قال كاظم أبو خلف، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" في فلسطين، إن الأطفال في قطاع غزة يشكّلون 50% من عدد السكان، وجميعهم بلا استثناء يحتاجون إلى دعم نفسي مكثف يبدأ بوقف شامل لإطلاق النار، مشيرا إلى أن هناك أكثر من 630 ألف طالب وطالبة حُرموا من عام دراسي كامل، وقد يخسرون عامًا آخر، ما يعني أن مستقبل جيلٍ كامل بات معلقًا بين الأنقاض والدمار.
وقال "أبو خلف" فى تصريحات صحفية : اليونيسف تحاول إقامة "مساحات مؤقتة للتعليم" – عبارة عن خيام كبيرة تُنصب في وسط مخيمات النزوح – لمحاولة خلق بيئة بديلة تشبه المدارس، لكن سرعان ما تسقط هذه المبادرات تحت نيران الإخلاء .
مقبرة جماعية
وأشار إلى إن أكثر من 80% من مساحة القطاع أصبحت ضمن مناطق الإخلاء القسري، مؤكدا أن بعض العائلات نزحت 19 مرة، كلما استقرت في بقعة تحوّلت إلى دائرة حمراء جديدة، بين أمر إخلاء عاجل أو قصف متوقع.
وكشف "أبو خلف" أن القطاع الذي كان يُوصف لسنوات طويلة بأنه "سجن مفتوح" تحوّل اليوم إلى مقبرة جماعية، لا أماكن آمنة، حتى العاملين في المجال الإنساني لم يسلموا، موضحا أنه بحسب آخر التقديرات، قُتل 408 منهم خلال الحرب، منهم 300 موظف أممي، أي أن ما خسرته الأمم المتحدة من موظفين في هذه الحرب وحدها يفوق عدد ما خسرته في كل النزاعات والحروب السابقة مجتمعة منذ تأسيسها.
وأوضح أنه منذ السابع من أكتوبر 2023، وبحسب التقديرات المتاحة، قُتل 15,613 طفل في القطاع، وهذا الرقم لا يشمل الأطفال الذين لا يزالون تحت الأنقاض، والذين لا يعلم عددهم إلا الله في ظل صعوبات بالغة للوصول إليهم.. أما الجرحى من الأطفال فقد تجاوز عددهم 34,173 طفل.
المساعدات الإنسانية
وأضاف "أبو خلف": هناك أطفال كثيرون فقدوا أطرافهم ومنهم من أُصيب بإعاقات دائمة نتيجة القصف، وما يُفاقم الكارثة أن الجريمة لا أحد يستطيع توثيقها؛ مشيرا إلى أن الصحفيين ممنوعون من دخول القطاع، وكذلك فرق الإنقاذ الدولية والباحثون المتخصصون بجمع البيانات مُنعوا أيضًا، حتى المساعدات الإنسانية نفسها تُحاصر على الأبواب .
واستطرد: مرّ أكثر من 18 شهرًا على بدء الحرب بقطاع غزة، وما زالت الحمم تتساقط فوق رءوس المدنيين دون هوادة.. صحيح أن هناك فترة هدنة قصيرة مرت، لكنها كانت كالحلم العابر بالنسبة للأهالي وخصوصًا الأطفال، لافتا الى انه بعد انتهاء الهدنة عادت الحرب بكل قسوتها، لكن هذه المرة، أضيفت مأساة جديدة: انقطاع المساعدات الإنسانية تمامًا منذ الثاني من مارس الماضى، وهذه أطول فترة يُمنع فيها دخول أي شكل من أشكال الإغاثة إلى غزة؛ لا طعام، لا دواء، لا ماء، لا حفاضات، ولا مكملات غذائية للأطفال.. بل حتى قطع الغيار اللازمة لمحطات تحلية المياه لا يُسمح بدخولها، ولم تتوقف المعاناة عند هذا الحد، فقد تعرضت بعض محطات التحلية للقصف المباشر، وقُطعت الكهرباء عن محطة التحلية الرئيسية في دير البلح، ما أدى لانخفاض إنتاج المياه الصالحة للشرب بنسبة 85%، وهو ما أثّر على أكثر من مليون إنسان، بينهم ما لا يقل عن 400 ألف طفل.
