في ذكرى ميلاده.. كيف دخل السيسي أشهر روايات أحمد خالد توفيق

- ‎فيتقارير

تمر اليوم الإثنين، 10 يونيو، الذكرى السابعة والخمسين على ميلاد “العَرّاب” والكاتب الدكتور “أحمد خالد توفيق“، والذي أحدث موته في أبريل 2018 صدمة بين قرائه ومعجبيه، واحتفل محرك البحث الشهير “جوجل” بذكرى ميلاد الطبيب والروائي المصري الراحل “أحمد خالد توفيق”، المُلقّب بـ “العَرّاب”، والذي ألهم الشباب كيف يقرءون.

في العام 2008، كتب الروائي والأديب العبقري الراحل أحمد خالد توفيق، عراب جيل الثورة في مصر، روايته الأهم في مسيرته الأدبية الطويلة “يوتوبيا”، كانت الرواية حدثا مفاجئا حين صدورها، فأحمد خالد توفيق الذي ذاع صيته بين أوساط الشباب والمراهقين برواياته المحافظة التي تناسب جميع الأعمار، خرج في هذه الرواية عن خطّه الأدبي المعتاد، لتأتي روايته صادمة، لا لمحتواها الاجتماعي والسياسي فقط، بل لامتلائها بروح عبّر بها العراب عن مخاوفه وتشاؤمه العميق من مستقبل الحياة في مصر.

ورأى الكاتب الروائي وقتها أن المجتمع المصري يشهد استقطابا طبقيا واقتصاديا يزداد حدة بمرور الوقت، وفي الرواية التي تدور أحداثها في مستقبل ليس ببعيد عن الآن، تمتد خطوط الاستقطاب في مصر إلى أقصى استقامتها، ليتنبأ بانهيار المدينة المصرية والاجتماع السياسي المصري الحديث، وتجمعت كل خيوط الرواية وتشكل نسيجها بانقلاب 30 يونيو 2013، الذي شطر الدولة المصرية إلى جلادين ومعتقلين.

الكابوس

تقول الناشطة تقول الناشطة “نورا ناجي”: “رعب الكابوس الذي نكتشف أنه ليس كابوسا، بل هى تنبؤات حقيقية ليست بالبعيدة، إنها قراءة متشائمة لمستقبل نسير إليه بخطى ثابتة”. وعن توغل جمهورية العسكر بالانفصال عن جمهورية مصر العربية قالت “نورا”: “من هنا يبدأ التوجس، من هنا يأتي الرعب”.

الرواية الصادرة عام 2008، توقع د.أحمد خالد نهاية مصر فى عام 2023، وتضيف نورا ناجي: “نعم.. الزمان ليس بعيدا جدا، يفصلنا عنه 6 سنوات فقط من الآن، عصابة العسكر يعيشون فى كومباوندات مغلقة عليهم، بعيدا عن الرعاع الذين تعج بهم شوارع مصر، يأكل بعضهم بعضا من الفقر، يلتهمون الكلاب، يسرقون، يزنون. الإعلام يصب أكاذيبه فى آذانهم طيلة النهار، وهناك فى “العاصمة الإدارية” العسكر والأغنياء يرتعون فى الملذات والحياة الرغدة التى لا يمكن تصورها”.

تبدأ يوتوبيا قائد الانقلاب في بناء العاصمة الإدارية الجديدة بأي ثمن، ونقل مؤسسات عصابة العسكر إليها، في سياق رغبته في بناء مدينة في الصحراء لحمايته هو ونظامه من الانقلاب، أو ثورة شعبية تسعى للإطاحة به، ويظهر هذا النمط العمراني الذي تقوم عليه العاصمة الإدارية نموذجا شاذا وفريدا في الآن ذاته، فالعواصم السياسية والاقتصادية وحتى المراكز الحضرية الصناعية والتجارية يتم الترويج لها بموقعها الجغرافي المُتميز وبسهولة الوصول إليها.

