“مودرن دبلوماسي”: هل يمكن للقانون الدولي حل أزمة سد النهضة؟

- ‎فيتقارير
FILE PHOTO: Ethiopia's Grand Renaissance Dam is seen as it undergoes construction work on the river Nile in Guba Woreda, Benishangul Gumuz Region, Ethiopia September 26, 2019. REUTERS/Tiksa Negeri/File Photo

نشر موقع "مودرن دبلوماسي" ورقة بحثية سلط خلالها الضوء على أهمية نهر النيل لمصر، ودور القانون الدولي في التعامل مع أزمة النيل.

وحسب الورقة التي ترجمتها "الحرية والعدالة"، يلعب القانون الدولي دورا مهمًا في حل النزاعات بين الدول على الساحة الدولية. الصراع بين دول حوض النيل هو صراع على شرعية مياه النيل، وفقا للاتفاقيات الموقعة خلال الحقبة الاستعمارية. تعتبر أزمة حوض النيل نزاعا على قانون المياه الدولي في النظام الإقليمي الذي نشأ مؤخرا.

وتعد مصر واحدة من أقدم الحضارات على وجه الأرض، قبل ظهور القانون الدولي وحتى القانون الدولي للمياه (المجرى المائي الدولي)، كان المصريون القدماء يعرفون قيمة مياه نهر النيل لأن حياتهم تعتمد على الزراعة.

 

مصر ونهر النيل

نهر النيل واحد من أهم وأطول الأنهار في إفريقيا والعالم، يقع نهر النيل في شمال شرق إفريقيا، ويتدفق عبر العديد من الدول الإفريقية المختلفة بما في ذلك مصر والسودان وإثيوبيا، إلخ. ووفقا للموسوعة البريطانية، يمتد نهر النيل 6.695 كيلومتر، تقاس من مصادره المتطرفة في هضبة البحيرات الاستوائية (في أبعد نقطة على نهر لوفييرونزا، وهو فرع من نهر روبو في بوروندي) إلى النقطة الأخيرة في مصبه في البحر الأبيض المتوسط.

إلى جانب ذلك، فهو ثاني أكبر حوض في القارة الإفريقية من حيث المساحة، ويأتي بعد حوض نهر الكونغو، الذي تبلغ مساحته حوالي 3.82 مليون كم مربع. بعد استقلال جنوب السودان، تتقاسم مياه نهر النيل إحدى عشرة دولة مشاطئة في إفريقيا: مصر والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإريتريا وكينيا.

ولنهر النيل رافدان رئيسان هما النيل الأبيض والنيل الأزرق. يبدأ النيل الأبيض من بحيرة رقم عند النقطة التي ينتهي فيها بحر الجبل (النهر) ويمتد إلى الخرطوم. وهكذا، فإن النهر بين البحيرة رقم ونقطة التقاء نهر سوبات يتجه من الغرب إلى الشرق، وينضم إلى النهر على هذه المسافة بحر الزراف. ويزود النهر الأبيض فى إثيوبيا حوالى 14 فى المائة من مياه نهر النيل . الروافد الرئيسية الثانية لنهر النيل هي النيل الأزرق الذي يبدأ من بحيرة تانا في إثيوبيا، وإنه على بعد 1840 مترا فوق مستوى سطح البحر ومساحة حوالي 3060 كيلومترا مربعا. ومما لا شك فيه أن النهر الأزرق هو أهم رافد لنهر النيل، وحوالي عُشر القارة الإفريقية التي يغطيها النيل الأزرق، والبلدان المشاطئة التي تمتلك 40 في المائة من سكان القارة الإفريقية.

ونهر النيل له أهمية كبيرة لمصر، وعندما نذكر نهر النيل علينا أن نذكر الحضارة المصرية القديمة، فقد لعب نهر النيل دورا مهما في تشكيل حياة مصر القديمة، من المعروف أن الحضارة المصرية القديمة تطورت على طول ضفاف نهر النيل، واعتمد المصريون القدماء على نهر النيل في الزراعة والري، لذلك لا شك في أن نهر النيل يحتل مكانة مركزية في حياة مصر والمصريين، وكان نهر النيل يعبد كإله في مصر القديمة، وكان المصريون القدماء يمجدون النيل.

