من أرطغرل إلى القسطنطينية.. ملة “دار الإفتاء” تقديس السيسي على الولاء لله ورسوله

- ‎فيتقارير

"دار الإفتاء" المصرية مثل غيرها من المؤسسات الدينية الرسمية، سواء الإسلامية التي يمثلها الأزهر ووزارة الأوقاف، أو المسيحية التي تمثلها الكنائس بمختلف مللها، لعبت دورا بارزا في دعم الانقلاب العسكري، ومحاولة تغيير المفاهيم الدينية الراسخة لعموم المصريين، لتشويه مخالفي جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي.

وتراجعت "دار الافتاء" عن مهاجمة الفتح العثماني للقسطنطينية، وقالت: "أكدنا مرارا وتكرارا بالوثائق والمؤشرات والأدلة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يواصل استخدام سلاح الفتاوى لتثبيت استبداده في الداخل باسم الدين وتبرير أطماعه في الخارج باسم الخلافة المزعومة".

وتابعت: "أما ما يتعلق بفتح القسطنطينية فهو فتح إسلامي عظيم بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، وتم على يد السلطان العثماني الصوفي العظيم محمد الفاتح، أما أردوغان فلا صلة له بمحمد الفاتح!".

 

قرار من الطاغية

وناقش برلمان الدم الذي صممته الأجهزة الأمنية للطاغية عبد الفتاح السيسي، في جلسته يوم الأحد 23 فبراير 2020، مشروع قانون دار الإفتاء الذي تقدم به رئيس اللجنة الدينية أسامة العبد و60 نائبا آخرون؛ والذي يستهدف تعيين مفتي الديار المصرية بقرار من الطاغية من بين ثلاثة ترشحهم هيئة كبار العلماء بالأزهر قبل شهرين من خلو المنصب، بدلا من انتخابه بالاقتراع السري المباشر لهيئة كبار العلماء برئاسة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر.

الأهم عند العسكر ألا يأتي على رأس دار الإفتاء شخصية متوازنة تتصف بالعلم والتقوى؛ تقدم الولاء لله ورسوله والإسلام على ولائها للطاغية؛ لذلك يريد العسكر أن يضمنوا أمرين: الأول منح السفيه السيسي سلطة تعيين المفتي  وسحبها من الأزهر وهيئة كبار علمائه في رسالة تهديد واضحة بأن النظام مصمم على تقليص صلاحيات المؤسسة الإسلامية الأكبر في البلاد، كما تمثل رسالة غضب وعدم رضا على أداء المشيخة وهيئة كبار العلماء.

والثاني، مكافأة بعض المقربين من الانقلاب والذين أبدوا- خلال سنوات ما بعد الانقلاب- إذعانا كاملا للسفيه السيسي وأجهزته الأمنية، وتجاوبا مهينا  مع توجهات الانقلاب رغم ظلمه وفساده ووحشيته المفرطة وغير المسبوقة؛ ومن هؤلاء المفتي الحالي شوقي علام، وربما يتم مكافأة مستشار السيسي للأمور الدينية أسامة الأزهري أو غيرهما من عاشقي السلطة والوجاهة وحب النفوذ.

وخلال الفترة الماضية، أبدى مفتي الديار السيسية قدرة هائلة في التلون والنفاق للسلطة وتبرير كل جرائمها وغض الطرف عن مظالمها والحديث بلسانها في المحافل الدولية والمحلية ودعم سياستها الإقليمية.

وحسب الخبراء، فإن الدور الذي لعبته المؤسسات الدينية اختلف من واحدة لأخرى، حيث انفصل الأزهر عن الثلاثي الإسلامي الذي يمثله الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، بينما تخصصت دار الإفتاء في ترسيخ فكرة أن الإخوان والتيارات الإسلامية المؤيدة لهم خوارج العصر، في حين سيطرت وزارة الأوقاف على المساجد والمنابر، التي كانت تعدّ الرافد الأساسي للمصريين لتعليم شؤون دينهم.

ولطالما أثارت الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء جدلا واسعا، لتبدو كأنها تترصد المواقف التركية، وتسيّس نفسها، في ظلّ تاريخ كبير لها في الخلط بين الدين والسياسة، وكان آخرها فتوى وصفت الفتح العثماني للقسطنطينية بالغزو والاحتلال.

واعتبرت دائرة الإفتاء المصرية، في نشرة جديدة لـ"المؤشر العالمي للفتوى" التابع لها، أن "العثمانيين احتلّوا مدينة إسطنبول التركية"، وزعمت أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستخدم حاليا ورقة المساجد لكسب مؤيدين له من "المتشددين" في الانتخابات، على حد وصفها، في موقف أثار استغرابا وغضبا واسعا في العالم العربي.

