى سبيل تسويد طبقة على طبقة أو جنس على جنس.. إنما القتال لإعلاء كلمة الله فى الأرض، وإقرار منهجه فى الحياة، وحماية المؤمنين به أن يفتنوا عن دينهم، أو أن يجرفهم الضلال والفساد، وما عدا هذه فهى حرب غير مشروعة فى حكم الإسلام، وليس لمن يخوضها أجر عند الله ولا مقام.ا.هـ
فالسلاح فى وجه العدو لا فى وجه أبناء الوطن.
{وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.. وقد حذر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من صور الاعتداء:
ومنها قتل النساء والصبيان، فعن ابْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- قَالَ وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِى بَعْضِ مَغَازِى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والترمذى.
وها هم يقتلون ويعتقلون وينتهكون حرمات النساء المتظاهرات بل الفتيات فى سن الزهور والأطفال الصغار، وما أطفال رابعة ونساؤها عنا ببعيد.
ومنها التشويه وإصابة الوجه: فِى حَدِيثِ ابْنِ حَاتِمٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ». فيا للرحمة المهداة للعالمين إنه يسمى المقتول حتى ولو كان كافرا أخا، أى فى الآدمية فكلنا لآدم ويحرص على كرامته حيا وميتا فلا يُضرب على وجهه.
فما بالنا بمن يتعمدون إصابة المتظاهرين فى رءوسهم ووجوههم لتشويههم.
ومنها الحرق، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى بَعْثٍ فَقَالَ: «إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَناً وَفُلاَناً فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ «إِنِّى أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَناً وَفُلاَناً، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا». أخرجه البخارى وأبو داود والترمذى.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تُعَرِّشُ فَجَاءَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا». وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» قُلْنَا نَحْنُ. قَالَ «إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِى أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ» رواه أبو داود وصححه الألبانى.
فكم من أم وزوجة وأسرة فجعت فى ابنها أو زوجها أو عائلها؟ وكم مليون على مستوى العالم من الشرفاء الذين فجعوا فيمن تفحمت جثثهم بنيران أبناء أوطانهم الذين استحلوا لأنفسهم أن يحرقوا الجرحى أحياءً والقتلى فى مجزرة رابعة والنهضة؟
ومنها التربص والغدر: إن الإسلام يحتال ليمنح غير المسلمين فى المعركة فرصة النجاة فعن الْحَارِثَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِىَّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَرِيَّةٍ فَلَمَّا بَلَغْنَا الْمُغَارَ اسْتَحْثَثْتُ فَرَسِى فَسَبَقْتُ أَصْحَابِى وَتَلَقَّانِى الْحَىُّ بِالرَّنِينِ فَقُلْتُ لَهُمْ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُحْرَزُوا فَقَالُوهَا فَلاَمَنِى أَصْحَابِى وَقَالُوا حَرَمْتَنَا الْغَنِيمَةَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ بِالَّذِى صَنَعْتُ فَدَعَانِى فَحَسَّنَ لِى مَا صَنَعْتُ وَقَالَ «أَمَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ لَكَ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا». قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَنَا نَسِيتُ الثَّوَابَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَمَا إِنِّى سَأَكْتُبُ لَكَ بِالْوَصَاةِ بَعْدِى» قَالَ فَفَعَلَ وَخَتَمَ عَلَيْهِ فَدَفَعَهُ إِلَىَّ وَقَالَ لِى ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَاهُمْ. أبو داود.
وروى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ جُيُوشاً إِلَى الشَّامِ فَخَرَجَ يَمْشِى مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ -وَكَانَ أَمِيرَ رُبْعٍ مِنْ تِلْكَ الأَرْبَاعِ- فَزَعَمُوا أَنَّ يَزِيدَ قَالَ لأَبِى بَكْرٍ إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ إِنِّى أَحْتَسِبُ خُطَاىَ هَذِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْماً زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ وَسَتَجِدُ قَوْماً فَحَصُوا عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ مِنَ الشَّعَرِ فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَإِنِّى مُوصِيكَ بِعَشْرٍ لاَ تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلاَ صَبِيًّا وَلاَ كَبِيراً هَرِماً وَلاَ تَقْطَعَنَّ شَجَراً مُثْمِراً وَلاَ تُخَرِّبَنَّ عَامِراً وَلاَ تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلاَ بَعِيراً إِلاَّ لِمَأْكُلَةٍ وَلاَ تَحْرِقَنَّ نَحْلاً وَلاَ تُفَرِّقَنَّهُ وَلاَ تَغْلُلْ وَلاَ تَجْبُنْ.
