كتب: أسامة حمدان
عمليات خفية ومتسارعة تتم في قلب العاصمة المصرية العريقة لتنفيذ مخطط يجعل القاهرة أشبه بمستوطنة لا يملك منها المصريون شيئًا.
فالعاصمة التي تتميز بالمباني الأثرية والتاريخية تلاحقها عمليات متسارعة لشراء العقارات من قبل جهات مجهولة، تليها مجموعة مخططة من الحرائق المدبرة التي لاحظها القاسي والداني مثل حريق الغورية والعتبة والأزهر.
وزاد الحديث عن "نظرية المؤامرة" وراء هذه الحرائق، صدور تصريحات من مسئولي محافظة القاهرة بإخلاء هذه المناطق والبنايات من التجار، وتحميلهم مسئولية الحريق، لعدم اتباعهم إجراءات السلامة والحريق المفترض أن تفتش عنها السلطات الرسمية.
حرائق "الحي التجاري" بالقاهرة القديمة وصفها التجار المنكوبون أنها "بفعل فاعل"، ونفوا أن تكون بفعل "ماس كهربائي"، لأن المحال كانت مغلقة ولا يوجد تحميلات على الكهرباء، كما أن محاولة سابقة لحرق نفس المنطقة جرت قبلها بأسبوع في أجازه يوم شرم النسيم، ولكن الخسائر كانت أقل.
"هناك أصابع تدير الأحداث"، هكذا قال أكثر من بائع في المنطقة جلس تندب خسائره التي ألتهمها الحريق، ويسأل عن المستفيد ومن له صالح في إخلاء المنطقة بدعاوي عدم الامان فيها بعد الحريق؟
رجل عجوز جاء يصرخ عندما رأي صحفي ليقول: "أنا من سنة 1948 وأنا هنا، إزاي ماس كهربائي هيولع في العماير دي، وهي أصلا مش جمب بعض، وكل شوية عمارة تولع من فوق لتحت، الحادثة دي مدبرة، هو ربنا مدينا المخ ده ليه؟".
ويلخص ما شاهده قائلا: "السماء كانت تمطر لهبا .. لم يأتِ الحريق من مس كهربائي"!.
بصمات خليجية
افتضح الأمر بعدما اعترف اللواء محمد أيمن عبد التواب، نائب محافظ القاهرة للمنطقتين الشمالية والغربية، في مداخلة هاتفية على فضائية "صدى البلد"، عن "خطة مُعدّة قبل اندلاع الحريق لإخلاء منطقة الرويعي بالعتبة".
وقبل الحريق ترددت بعض الشائعات إن القاهرة القديمة "رهنٌ للبيع" ومحطٌّ لأنظار ممولي الانقلاب من بعض مستثمري الخليج، وبالتحديد الإمارات؛ ومحمد بن زايد الذي مول الانقلاب وأنفق ليحكم ـ على حسب تعبيره ـ فقد أنفق المليارات على السيسي ورجاله في مصر، وحان الوقت ليجني الغنائم، بحسب ما يقول نشطاء علي مواقع التواصل.
وقال سكان وشهود عيان بالعتبة، أن "المنتفع الأول من إخلاء السوق التجاري وترحيل الباعة الجائلين في المنطقة وهو مستثمر خليجي امتلك مؤخرا شركة صيدناوي".
حملة شراء العقارات
وقد انتشرت خلال الفترة الماضية عمليات شراء عقارات منطقة وسط البلد من جانب شركة "الإسماعيلية للاستثمار العقارى" التى تأسست عام 2008، وتقف خلفها شركة تسمى "سماي هيلز" ومقرها بريطانيا، بالإضافة إلى ظهور شركة أخرى تسمى "تطوير"، تسعى لشراء عقارات وسط البلد بشكل مخيف وأعلنت الشركة وقت ذاك أن هدفها تطوير منطقة وسط البلد والمناطق المجاورة لها، وأشارت الشركة إلى قيامها بشراء العقارات القديمة بالمنطقة لتنفيذ مشروعها.
واتضح فيما بعد بأن سميح ساويروس شريك أساس فى شركة الإسماعلية لتنفيذ مخطط لتحويل منطقة وسط البلد لمشروع عملاق تساهم فى تنفيذه شركات أمريكية وإنجليزية بحسب تصريح "ساويرس" فى هذا الوقت للإعلام المصري بأنه شريك فى شركة انجليزية تهتم بشراء عمارات وسط البلد، حسب قوله.
