السفارة الأمريكية بالرياض تدعو السعوديين للتظاهر سلميًّا.. هل هي مصادفة عقب إدانة الكونجرس “بن سلمان”؟

- ‎فيعربي ودولي

“الاحتجاج جزء صحي من الديمقراطيات المنفتحة”، “اكتشفوا كيف يمكن أن تؤدي الاحتجاجات السلمية إلى تغييرات اجتماعية وسياسية إيجابية”، “تشير الأبحاث إلى أنه في الفترة ما بين العام 1900 والعام 2006، كانت الاحتجاجات السلمية الخالية من العنف فعالة بأكثر من ضعف فعالية الاحتجاجات العنيفة”.

كانت هذه رسائل مفاجئة كتبتها السفارة الأمريكية في السعودية، على حسابها الرسمي على موقع تويتر، ودعت السعوديين لمشاهدة فيديو أعدته عن هذه الاحتجاجات كأنها تدعوهم للتظاهر بشكل غير مباشر ضد السلطات للحصول على حقوقهم السياسية!.

الرسالة التي وردت على موقع السفارة الأمريكية في السعودية أثارت تساؤلات، منها: هل تشجِّع السفارة الأمريكية في الرياض الشعب السعودي على الاحتجاجات السلمية للحصول على حقوقه السياسية في ظل حملة القمع الحالية غير المسبوقة التي طالت حتى النساء؟ ولماذا وضعت السفارة هذه الدعوة للتظاهر السلمي وفيديو يوضح فوائده على موقعها وهي تعلم أن الاحتجاجات ممنوعة وتحرّمها هيئة كبار العلماء؟.

ويزيد الأمر غرابة أن الفيلم الأمريكي الذي دعت السفارة السعوديين إلى مشاهدته، يقول في طياته إنه “حتى أعتى الأنظمة وحشية تواجه مشكلة في قمع وإخماد المقاومة لأجل غير محدود”. وتحذر مشاهدي الفيلم من التظاهر بعنف، برغم أنها تعلم أن أي مظاهرة في السعودية أو أي دولة عربية تواجه بعنف من أمن السلطة، ما يدفع المتظاهرين لانتهاج العنف ردًّا على عنف السلطة.

ودفع ما أوردته السفارة على موقعها، العديد من المراقبين والمحللون والصحف مثل “الرأي اليوم” للتساؤل: “ما الذي يَجرِي بالضَّبط بين البَلدين الحَليفَين؟ وما علاقَة هذه الدعوة للتظاهر بقَرار مجلس الشيوخ الجماعي بتَحميلِ الأمير بن سلمان مَسئوليّة اغتِيال خاشقجي ووقف التَّعاون العسكري مع الرياض في حَربِ اليَمن؟.

رسائل للتخلص من “بن سلمان” أم ابتزاز؟

فهل يعني هذا أن الإدارة الأمريكية والكونجرس قررا التخلص من ولي العهد محمد بن سلمان، وعدم القبول بتصعيده لقيادة المملكة ملكًا بعد غياب والده الملك الحالي سلمان، وأنهم أدركوا أن مصالحهم ستتضرر في المملكة والمنطقة لو استمروا في دعم ابن سلمان، فقرروا إرسال رسائل للمسئولين السعوديين بالتخلص من ابن سلمان؟ أم أن رسالة السفارة الأمريكية مجرد رسالة توعية عادية للناطقين بالعربية بكيفية التظاهر والبعد عن العنف لو أرادوا التظاهر؟.

وتطرح تغريدة السفارة الأمريكية تساؤلات عدة من نوعية:

1-     هَل قرَّرت الحُكومة الأمريكيّة تكثيف ضُغوطها على نَظيرَتها السعوديّة، والأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد، لإجراء تَغييراتٍ ما في هَيكليّة الحُكم (استبعاد بن سلمان) بعد قرار مجلس الشيوخ الذي صَدَرَ بالإجماع وحَمَّل الأخير، أي وليّ العهد السعوديّ، المَسئوليّة عَن اغتِيال الصحفي جمال خاشقجي؟

2-     هل هدف الضغوط هو مزيد من ابتزاز الرياض لدفعها للاستجابة لمطالب مالية أمريكية تتعلق بشراء المزيد من صفقات السلاح التي لا تحتاجها السعودية ولكنها تستخدمها كرشوة للأمريكان؟

