كشفت وثيقة استخباراتية أمريكية مسربة أن المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي أصدر تعليمات للمسؤولين بإنتاج وشحن الصواريخ وقذائف المدفعية والبارود سرا إلى روسيا.
وبحسب تحليل نشره موقع المركز العربي في واشنطن، ذكرت الوثيقة، التي كانت مؤرخة في 17 فبراير، أن السيسي أمر بإنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ لإرسالها إلى روسيا سرا، وبحسب ما ورد فقد طلب من مرؤوسيه إبقاء العملية طي الكتمان لتجنب أي مشاكل مع الدول الغربية.
وبينما نفت حكومة السيسي بشكل قاطع المعلومات المسربة، لا يزال المسؤولون الأمريكيون حذرين في ردهم، فقد صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، لا يوجد دليل يشير إلى أن سلطات الانقلاب قد تابعت الخطة المزعومة.
ومع ذلك، إذا ثبتت صحة هذا الكشف، فقد يطرح أسئلة خطيرة حول الدوافع وراء قرار السيسي بتزويد روسيا، الخصم الرئيسي للولايات المتحدة، بأسلحة فتاكة، حيث تعد مصر واحدة من أكبر المتلقين للمساعدات العسكرية الأمريكية في العالم، حيث تتلقى 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية سنويا، وكانت حليفا استراتيجيا رئيسيا للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدى العقود الخمسة الماضية.
فك شفرة مناورة السيسي
وأوضح التقرير أن هناك أربعة عوامل رئيسية يمكن أن تفسر مناورة السيسي، أولا، لعب السيسي دورا حاسما في تعزيز العلاقات بين مصر وروسيا على مدى العقد الماضي، ومنذ استيلاءه على السلطة في عام 2014 سعى إلى إقامة علاقة شخصية وثيقة مع بوتين، بلغت ذروتها بتوقيع اتفاقية شراكة شاملة طويلة الأمد بين مصر وروسيا في موسكو في عام 2018 وتغطي هذه الاتفاقية مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك التعاون العسكري والأمني والتجاري والاقتصادي، وتشهد على الشراكة المتنامية باستمرار بين البلدين، لذلك، يبدو أن تزويد روسيا بالأسلحة يعكس عمق العلاقة بين الانقلاب وروسيا.
ثانيا، يمكن اعتبار صفقة الأسلحة مقابل القمح سببا محتملا وراء خطوة السيسي، ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم وأكثر من 70 في المئة من وارداتها من القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا، ومع ذلك، تسبب الصراع المستمر بين البلدين في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما زاد من الضغط على الاقتصاد المصري المتعثر، الذي يعاني بالفعل من ارتفاع قياسي في الديون الخارجية، وللتخفيف من ذلك، يمكن لحكومة السيسي بيع الأسلحة إلى روسيا مقابل القمح، مما يوفر مليارات الدولارات من العملات الأجنبية التي يمكن استخدامها لسداد الديون الخارجية للبلاد.
ثالثا، تمول روسيا العديد من المشاريع الكبيرة في مصر، بما في ذلك إنشاء محطة للطاقة النووية بتكلفة 28.5 مليار دولار، بتمويل من قرض بقيمة 25 مليار دولار من روسيا، بالإضافة إلى ذلك ، وقعت روسيا وحكومة السيسي صفقة اقتصادية تاريخية في فبراير من عام 2023 لإنشاء مصنع لصيانة وعمرة عربات القطارات، ويتم تمويل هذه المشاريع من قبل روسيا، وإحدى الطرق التي يمكن لمصر من خلالها سداد هذا الدين هي تقديم الدعم العسكري لروسيا في حربها المستمرة الشديدة مع أوكرانيا.
وأخيرا، يبدو أن السيسي يبذل جهودا للاستفادة من الصدع الأمريكي الروسي الحالي بطريقة تذكرنا بحقبة الحرب الباردة من أجل تعزيز مصالح نظامه، يحدث هذا في وقت تضغط فيه الولايات المتحدة على حكومة السيسي لمعالجة سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن السيسي يستغل الضعف المتصور لإدارة بايدن وموقفها المتغير في المنطقة، مما خلق مخاوف بين حلفاء الولايات المتحدة بشأن فراغ محتمل في السلطة في المنطقة، في الواقع، فإن جرأة السيسي في التخطيط لتزويد روسيا بأسلحة فتاكة تتحدث كثيرا عن تصوره لإدارة بايدن.
