قالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن مصر بلد في أزمة، وإن عشرات الملايين من المصريين يكافحون فقط من أجل وضع الطعام على موائدهم، حيث انخفضت قيمة الجنيه المصري إلى أدنى مستوياتها وارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 20%. وتعزو الصحيفة البريطانية أسباب تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر إلى فشل حكم الجنرالات مؤكدة أن دولة الجيش خذلت المصريين بعدما وعهدهم الجنرال عبدالفتاح السيسي الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري، قبل عشر سنوات بالرفاهية وبناء دولة جديدة، لكنهم اليوم يواجهون أزمة اقتصادية خانقة ولم يعد في بلادهم ما يدعو إلى البهجة.
وتنتهي الصحيفة البريطانية في افتتاحيتها الأربعاء 18 يناير23م، إلى أن مصر غالبًا ما يُفترض أنها "أهم من أن تفشل"، وأن المانحين أو دول الخليج سينقذونها دائمًا، "لكن الواقع هو أن ما يقدر بنحو 60 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، ويزدادون فقرًا، وأن الدولة تخذل مواطنيها بالفعل، وإذا كان حلفاء القاهرة جادين في مساعدتها، فعليهم الضغط على السيسي للوفاء بتعهداته".
3 أسباب وراء الأزمة
وحسب الصحيفة فإن هناك ثلاثة أسباب وراء تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر؛ أولها أن السيسي يتبنى سياسات تفوق قدرة الدولة وإمكاناتها؛ في إشارة إلى تبني السيسي مشروعات بلا جدوى اقتصادية أهدر عليها مئات المليارات من الدولارات دون فائدة؛ وتؤكد الصحيفة أن «مصر بلد في أزمة»، وأنه رغم تضررها كغيرها من بلاد العالم من تداعيات جائحة كورونا وتعرضها لرياح معاكسة سببتها الحرب الروسية في أوكرانيا، إلا انها تلقي باللائمة على "نظام السيسي الاستبدادي» بشكل مباشر؛ لأنه ترأس دولة تعيش بما يتجاوز إمكانياتها". في إشارة إلى السفه على مشروعات بلا أي جدوى اقتصادية وتفوق قدرات الدولة ذاتها.
السبب الثاني حسب ـ فايننشال تايمز ـ وترى أنه جوهر مشاكل مصر، هو الاعتماد المفرط على الأموال الساخنة التي تتدفق إلى ديونها المحلية كمصدر للعملة الأجنبية. ووكشف سحب المستثمرين حوالي 20 مليار دولار من الديون المصرية، في الوقت الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، نقطة الضعف الأولى، رغم أن مصر كانت تدفع أعلى سعر فائدة في العالم لجذب الأموال لشراء أذون الخزانة الداخلية. وحسب الصحيفة فإن السيسي بعدما وضع بلاده على فوهة الأزمة؛ راح يستنجد بصندوق النقد الدولي للمرة الرابعة خلال 6سنوات فقط، لمواجهة هروب الأموال الساخنة التي تمثل نقطة ضعف أولى، وحتى قبل أن يتم تأمين القرض الأخير، البالغ 3 مليارات دولار، في أكتوبرالماضي (22م)، كانت مصر ثاني أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين. ومع دعم الجنيه بشكل مصطنع، اضطرت مصر إلى اللجوء إلى دول الخليج لإنقاذها، ومنذ ذلك الحين، قام البنك المركزي بخفض قيمة الجنيه على مراحل لتحقيق توازن العرض والطلب. واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي على الانتقال إلى سعر صرف مرن (معوًّم)، مع خفض قيمة الجنيه مجددا بنحو الثلث مقابل الدولار، وهو ما بدأ تنفيذه منذ أكتوبر الأول الماضي(22م).
السبب الثالث حسب الصحيفة البريطانية هو التوسع في دور الجيش وهيمنته على الاقتصاد. وهو ما يؤثر تأثيرا سلبيا على القطاع الخاص الذي بات يواجه نقص العملات الأجنبية منذ أكثر عام، ما يمثل "خنقا" لنشاط الشركات. واعتبرت الصحيفة أن هذه نقطة ضعف ظلت كما هي دون معالجة، فدور الجيش في الاقتصاد يمتد حتى محطات البنزين ومصانع المعكرونة والإسمنت والفنادق ووسائل النقل وغيرها، كما يشرف على المئات من مشاريع تطوير البنية التحتية للدولة، بما في ذلك مشاريع تبدو مصممة لإرضاء غرور الحكام أكثر من كونها مجدية اقتصادية، مثل بناء عاصمة إدارية جديدة ومدن في الصحراء. وأدى ذلك إلى مزاحمة القطاع الخاص، الذي بات قلقا من التنافس مع أقوى مؤسسة في الدولة، إضافة إلى إعاقة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، التي كانت كفيلة بتوليد فرص عمل ومصدر أكثر استدامة للعملة الصعبة. ورغم وضوح أثر الجيش في أزمة الاقتصاد المصري، فإن الدول المانحة بصندوق النقد الدولي تغاضت عنه عندما ذهب نظام "السيسي" لأول مرة طالبا قرض إنقاذ مالي بقيمة 12 مليار دولار في عام 2016، ما مثل "التفافا غير مفهوم حول هذه القضية بينما قامت القاهرة بإلغاء النقاش الداخلي بشأنها"، حسب ما أوردته افتتاحية "فايننشال تايمز".
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن صندوق النقد الدولي بدا متأخرا هذه المرة في تلبية طلب مصر للقرض الأخير، بينما تزعم القاهرة أنها ملتزمة بتقليل "بصمة الدولة" في الاقتصاد، بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش، من خلال الانسحاب من القطاعات "غير الاستراتيجية" وبيع بعض الأصول. ويعود الأمر الآن إلى صندوق النقد الدولي والمانحين لاستخدام نفوذهم لضمان وفاء النظام المصري، الذي يقوده الجيش، بالتزاماته، فبعد إجراء بعض الإصلاحات في عام 2016 لتأمين القرض البالغ 12 مليار دولار، واصلت الحكومة توسيع دور الجيش، وفشلت في إجراء التغييرات الجادة التي يحتاجها الاقتصاد.
رابط التقرير
https://www.ft.com/content/d06a05e7-9e00-4a61-a24a-76e9a621f6a9