أما العاصمة الإدارية الجديدة، مسكونة بهواجس أمنية لا يمكن لناظر إغفالها، فالموقع الذي تم اختياره يقبع في عزلة تامة عن شبكة الطرق التاريخية التي تربط المحافظات المصرية ببعضها البعض، مما يجعلها في مأمن تام من أي احتكاك أو اتصال غير مرغوب فيه مع الجماهير، فالأسوار العالية المُزمَع بناؤها ستكون مرتكزات للتحصين ضد العدوان المسلح.

والشوارع الفسيحة هي الساحة المثالية لآلة البطش وأجهزة منع الشغب وفض التجمهر، “فلن نسمع عن اعتصام أمام مقر رئاسة الوزراء، ولا احتجاج أمام بوابات الوزارات. فحين تنشأ عاصمة جديدة في أرض خلاء بدءا من 2015، فإن الخيال لا يحتاج كثيرا من الإبداع لاستشراف وسائل المراقبة التي ستغطي كل شبر فيها”.

انتوا شعب!

هكذا تكوَّن مجتمعان في مصر كما تنبأ مطرب الانقلاب علي الحجار بعد 30 يونيو 2013، أحدهما يملك كل شيء والآخر لا يملك شيئًا، هذا الآخر هو مصر الحقيقية التي لن تجد الأكل أو السكن أو العلاج، وسيكون المترو وبقاياه من مظاهر الحياة وملصقات شبكات المحمول التي توقفت عن العمل، والكهرباء التي توقفت، وسيكون أفضل ما في مصر عدم وجود كلاب ضالة أو غير ضالة، حيث إن الناس الفقراء- الأغيار كما تعرفهم الرواية- سوف يصطادونها للطعام، وهذا هو أفضل طعام لهم، والكتب سوف تجدها في القمامة فهي أشياء لم تعد تباع.

وتدور رواية “يوتوبيا” التي صدرت عن دار ميريت عام 2008 وتقع في خمسة فصول مقسمة بين “الصياد والفريسة” في المستقبل، مستقبل حدده العراب بعام 2020، في هذا المستقبل تنهار الحكومة نهائيا ويهجر الأثرياء ورجال الأعمال وعلية القوم ونخبتهم وادي النيل كله، ويبنون لأنفسهم مستعمرة في الصحراء، تقع في الساحل الشمالي لمصر على طريق إسكندرية-مطروح، مستعمرة تشبه إلى حد كبير مدن “الكومباوندات” التي توجد حول صحراء القاهرة الآن، وتشبه إلى حد أكبر العاصمة الإدارية الجديدة التي يبنيها جنرال إسرائيل السفيه السيسي في صحراء مصر الشرقية بآلاف المليارات.

ومنذ بداية الرواية يفصح الروائي والأديب العبقري الراحل أحمد خالد توفيق عن حقيقة اللعبة، فيوتوبيا ليست إلا موضعا تخيليا، إلا أنه في الوقت نفسه يتلاعب بالمتضادات، فكلمة يوتوبيا تعني حرفيا “اللامكان”، ورمزيتها التي أوحت بها الكلمة منذ كتاب “الجمهورية” لأفلاطون، ثم مدينة توماس مور، ثم مدينة الشمس لتوماس كامبانيلا، وحتى أطلانطس الجديدة لفرنسيس بيكون، بأنها مدينة الرخاء والسعادة، يتلاعب بها المؤلف ليجعل “يوتوبيا” في روايته مدينة تحقق صورتها.

تلك الرفاهية الكاملة في المظهر وتنظيم الشوارع وتوفر البضائع والمجمعات التجارية الاستهلاكية، مدينة تُمثّل مطلق الحرية والرفاهية، بينما في حقيقتها تقوم على نقيض كل ذلك، تقوم على أبشع الجرائم وأشد الفظاعات، تقوم على أكتاف كبار اللصوص والسفاحين والمجرمين، الذين سيطروا على كل شيء في مصر منذ عقود، ثم انتقلوا هربا من القاهرة العفنة إلى مستعمرات في الصحراء.