أهمية نهر النيل للمصريين هي أنه يمثل المصدر الرئيس للمياه العذبة في مصر، تعتمد مصر بالكامل على نهر النيل في الاستخدامات الزراعية والصناعية والمنزلية، ويوفر أكثر من 96 في المائة من احتياجات مصر السنوية من المياه. إلى جانب ذلك، سيطر نهر النيل سيطرة كاملة على اقتصاديات مصر وحياتها، وعلى الرغم من أن مصر هي المستفيد الأول من مياه النيل، لا يوجد مصدر لنهر النيل في مصر، ومصر هي واحدة من دول المصب. ولذلك فإن أي نقص في كمية المياه الموردة إلى مصر له تأثير مباشر وسلبي على إنتاجها الزراعي والصناعي.

 

سبب نزاع مياه النيل

الصراع على مياه نهر النيل يعود إلى الحقبة الاستعمارية، وكان سبب النزاع خلال فترة ما بعد الاستقلال وحتى عملية التفاوض هو رفض بعض الدول للمعاهدات التي وقعت خلال الحقبة الاستعمارية، مثل إثيوبيا، ولكن بعد التوصل إلى مبدأ الاتفاق على وضع إطار للتعاون، كانت هناك بعض النزاعات بشأن تقاسم مياه النيل، وقاعدة الإخطار المسبق أو التشاور.

وكانت هناك عدة معاهدات تم توقيعها خلال الحقبة الاستعمارية تناولت تخصيص المياه في نهر النيل التي لا تزال تؤثر على المفاوضات المعاصرة بين بلدان حوض النيل، وفي ظل الحكم الاستعماري لبريطانيا، برزت بعض المعاهدات في محاولة لتأمين مصالحها على نهر النيل في مصر: اتفاق عام 1891، واتفاق عام 1929، واتفاق عام 1959.

في عام 1891، وقعت بريطانيا وإيطاليا اتفاقية تحدد مساحة نفوذهما في دول الحوض في شرق أفريقيا إلى ضواحي البحر الأحمر، وحيث إن البند الثالث في الاتفاق ينص على أن إيطاليا لن تقوم ببناء أي أعمال على نهر عطبرة حتى لا تعوق تدفقه إلى النيل، وركزت المادة الرابعة من هذه المعاهدة على حماية مصلحة الرعايا البريطانيين والإيطاليين في شرق أفريقيا والإشراف على ممرات البحر الأحمر أكثر من مراقبة استغلال مياه النيل.

وفي 15 مايو 1902، تم التوقيع على معاهدة في أديس أبابا بين بريطانيا (نيابة عن السودان) والإمبراطورية الإثيوبية لترسيم وتحديد الحدود بين إثيوبيا والسودان، وفي البند الثالث من المعاهدة، تعهد الإمبراطور منليك الثاني بعدم القيام بأي محاولة لبناء مثل هذا الهيكل على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر سوباط، ولضمان استمرارية هذه المعاهدة، نص على وجوب التقيد بالاتفاق من قبل الطرفين وورثتهم ومن يخلفهم على العرش، وينص هذا الاتفاق صراحة على لوائح استغلال مياه النيل الأزرق وبحيرة تانا ونهر سوباط، وضرورة الإخطار المسبق قبل البدء في أي مشاريع بناء من جانب إثيوبيا.

وخلال الحكم الثنائي المصري البريطاني للسودان، وقعت مصر وبريطانيا اتفاقية في عام 1929، وركز الاتفاق على استخدام مياه النيل للري، في حين طلبت مصر في الاتفاق الالتزام بحريتها الكاملة فيما يتعلق بالمفاوضات التي تسبق إبرام اتفاق بشأن السودان، كما نص الاتفاق على أن السودان لن يبني أي سد على نهر النيل وفروعه أو على البحيرات التي ينبع منها النيل، سواء في السودان أو في البلدان الخاضعة للحكم الاستعماري البريطاني، ووافقت بريطانيا على متطلبات مصر وأكدت الاعتراف بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية في استخدام مياه نهر النيل.

بعد حصول مصر على استقلالها ومع نمو عدد السكان وزيادة المشروعات التنموية، أرادت مصر تخزين المياه لاستخدامها في الزراعة والري وتوليد الكهرباء، لذلك بدأت مصر في بناء السد العالي في أسوان، كما بدأ السودان في بناء المشروعات، ونتيجة لذلك، زادت أهمية نهر النيل بين البلدين، ونتيجة لذلك، وقع البلدان اتفاقا في عام 1959.