أليس الفارق كبيرًا بين هذا وبين من يخدع الناس فيسوقهم رافعين أيديهم فوق رءوسهم ليقنصهم فيتساقطون كالفراش؟ ومن يوهمهم بأن هناك طريقا آمنا وهو فى الحقيقة طريق إلى القبر والهلاك؟
حرمة الدم
لقد تعددت النصوص فى التشديد على انتهاك حرمة الدماء، فهل تتصور أن هدم الكعبة أهون عند الله مما فعل هؤلاء فى فض رابعة والنهضة؟ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرا». رواه ابن ماجة وصححه الألبانى.
بل زوال الدنيا بما فيها من دولها ومدنها وقراها أهون من إراقة دم المسلم بغير حق، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا» النسائى وصححه الألبانى.
فإن كنت تتحمل كل هذا فشارك فى قتل الناس {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء :93 ).
روى البخارى عَنِ ابْنِ عُمَرَ –رضى الله عنهما- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً».
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلاً قَتَلَ رَجُلاً مَتَعَمِّداً قَالَ (جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) قَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ فِى آخِرِ مَا نَزَلَ مَا نَسَخَهَا شَىْءٌ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا نَزَلَ وَحْىٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى قَالَ وَأَنَّى لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلاً مَتَعَمِّداً يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذاً قَاتِلَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِيَسَارِهِ وَآخِذاً رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَماً فِى قُبُلِ الْعَرْشِ يَقُولُ ياَ رَبِّ سَلْ عَبْدَكَ فِيمَ قَتَلَنِى» رواه أحمد وقال أحمد شاكر إسناد صحيح.
وروى البخارى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً».
وإياك أن تقول إنك جندى تنفذ الأوامر، فعن أَبَى سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ وَأَبَى هُرَيْرَةَ يَذْكُرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِى دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِى النَّارِ» رواه الترمذى وقال: حديث غريب وصححه الألبانى فى الجامع الصحيح.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سِتَّةٌ لَعَنْتُهُمْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِىٍّ كَانَ الزَّائِدُ فِى كِتَابِ اللَّهِ وَالْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللَّهِ وَالْمُتَسَلِّطُ بِالْجَبَرُوتِ لِيُعِزَّ بِذَلِكَ مَنْ أَذَلَّ اللَّهُ وَيُذِلَّ مَنْ أَعَزَّ اللَّهُ وَالْمُسْتَحِلُّ لِحَرَمِ اللَّهِ وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِى مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِى» رواه الترمذى والحاكم وقال: صحيح الإسناد ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبى.
فإياك أن تتسلط بسلاحك وقوتك وجبروتك لتأتى بالعزة لغيرك وتُكَب أنت فى النار.
قال أبو بكر-رضى الله عنه- لسلمان الفارسيّ -وقد طلب منه الوصيّة-: يا سلمان، اتّق الله، واعلم أنّه سيكون فتوح فلأعرفنّ ما كان حظّك منها، ما جعلته فى بطنك أو ألقيته على ظهرك واعلم أنّه من صلّى الخمس فإنّه يصبح فى ذمّة الله، ويمسى فى ذمّة الله فلا تقتلنّ أحدا من أهل ذمّة الله فتخفر الله فى ذمّته، فيكبّك الله فى النّار على وجهك (تاريخ الخلفاء الراشدين، للسيوطى).
بل مجرد الإشارة بالحديدة نهى عنها النبى صلى الله عليه وسلم، روى البخارى ومسلم عن أبى هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِى يَدِهِ فَيَقَعُ فِى حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ».