رد أمريكي حذر
وفي حين نفى المسؤولون الأمريكيون أي دليل على قيام مصر بتزويد روسيا بأسلحة فتاكة، إلا أن الكشف الأخير عن الوثيقة الاستخباراتية المسربة يمكن أن يكون له تداعيات كبيرة على العلاقة بين القاهرة وواشنطن، وأعرب المشرعون الأمريكيون عن مخاوفهم بشأن خطة السيسي المبلغ عنها، حيث صرح السناتور كريس ميرفي “إذا كان صحيحا أن السيسي يبني سرا صواريخ لروسيا يمكن استخدامها في أوكرانيا ، فنحن بحاجة إلى حساب جاد حول حالة علاقتنا”.
ومع ذلك، تجد الولايات المتحدة نفسها الآن أمام خيارات محدودة من حيث العمل الدبلوماسي، قد يكون أحد مسارات العمل المحتملة هو تطبيق قانون ليهي، الذي ينص على ضرورة خفض المساعدات العسكرية للدول التي تنتهك حقوق الإنسان، وبالتالي حجب جزء من المساعدات العسكرية التي تقدمها لمصر، وهو تكتيك تم استخدامه في حالات سابقة من الخلاف الدبلوماسي، ومن الأمثلة على ذلك عندما أخرت إدارة ترامب في عام 2017 195 مليون دولار من التمويل العسكري بسبب المخاوف بشأن سجل حقوق الإنسان في مصر وعلاقتها بكوريا الشمالية، ومع ذلك، فإن تنفيذ هذا التكتيك الآن قد يؤدي إلى نتائج عكسية، لأنه قد ينفر السيسي ويدفع مصر أكثر نحو موسكو.
بالإضافة إلى ذلك، قد تفكر إدارة بايدن أيضا في مسار عمل آخر، يفرض أو يهدد بفرض شروط على المساعدات الأمريكية السنوية لمصر، ويمكن أن يكون تكييف المساعدات بمثابة أداة للتعبير عن رفض الولايات المتحدة ومعارضتها لعلاقات مصر العسكرية والاستراتيجية المتزايدة مع روسيا. ويمكن أن يكون هذا الإجراء بمثابة شكل من أشكال الضغط الدبلوماسي، على أمل حث حكومة السيسي على إعادة تقييم علاقاتها مع روسيا، ومع ذلك، هناك العديد من العقبات التي يمكن أن تعرقل اعتماد مثل هذه الاستراتيجية، بما في ذلك معارضة المشرعين الذين يدعون إلى الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع مصر.
وأخيرا، هناك خيار آخر محتمل للولايات المتحدة ردا على التسريبات الاستخباراتية، وهو زيادة الانتقادات لسجل حكومة السيسي في مجال حقوق الإنسان. لطالما كانت لدى الولايات المتحدة مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية التعبير، وقمع المعارضة السياسية، والاعتقالات خارج نطاق القضاء، من خلال التعبير عن انتقادها العلني لسجل مصر في مجال حقوق الإنسان، يمكن للولايات المتحدة أن تشير إلى استيائها من تصرفات البلاد مع تعزيز التزامها بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع ذلك، فإن مصداقية وفعالية مخاوف الولايات المتحدة في مجال حقوق الإنسان كأداة لإنفاذ السياسة يقوضها تاريخها الطويل في دعم الأنظمة الاستبدادية في المنطقة وخارجها، ويعتمد نجاح أي من هذه الخيارات على عدة عوامل، بما في ذلك اعتماد الولايات المتحدة على مصر لتعزيز مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ودور مصر الحاسم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
واختتم التقرير “يبدو أن تحرك السيسي لتزويد روسيا بالأسلحة الفتاكة كان خطوة محسوبة، على الرغم من أنه ينطوي على خطر العواقب السلبية المحتملة، لا يزال التأثير الدقيق لهذه الوثيقة المسربة على العلاقة الوثيقة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة ومصر غير مؤكد”.
https://arabcenterdc.org/resource/the-fallout-of-sisis-gambit-with-russia/