وفي عام 1993، وقعت مصر وإثيوبيا اتفاقاً، واتفقت إثيوبيا من خلال إطار مع مصر على أن إثيوبيا لن تبني أي هيكل قد يضر بمصالح مصر على نهر النيل ويعوق دخول مياه النيل إلى مصر، ولكن الاتفاق لم يكن ملزما بالقانون الدولي. يمكننا أن نرى أن اتفاقية 1929 واتفاق عام 1959 أكدتا حقوق مصر المائية لنهر النيل.

ونشأ التوتر بين مصر وإثيوبيا حول مياه النيل في منتصف القرن العشرين، لاسيما عندما أعلنت إثيوبيا عن بناء مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير في عام 2011 على رافد النيل الأزرق الذي بدأ في إثيوبيا، الهدف من بناء سد النهضة هو إنشاء واحدة من أكبر محطات الطاقة الكهرومائية في العالم. غير أن بناء السد تسبب في خلاف بين مصر وإثيوبيا. مصر منزعجة لأن مشروع سد النهضة الإثيوبي سيؤثر بشكل مباشر وسلبي على مصالح مصر في نهر النيل.

دور القانون الدولي

قبل دراسة الحقوق القانونية لمصر على نهر النيل، من المهم جدا أن تتحول أولا إلى القانون الدولي وحتى السنوات الأولى من القرن العشرين، لم تكن هناك قواعد لتحديد كيفية استخدام مياه الأنهار الدولية بين البلدان وبدأت العلاقات بين الدول المتعلقة باستخدام مياه النهر الدولية في التعقيد وبدا الصراع بين الدول حول كيفية استخدام مياه النهر، لذا، حدد القانون الدولي بعض القواعد والنظريات من أجل تنظيم العلاقات بين الدول واستخدام المياه المشتركة بينها.

هذه النظرية لا تسمح لدول النهر باستخدام مياه النهر بطريقة تضر بحقوق دول النهر الأخرى. ولكل بلد يمر نهره الدولي في منطقته الحق الكامل في الحفاظ على تدفق مياه النيل في منطقته دون تخفيض نسبة المياه التي تصل إليها. الحدود السياسية لا تفصل النهر عن مصدره إلى مصبه. لذا، عندما تريد أي دولة بناء أي هيكل على النهر أو فروعه، يجب عليها أولاً إبلاغ البلدان التي تشترك في نفس النهر معها.

 

نظرية الموارد الطبيعية المشتركة

تأسست هذه النظرية على مبدأ حسن الجوار وتهدف إلى الاستخدام العادل لمياه الأنهار الدولية بين البلدان المشاطئة. ووفقا للنظريات المذكورة أعلاه، ستقدم مصر عدة مبررات بموجب القانون الدولي لدعم مطالبتها وحماية حقها في نهر النيل. وستجادل مصر بأن الاتفاق بين بريطانيا والإمبراطورية الإثيوبية الذي وقع في عام 1902 أكد أن إثيوبيا توافق على عدم اتخاذ أي إجراء من شأنه الإضرار بمصالح مصر على نهر النيل. كما تمنع المعاهدة إثيوبيا من بناء أي مشاريع من شأنها أن تؤثر على مصر. كما قالت مصر إن اتفاقيات عامي 1929 و1959 بين مصر والسودان، فرضت الاتفاقيات واجبا على دول حوض نهر النيل لاتخاذ إجراءات لمنع إلحاق الضرر بالدول الأخرى التي تتقاسم مياه النيل. ومن الجدير بالذكر أن مصر بدأت بالفعل مفاوضات دبلوماسية لحل النزاع مع إثيوبيا، وأن آخر هذه المفاوضات عقدت في واشنطن.

والغرض من القانون الدولي هو حل المشاكل والمنازعات التي قد تنشأ بين الدول. تعتبر أزمة نهر النيل معضلة كبرى بين دول حوض النيل في القارة الأفريقية. مصر هي واحدة من أقدم الحضارات التي تطورت على طول ضفاف نهر النيل تعتمد على مياه النيل للزراعة والري والصناعة وهلم جرا. وبالتالي، فإن مصر سوف تبرر بموجب القانون الدولي (المجرى المائي الدولي) لتأمين حقها على نهر النيل.

……………………

رابط التقرير:

https://moderndiplomacy.eu/2020/06/10/can-the-international-law-resolve-egypt-nile-river-crisis/