وبالبحث تبين أن شركة "الإسماعلية" استحوذت على 70 عقار فى شوارع "شريف بك وسليمان باشا وطلعت حرب" وتقع جميعها فى نطاق المتحف اليهودي بوسط البلد، مما نتج عنه العديد من علامات الاستفهام والاسئلة التى لم يتم الجواب عليها من جانب شركة الإسماعلية والقائمين عليها، الا أن جميع السماسرة بالمنطقة أكدو أن الشركة تعتمد على دفع مبالغ طائلة لاغراء أصحاب العقارات والمحال التجارية لحثهم على بيعها إلا أن وزارة الآثار اعترضت لوجود عمارات ومبان تراثية، لا يمكن التفريط فيه أو تحويل هيئتها التاريخية إلى هيئة أخرى أكثر حداثة.
وسارع ملاك عقارات وسط البلد لبيعها لشركة الإسماعلية لتلقي عروض مالية كبيرة وبلغ عدد الملاك الذين ذهبوا لشركة الاسماعلية لعرض عقارتهم الواقعة بشوراع طلعت حرب ومحمد فريد و شامبليون وشارع عبد الخالق ثروت لتلبغ نحو 70 مالك حتى الآن.
الذي يثير للدهشة رد فعل محافظة القاهرة على ما يجري فى منطقة وسط البلد حيث التزمت المحافظة بالصمت الرهيب فلم يخرج علينا من وقتها حتي الان مسؤل ينفي أو يصحح أو حتي يؤكد الأخبار المتعلقة على شراء عقارات وسط البلد، ولكن تم تطوير الشوارع وتشييد جراج التحرير فضلاًّ عن ان حي عابدين يقوم حالياً بتطوير المنطقة بأعادة دهانات العقارات وخلع وتركيب أرصفة الشوارع الملاصقة لمنطقة المعبد اليهودي.
تاريخ المخطط
وبدأت الإسماعيلية بداية خافتة في 2008، ولم تتضمن خطتها فقط شراء المباني وتجديدها، بل كذلك دعم الكثير من الفعاليات والأنشطة الثقافية في المنطقة، لجذب جمهور جديد إليها، ولاستعادة مجدها كمركز للحياة الثقافية. لكن مع ثورة 25 يناير توقف نشاط الشركة جراء التوترات السياسية الكبيرة التي أثرت على مناخ الاستثمار وعلقت الكثير من المشاريع.
توقف كذلك ملاك العقارات في وسط البلد عن البيع في تلك الفترة نظراً لانخفاض أسعار العقارات في المنطقة نتيجة أحداث العنف التي تركزت في ميدان التحرير والمناطق المحيطة به.
بعد نكبة 30 يونيو واستيلاء الانقلابي عبدالفتاح السيسي على السلطة، تغير الحال، حيث بدأ تعاون نظام الانقلاب مع شركة الإسماعلية في رؤيتها لمنطقة وسط البلد، إذ بدأت الحكومة بتشريع خطوات تغيير معالم وسط البلد.
حالياً تمتلك شركة الإسماعيلية 20 عقاراً في وسط البلد مساحتها تبلغ 70 ألف متر مربع، أبرزها مبنى سينما راديو الذي يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي. منذ شرائه، تعمل شركة الإسماعيلية على ترميمه بشكل تدريجي وإعادة استخدامه، إذ استضاف على سبيل المثال مسرح برنامج "البرنامج" للمهرج باسم يوسف، كما أن الشركة تفتحه مجاناً لمختلف الفعاليات الثقافية الكبيرة.
مستوطنة أجنبية
يقول الكاتب الصحفي عامر عبد المنعم :"محور مخططات تطوير القاهرة التي وضعتها دوائر غير مصرية هو تفريغ منطقة وسط البلد، وإخلائها من السكان وطرد الحكومة المصرية منها، وبيعها بالكامل للمستثمرين".
ويضيف: "يريدون تأسيس مستوطنة مغلقة للأجانب تتوسع على مراحل، لتشمل معظم أحياء القاهرة شرق النيل، وستسند مسئولية الأمن في هذه المنطقة لشركات الأمن الخاصة التي ستشكل جيوشا من المرتزقة الأجانب ومن الشباب المصري العاطل، تدار بشكل مباشر من تل أبيب ونيقوسيا وباريس ولندن وواشنطن".
ويتوقع عامر أن يتم تشكيل مجلس أعلى لحكم المحمية بشكل مستقل عن سلطة الدولة يضم المستثمرين والشركات التي ستنتقل إليها ملكية العقارات والأراضي في هذه المنطقة، وسيصدر قانون خاص لإدارة هذه المنطقة ذات الطبيعة الخاصة لكونها ستخضع للنفوذ الأجنبي.
Facebook Comments