قبيل البدء في إجراءات صفقة القرن التي بمقتضاها ستتحرر مناطق الكيان الصهيوني من العنصر العربي، رغم أنها سلطة محتلة للأراضي الفلسطينية، وسيجري نقل الفلسطينيين خارج القدس والضفة الغربية التي يجري التوسع في بناء المستوطنات فيها بصورة متسارعة، تلك الخطوات التي تجري بالتوافق مع الضغوط السعودية والمصرية المتلاحقة على الفلسطينيين والأردن للقبول بمشروع صفقة القرن.
حيث أقرت، يوم الثلاثاء الماضي، لجنة التشريعات الإسرائيلية قانونًا يعرف بـ”قانون الأساس”، بأغلبية 9 ضد 7، وذلك قبل مناقشة القانون بالكنيست الإسرائيلي.
القانون يشدد على الهوية اليهودية للكيان الصهيوني، ويعيد تعريف إسرائيل على أنها وطن للشعب اليهودي.
وقد أثار المشروع جدلًا في الأوساط السياسية الصهيونية بين مؤيد يرى فيه تحصينًا أكبر لإسرائيل، من خلال إعطاء الأولوية للطابع اليهودي للدولة، ومعارض يقول إن القانون هو تنازل للمؤسسة الدينية المتشددة.
وكان من المفترض أن يلقى هذا المشروع معارضة كتلتي المتدينين “الحريديم” لأسباب دينية؛ لأنه عمليًّا يسحب البساط من تحت تمسكهم بما ورد في توراتهم بأن “مملكة إسرائيل” يقيمها المسيح حينما يأتي إلى العالم لأول مرة.
ومن جانب آخر، فإن بعض الكتّاب الصهاينة بدءوا يحذرون حكومتهم من أنها ستجد نفسها أمام حل الدولة الثنائية القومية بالمعنى الاستراتيجي، وهذا الحل ترفضه إسرائيل، مع التأكيد على خطأ مقولة (القومية اليهودية) التي تعاكس التاريخ والواقع والوقائع ومبدأ الأديان، فاليهودية ديانة وليست قومية.
الاستياء من مشروع القانون انسحب أيضًا على من يعرفون بفلسطينيي الداخل، الذين يشكلون أكثر من خمس ما تسمى بدولة إسرائيل، فقد وصفوا القانون بالعنصري، واعتبروه محاولة لتقويض ما تبقى من حقوقهم. القائمة العربية المشتركة قالت إن مشروع القانون عنصري، وهدفه إلغاء علاقة العرب التاريخية والوطنية والثقافية بأرضهم.
ويُعرِّف مشروع القانون ما تسمى “إسرائيل” على أنها وطن قومي لليهود وحسب، وليس لليهود وجميع مواطنيها كما نص عليه إعلان قيام الدولة، ويطالب مشروع القانون المحكمة العليا بإعطاء الأولوية للطابع اليهودي للدولة، وليس لقيم الديمقراطية والمساواة عندما يقع تناقض بينهما، ويعرف مشروع القانون العبرية على أنها لغة البلد، مع إعطاء وضع “خاص” للغة العربية، وهو ما قد يفقدها – كما يقول المنتقدون– وضع اللغة الرسمية الثانية، كما أن مشروع القانون يسمح بإنشاء بلدات تكون حصرًا لليهود.
وزير السياحة الصهيوني، ياريف ليفين، من حزب الليكود، وصف مشروع القانون بخطوة تاريخية لتصحيح ما سماه ثورة دستورية أضرت بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل.
ويأتي مشروع القانون في وقت يشدد فيه الكيان الصهيوني قبضته على القدس الشرقية، مستفيدًا من وجود إدارة أمريكية شديدة التعاطف معه، حيث أقر الكنيست الأسبوع الماضي نصًا عُرف بقانون “الولاء”، يخول لوزارة الداخلية تجريد فلسطيني القدس الشرقية من إقامتهم الإسرائيلية الدائمة، ويمنع المحكمة العليا من نقض قرارات الوزارة.
ويرى مراقبون أن مشروع القانون الإسرائيلي الأخير يفضح زيف الادعاءات الصهيونية، والتي كانت تروجها للغرب، بأنها دولة ديمقراطية، فإسرائيل لا ترى غير مواطنيها اليهود والذين يعيشون داخل الكيان الصهيوني، فهو يعتبر أن هذا الكيان هو فقط لمن هم من أبناء الدين اليهودي، الأمر الذي يشكل ركيزة أساسية للتمييز العنصري.
من الواضح أن هناك تصميمًا إسرائيليًّا على المضي قدمًا لإقرار مشروع هذا القانون العنصري، فالقانون مطروح منذ عام 2014، وكل فترة يخرج من الكنيست، ثم يعود إليه، وليس واضحًا ما إذا كان سيتم طرح هذا القانون لإقراره بالقراءة الأولى على الهيئة العامة للكنيست هذا الأسبوع، إذ إن الكنيست اختتم دورته الشتوية الأربعاء الماضي، وقد سارع الائتلاف الحاكم في الأيام الأخيرة لإنجاز صيغة القانون للقراءة الأولى، على الرغم من الخلافات الدائرة بين أطراف الحكومة حول قضايا أخرى، حيث إن الهدف من هذه السرعة هو تثبيت هذا القانون على مسار التشريع، ليتسنى الاستمرار في تشريعه في الولاية البرلمانية المقبلة، في حال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
الجدير بالذكر أنه ليس هناك دستور للكيان الصهيوني، وإنما مجموعة من القوانين الأساسية التي قد تشكل يومًا ما الدستور المستقبلي للكيان الصهيوني، وهناك عوامل عديدة لعدم وجود دستور للكيان الصهيوني، فبعد نكبة 1948 وظهور إسرائيل على الساحة، كان يجب أن يكون هناك دستور، لكن رئيس الوزراء في ذلك الوقت ديفيد بن غوريون رفض وجود دستور لإسرائيل، والسبب يعود إلى أنه في حالة وجود الدستور، سيضطر لأن يرسم الأملاك، وخاصة ملكية الأرض، ولأن أغلبية الأراضي قبل عام 1948 كانت باسم الفلسطينيين؛ فستعود هذه الأراضي للفلسطينيين في حالة وجود دستور، كما أن الدستور سيؤدي إلى تحديد حدود الكيان الصهيوني، ومن ثم ينتهي حلم أن تكون حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل، بالإضافة إلى أن وضع دستور سيجعل إسرائيل مجبرة بأن تعترف بحقوق الفلسطينيين، والمساواة بينهم دون النظر إلى الدين أو العرق كما هو موجود في قرار التقسيم، ويعتبر بعض المتشددين اليهود أن التوارة هي دستور الكيان الصهيوني.