اعتبر الباحث هيثم غنيم، في دراسة بعنوان “العملية العسكرية ـ سيناء 2018: ممارسات وتداعيات”، أنه مع انطلاق العملية العسكرية الشاملة “سيناء 2018″، كان عام 2018 هو الأسوأ في تاريخ المحافظة منذ عقود طويلة؛ وذلك بسبب الممارسات والعمليات التي تمت هناك خلال العام.
وشهدت الأوضاع في محافظة شمال سيناء مستوى غير مسبوق من تدهور الأحوال المعيشية والخدمات، فضلا عن انهيار أبسط حقوق الإنسان خلال عام 2018، بعد تهجير ما تبقى من سكان مدينة رفح قسريا، باستثناء جزء من جنوب رفح، وصولا لما بعد الحدود العازلة.
كما هدمت قوات الجيش فقط 3,600 بناية في الفترة من 15 يناير 2018 إلى 14 أبريل 2018، وجرّفت مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية في مساحة 12 كم على امتداد الحدود مع غزة، فضلا عن جيوب صغيرة من الهدم لأكثر من 100 بناية شمال مطار العريش، هذا بالإضافة إلى هدم منازل العشرات من المواطنين بشكل غير قانوني بتهمة أن لديهم أقارب مطلوبين أمنيا، مع حصار تام على سيناء.

آثار الحصار
وأوضح “غنيم” أن من آثار الحصار عدم توفر المستلزمات الضرورية للسكان، ونفاد السلع الأساسية وعدم السماح بتدفق السلع الغذائية والمواد الطبية إلى داخل المدن؛ مما أدى إلى ارتفاع الأسعار ووجود نوع من المجاعة في رفح والشيخ زويد التي وصل بسكانها إلى أن يجمعوا الحشائش من الأرض لأكلها. لافتا إلى أن قوات الجيش توسعت في استخدام القصف العشوائي للمناطق السكنية والأراضي الزراعية التي فر منها سكانها، وهذا باستخدام القنابل العنقودية وهو ما وثقته وأدانته منظمة العفو الدولية في بيان لها.
وأشارت الدراسة إلى أن قوات الأمن بمدينة العريش وبشكل غير قانوني هدمت العديد من منازل المواطنين بدعوى أن أحد أفراد الأسرة مطلوب أمنيا، بل وقامت باستهداف نساء تلك الأسر بالاعتقال والتعذيب الممنهج داخل قسم أول العريش.
وأكدت ورقة “غنيم” أن قوات الجيش تعمدت إذلال سكان مناطق شمال شرق سيناء؛ بإغلاق الطرق ومحطات الوقود والتحكم في وصول السلع الأساسية وبكميات ضئيلة، وهو ما دعا “نواب” عن شمال سيناء إلى تقديم مذكرة لوزير الدفاع والإنتاج الحربي، تتضمن عدة طلبات خاصة بأبناء المحافظة.
وكشف عن استمرار سياسة التصفية الجسدية للمواطنين، وكان منها قيام قوات الجيش والشرطة بحكومة الانقلاب بقتل 48 شخصًا، بدعوى أنهم عناصر مسلحة أو تكفيرية، وكانت أبرز الوقائع ما نشرته جريدة “الوطن” يوم 4 يناير عن اعتقال 4 أشخاص بتهمة أنهم مسلحون، ليعلن المتحدث العسكري في نفس اليوم عن اعتقال اثنين مشتبه بهم وتصفية اثنين، وأيضا عن حادثتي تصفية وزارة الداخلية المصرية 14 شخصا بتاريخ 8 و23 يناير، دون الإعلان عن أسمائهم؛ لكي لا يكشف عن حقيقة تعرض هؤلاء للقبض والاختفاء القسري قبل التصفية.
وأضاف أنه في 2018 جوع الجيش المدنيين، وهو ما رصدت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير تناول الأزمة الإنسانية في سيناء، داعية الحكومة إلى توفير الغذاء الكافي لجميع السكان، والسماح الفوري لمنظمات الإغاثة مثل “الهلال الأحمر المصري” بتوفير الموارد لتلبية الاحتياجات الحرجة للسكان المحليين.