 

حزنا على حفتر

وأثارت تصريحات "الإفتاء" ردود فعل ساخطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قال مغردون إن الهدف من هذه الاتهامات هو "التشويش على الخسائر الفادحة التي مُنيت بها قوات خليفة حفتر الليبية المدعومة من القاهرة، وعدم نجاح التسوية السياسية التي حاول من خلالها السفيه السيسي، إعادة إشراك حفتر في العملية السياسية في ليبيا بعد هزائمه المتتالية".

ويرى مغردون أن محاولة قلب الحقائق والتلاعب بالمصطلحات لا تنطلي على الشعوب العربية في الوقت الحالي، ذلك أنهم يعتبرون أن دخول العثمانيين إلى القسطنطينية "فتح عظيم" بشّر به النبي محمد، كما يعد واحدا من أبرز المحطات في التاريخ الإسلامي.

من جهته يقول المفكر محمد الشقنيطي: “دار الإفتاء المصرية- التي تحولت إلى دار افتراء سيساوية- تهاجم العثمانيين لتحويلهم كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد منذ قرون، وتنسى مسجد قرطبة الذي حوله الإسبان إلى كنيسة قبل ذلك، وهو أجلُّ وأجملُ من آيا صوفيا، حتى في رواسب حروب العصور الوسطى الدينية التي تجاوزها البشر يأبى الأنذال إلا الانحياز للعدو".

من جهته يرى الباحث المتخصص في التنظيمات الدينية، عبد الله حماد، أن دار الإفتاء ما زالت تخضع لسيطرة مفتيها السابق علي جمعة، الذي رفض مرسي التجديد له، وأصر على إجراء انتخابات يشرف عليها شيخ الأزهر مع هيئة كبار العلماء لاختيار المفتي الجديد، وهي الانتخابات التي جاءت بالدكتور شوقي علام مفتيا لمصر، قبل الانقلاب بأشهر.

ويضيف حماد: "علي جمعة ودار الإفتاء لعبوا دورا كبيرا في شرعنة الانقلاب، وجواز سفك الدماء، وفض الاعتصامات بالقوة، ومنحوا القوات المسلحة كل الفتاوى التي جعلتها دولة فوق الدولة، وكان جمعة هو أول من أطلق مصطلح الخوارج على جماعة الإخوان، حتى قبل أن تصنفها حكومة حازم الببلاوي كمنظمة إرهابية".

ويشير خبير التنظيمات الدينية إلى أن استخدام المؤسسات الدينية لم يقف عند حد تأييد الانقلاب لإزاحة الإخوان وحلفائهم من التيارات الإسلامية الأخرى عن المشهد السياسي والفكري والديني، وإنما الخطورة أن هذه المؤسسات، باستثناء الأزهر، وقفت متفرجة على الحملة التي شنها السيسي وإعلامه ضد القيم والتعاليم الإسلامية بحجة تجديد الخطاب الديني.

ويؤكد حماد أن الأخطر من ذلك هو موافقة دار الإفتاء باعتبارها المؤسسة الدينية المعنية على كل أحكام الإعدامات التي أصدرها قضاة الانقلاب ضد معارضي السيسي، رغم أن معظم هذه القضايا مفبركة وليس عليها أدلة.

 

قيامة أرطغرل

ومع تصاعد الخلاف السيساوي التركي منذ الانقلاب العسكري في مصر صيف 2013؛ لم تدخر وسائل الإعلام العسكرية جهدا في مهاجمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسياساته في المنطقة، ليتحول الأمر تدريجيا إلى مهاجمة كل ما هو تركي، بداية من تاريخ الخلافة العثمانية وليس انتهاء بالدراما التركية.

وما أثار رواد مواقع التواصل بشكل واضح هو حديث دار الإفتاء عن الأعمال الدرامية التركية، التي حظيت بشهرة واسعة في العالم العربي، خاصة مسلسل "قيامة أرطغرل" الذي قال النشطاء إنه يرسخ القيم والأخلاق الإسلامية، وكان على الدار تأييده بدل التحذير منه، معتبرين أن التقرير يستهدف- في الأساس- أردوغان وليس الدراما التركية.

كما سخر البعض من عدم صدور تحذير مماثل تجاه الدراما المصرية، خاصة الرمضانية، التي تروج "للدعارة والمخدرات والانحلال الأخلاقي"، كما تحدث آخرون عن صمت المؤسسة الدينية عن تعذيب المعتقلين في سجون الانقلاب العسكري.