المستشفيات
وشدد "أبو خلف" على أن الأطفال في غزة لا ينجون من الحرب، فمن لم يُقتل منهم جُرح، ومن لم يُجرح فقد أحد والديه أو كليهما، أو عاش تجربة تسرق منه الطفولة إلى الأبد.. الإصابات ليست دائمًا بسيطة؛ كثير منها يتحوّل لإعاقة دائمة؛ بسبب نقص الرعاية الطبية وغياب الأدوات الجراحية اللازمة، مشيرا إلى أن طفلة أُصيبت في قدمها وبسبب نقص الأدوات الطبية تفاقم الجرح وخضعت لثلاث عمليات بتر تدريجية، وهذا مجرد مثال من آلاف الأمثلة التي تؤكد أن أطفال غزة يعيشون بين شبح الموت والإعاقة، أو اليُتم والفقد..
وأكد "أبو خلف" أنه لا يوجد مستشفى واحد يعمل بشكل كامل من أصل 36، و20 فقط يعملون جزئيًا ويقدمون خدمات لا تتجاوز مستوى العيادات الصغيرة، وهناك أكثر من 15 ألف حالة حرجة بحاجة إلى مغادرة القطاع لتلقي العلاج، من بينهم 4500 طفل، موضحا أن من أصعب الحالات كانت حالة الطفل إسلام، مريض سرطان لم يُسمح له بالخروج للعلاج وفارق الحياة بعد ست محاولات فاشلة، وآخر أُصيب بشظية في فقرته العنقية الثالثة جعلته مشلولًا ولا يتنفس إلا عبر جهاز تنفس صناعي وهو واحد من ثلاثة أجهزة فقط بقيت عاملة في غزة بعد تدمير 47 جهازًا من أصل 50 بفعل القصف، ومع هذا النقص الحاد يتقاسم الأطفال أجهزة التنفس مع حديثي الولادة.. ما يحتم على الطواقم الطبية اتخاذ قرار قاس: من يُعطى الجهاز؟ ومن يُترك للموت؟.
المدارس
وكشف أنه مع تواصل الانتهاكات، تعرضت 95.02% من المدارس في قطاع غزة لأضرار متفاوتة من جزئية إلى دمار كامل، وبعضها قُصف أكثر من مرة، وما تبقى منها تحول إلى مراكز إيواء مكتظة بالنازحين.. مؤكدا أن هناك مرارة في عيون الغزيين، ويأسا متزايدا من العالم، وأصبح لديهم يقين بأن العالم تخلّى عنهم، وأن المجتمع الدولي لم ينقذهم، وهم محقّون.. فهم لا يحتاجون فقط إلى الغذاء والدواء.. بل يحتاجون لوقف شلال الدم، واستعادة حقهم في الحياة.
وأضاف: قطاع غزة هو أسوأ مكان يمكن أن يعيش فيه طفل، فهو قاسٍ على المدنيين والأطفال، حتى على من يحاول مساعدتهم، وكأن الأمر ممنهج، موضحا أنه في 2 مارس توقفت المساعدات كليًا، وفي 9 مارس انقطعت الكهرباء عن محطة تحلية المياه الرئيسة بالجنوب وبذلك انخفضت حصة الفرد من المياه الصالحة للشرب من الحد الأدنى المقبول عالميًا (15 لترًا في اليوم) إلى ما بين 4 إلى 6 لترات فقط، وفي 18 مارس انهار وقف إطلاق النار بشكل تام، واستؤنف العدوان، وفي 27 مارس، رفضت المحكمة العليا الصهيونية – بالإجماع – التماسات منظمات حقوقية، من بينها منظمات إسرائيلية، كانت تطالب باستئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.