الإخفاء واتهامات كيدية
واستمر نهج النظام المصري في اعتقال الأطفال وإخفائهم قسريًّا، ثم بعد ظهورهم يستمر حبسهم لمدد طويلة، مثل الطالب أنس حسام بدوي، وظل لمدة 400 يوم مختفيا قسريا، والطفل مهدي حماد سلمي عليان 14 عاما، والمتهم في القضية رقم 357 جنايات شرق العسكرية لسنة 2016، والذي تعرض للاختفاء القسري عقب اعتقاله من منزله بقرية زراع الخير غرب مدينة العريش بتاريخ 4 مارس 2016.
وقال “غنيم”: إن ما يثبت عشوائية اعتقال الأطفال هو قرار نيابة أمن الدولة العليا بإخلاء سبيل 11 طفلا متهما، في القضية رقم 502 لسنة 2015 المعروفة إعلاميًا بـ”ولاية سيناء”، بضمان محل إقامتهم وبتدابير احترازية، وهذا بعد سابقة اتهامهم بالانتماء لجماعة إرهابية أسست على خلاف القانون، والاعتداء على رجال القوات المسلحة والشرطة، واستهداف المنشآت الحيوية وحيازة أسلحة وذخائر بدون ترخيص.

بيانات المتحدث
وكشفت الدراسة عن تضارب أرقام البيانات العسكرية الخاصة بالعملية الشاملة سيناء 2018، وتحديدا حتى البيان رقم (12)، حيث كان إجمالي من تم توقيفهم (3573) مواطنا، منهم 15 سيدة وفتاة، ولقد رصدنا اختفاء عدد (252) مواطنا ممن تم اعتقالهم من بيانات المتحدث العسكري، حيث أعلن في البيان رقم (12) عن أن اجمالي الموقفين حتى تاريخ البيان هو (2235) مواطنا بدلا من (2487)، وهو الرقم الذي يمكن الحصول عليه بجمع عدد الموقفين الذين نشر عنهم المتحدث العسكري من خلال البيانات العسكرية.
ووفق المتحدث العسكري فإنه قد تم الإفراج عن عدد (1447) مواطنا، وتحويل عدد (547) مواطنا لجهات التحقيق بتهم وأحكام جنائية، واستمرار حبس (241) مواطنًا لفحص موقفهم الأمني، ولم يتطرق المتحدث إلى مصير عدد (252) مواطنًا تم إسقاطهم عمدًا من البيان.
وأضاف أن هناك حالات إطلاق الرصاص على المدنيين بشكل عشوائي، حيث قتل في 16 مارس صالح عبد الحميد صالح الرقيبة، 7 أعوام، وفي 20 مارس قتل عبد الله محمد عامر، 9 أعوام، ومحمد عز الدين صالح العوابدة، 11 عاما، وفي أبريل: إصابة شهيرة منصور مصطفى حسين، بانفجار في العين نتيجة طلق ناري من قبل قوات الجيش.

خراب العمران
وأضافت الدراسة أن عمليات تجريف الأراضي الزراعية في رفح والشيخ زويد والعريش، منها 25 ألف فدان مزروعة بالزيتون، مع الإبقاء على ما يقارب الـ10% من الأراضي بشكل عام، وتجاوز خسائر المزارعين في محافظة شمال سيناء لمبلغ المليار جنيه.
علاوة على تدمير خطوط الكهرباء المغذية لمدن شمال شرق سيناء من قبل طيران الجيش المصري، مما يؤدي إلى انقطاع الكهرباء عن المدنيين ودفعهم لترك منازلهم، أو تدمير منازل المواطنين في وسط سيناء تحت مزاعم استهداف أوكار وتحركات العناصر المسلحة.
إضافة إلى معاناة أهل شمال سيناء، ومنها عدم السماح للعالقين خارج وداخل المحافظة بالدخول والخروج، وخصوصا الحالات التي ليس لها علاج داخل مستشفيات العريش، وعدم السماح لأصحاب عقود العمل بالسفر للخارج من أبناء المحافظة، وارتفاع أسعار المحروقات نتيجة غلق محطات التموين، حيث وصل سعر لتر البنزين في مدينة العريش إلى 35 جنيها، وسعر جركن البنزين فيما بعض مناطق رفح إلى 2000 جنيه.
وتشريد ما يقارب 480 أسرة عامل من عمال محافظة شمال سيناء، وعدم قدرة التجار على دفع إيجارات المحال نتيجة الحصار الاقتصادي، وتوقف حركة البيع والشراء نتيجة الحصار، بالإضافة إلى توقف جميع الورش والمصانع بكافه أشكالها وأنواعها حتى اليدوي، وتوقف حركة الصيد وصناعة المراكب والقوارب والشباك لعدم السماح للصيادين بالصيد، ما أدى ببعض الأسر ببيع قطع من أثاث بيتها، ولعل أشد ما يعبر عن هذه الأزمة ما أعلن عنه من بيع الخبز بالمجان علي بطاقة التموين للحالات الإنسانية من العمال والحرفيين والسائقين والصيادين.
بالإضافة إلى انقطاع المياه بشكل مستمر عن مناطق الشمال، واستمرار قطع شبكات الاتصالات المحمولة في مدينتي الشيخ زويد ورفح، منذ أكثر من عامين، مع وعود من المسئولين كل فترة بقرب إصلاحها.