وروى مسلم عن أَبِى هُرَيْرَةَ قال قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ»
وروى البخارى ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِى الدِّمَاءِ».
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِى هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلاَ هِىَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ هِىَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلاً» فإذا كان قتل القطة يدخل النار فما بالك بقتل المتظاهرين السلميين والنساء والأطفال؟!
روى البخارى عَنِ جُنْدَب قَالَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -قَالَ- وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». فَقَالُوا أَوْصِنَا فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَلاَ يَأْكُلَ إِلاَّ طَيِّباً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ».
وعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلاَّ الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ مُتَعَمِّداً أَوِ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرا». النسائى وصححه الألبانى.
وروى البخارى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِى لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ.
فهذه هى أهداف الحرب وآدابها فى الإسلام، وهى تنبثق من التوجيه القرآنى الجليل: {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة 190 ).
وهذه الآيات من سورة البقرة وهذه النصوص النبوية كانت تربى الفئة المؤمنة على أدبيات القتال وحقوق من يقاتلونهم من مشركى قريش الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم، وآذوهم فى دينهم، وفتنوهم فى عقيدتهم.
والفتنة أشد من القتل: يقول صاحب الظلال فى قوله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} (البقرة : 191) إن الفتنة عن الدين اعتداء على أقدس ما فى الحياة الإنسانية، ومن ثم فهى أشد من القتل. أشد من قتل النفس وإزهاق الروح وإعدام الحياة. ويستوى أن تكون هذه الفتنة بالتهديد والأذى الفعلى، أو بإقامة أوضاع فاسدة من شأنها أن تضل الناس وتفسدهم وتبعدهم عن منهج الله، وتزين لهم الكفر به أو الإعراض عنه. ( فى ظلال القرآن ).
فما بالنا بمن يقبِّح الكلام عن تطبيق الشريعة ويبيح تعليم الإلحاد، ويسن تشريعات تبيح المحرمات، ويطلق للفساد العنان ليستشرى فى البلاد ويخرب قلوب العباد، ويحسِّن هذه الأمور للناس بوسائل التوجيه، وإخضاع كل مؤسسات الدولة لخدمة أهدافه.
ولكن {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} (النبأ : 17) موعدا للفصل بين العباد بين الحق والباطل ولرد المظالم ولكشف السرائر ورد الحقوق إلى أهلها.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -أَوْ قَالَ الْعِبَادُ- عُرَاةً غُرْلاً بُهْما» قَالَ قُلْنَا وَمَا بُهْماً؟ قَالَ: «لَيْسَ مَعَهُمْ شَىْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ وَلاَ يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ وَلاَ يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ». قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً قَالَ: «بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ» رواه أحمد وصححه الألبانى.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاَثَةٌ دِيوَانٌ لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئاً وَدِيوَانٌ لاَ يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئاً وَدِيوَانٌ لاَ يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِى لاَ يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِى لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئاً فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ أَوْ صَلاَةٍ تَرَكَهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذَلِكَ وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِى لاَ يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئاً فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً الْقِصَاصُ لاَ مَحَالَةَ» رواه أحمد والحاكم وصححه.
الله الله فى بلادكم وإخوانكم
فيا جند بلادنا من الجيش والداخلية أنتم سلاح الحق وسيف على الباطل بكم يقام الدين وتصان الحقوق وتقدس الحرمات فقُوا أنفسكم من الوقوع فى نار جهنم والوقوع فى دم المسلمين وإياكم أن تكونوا سلاحا للباطل وسيفا على الحق، فيهدم الدين وتضيع الحقوق والحريات وتنتهك الحرمات وتضيع البلاد ويهلك العباد، فإن الله كتب لنا ولكم العزة والتقديس ما دمتم جندا لله قائمين للحق منحازين للضعفاء وأصحاب الحقوق ولتكون كلمة الله هى العليا، وأظنكم تعلمون أنكم لا تقدرون على حرب الله فإن الله بقدسه وجبروته يتولى قيادة الحرب مع المؤمنين والدفاع عنهم: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ* أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (الحـج :38-39).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ… ». البخارى
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ».
Facebook Comments