3-     هل الهدف هو ابتزاز السعوديين سياسيًّا لدعم صفقة القرن بعدما قالت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية، إن فريق السلام التابع للبيت الأبيض برئاسة المستشار الخاص جارد كوشنر، والمبعوث الخاص جيسون غرينبلات، أكمل كتابة الفصل السياسي للخطة ويقوم حاليًا بإكمال الفصل الاقتصادي، ومن ضمن سعي الرياض لمزيد من التطبيع مع إسرائيل، بعدما كشفت “وول ستريت جورنال” أن السعودية أرادت استثمار 100 مليار دولار في شركات إسرائيلية، وأن سعود القحطاني كان اللاعب الأساسي في كل هذا؟

والحقيقة أن تَوقيت هَذهِ التَّغريدة ونَشرِها، في الوقت الذي تتَّسِم فيه العِلاقات السعوديّة الأمريكيّة بالتَّوتُّر يَبْدو لافِتًا، وصُدورها عَن السِّفارة الأمريكيّة في الرياض لا يُمكِن أن يَكون بمَحضِ صُدفَة، وإنّما عَمَلٌ مَقصودٌ رُبّما يَعكِس سِياسة أمريكيّة جَديدة عُنوانها مُحاوَلة تَحريض الجَماهير السعوديّة على التَّحرُّك بشَكلٍ مُكثَّفٍ للضَّغطِ على السُّلطات السعوديّة الحاكِمة لإجراءِ إصلاحاتٍ سياسيّةٍ واجتماعيّةٍ، والإفراجِ عَن المِئات مِن النَّاشِطين السِّياسيّين المُعتَقلين خَلف القُضبان ودُونَ مُحاكَمات، بحسب جريدة “الرأي اليوم”.

والأكثر غرابة هو صمت السلطات السعودية على أي انتقادات أمريكية، وتوجيه الانتقادات فقط لغير الأمريكان، فحين هاجمت أمريكا والكونجرس والصحف الأمريكية جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، هاجمت الرياض قناة الجزيرة وتركيا وجماعة الإخوان والمعارضين، برغم أن من صعّد المطالبات بمحاكمة ابن سلمان هم الأمريكان وصحف أمريكا والكونجرس.

أيضا حين أقدَمت السِّفارة الكنديّة في الرياض على نشر تَغريدةٍ لوزيرة الخارجيّة، تنْتَقِد بشِدَّةٍ انتِهاكات السُّلطات السعوديّة لحُقوق الإنسان، في أغسطس 2018، وتَدعو فيها إلى الإفراج عَن ناشِطات وناشِطين في المُجتمع الدوليّ مُعتَقلين في السُّجون السعوديّة “فَوْرًا”، غضبت الحُكومة السعوديّة، ومنعت السفير الكنديّ مِن العَودة إلى الرياض، واستَدعت السفير السعوديّ في كندا، وأوقَفت كُل أشكال التَّعامُل التِّجاريّ مع كندا، وطَلبَت مِن طُلّابها العَودة فَوْرًا إلى السعوديّة.

ولكن حين أقدمت السفارة الأمريكية في الرياض على نشر هذه التغريدة التي تحض السعوديين على التظاهر ضمنًا وتكسر البروتوكول والأعراف الدبلوماسيّة، لم تحرك السلطات السعودية ساكنا، ولم تحتج.

لا شك أن وضع هذه الرسالة الأمريكية الضمنية على موقع السفارة في الرياض، في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية السعودية توترا، دفع السعودية للرد لأول مرة بعنف على قرار الكونجرس، والتحذير ضمنًا من تضرر مصالح أمريكا، ما يطرح تساؤلات حول عودة التوتر في العلاقات الذي كان سمة عهد الرئيس السابق أوباما، خاصة في ضوء قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي.

ورغم رفض الرئيس دونالد ترامب وقف الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، ورفضه ضمنا معاقبة محمد بن سلمان، فقد بات ترامب الآن محاصرًا بقرار الكونجرس ومضطرًا للسير معه، خاصة أن نواب الكونجرس يدعون إلى فرضِ عقوباتٍ على الرياض على أعلى مستويات الحكومة، بعد ثبوث تورطها في قضية قتل خاشقجي.

ففي أي اتجاه ستسير العلاقات الأمريكية السعودية في ظل هذه التطورات؟ هل يصعد الكونجرس والإدارة ونشهد تراجعا سعوديا وتدخلا من الملك بإعفاء نجله وتعيين نجله الثاني أو تعيين أخيه الأمير أحمد عبد العزيز؟ وماذا لو أصر الملك على الإبقاء على نجله محمد وتحدى واشنطن؟.